ابناؤك الاشداء

خاص العهد

المخدرات في لبنان.. "على عينك يا دولة"!
12/07/2023

المخدرات في لبنان.. "على عينك يا دولة"!

إيمان مصطفى

 أصيبت عائلة شابة لبنانية (22 عامًا) بصدمة بالغة بعد معرفتها بإلقاء القبض على ابنتها في قضية تعاطي مواد مخدّرة، فيما أشارت والدتها إلى أنها كانت تثق بها ولم تشك يومًا أنها ستصبح مدمنة. الفتاة كانت ضحية شاب جاء لخطبتها، وأوقعها في المستنقع المحظور. قصة من مئات القصص التي تحصل يوميًا في لبنان وسط تكتم شديد في ظل تقاعس القوى الأمنية عن دورها بالقبض على تجار ومروجي المواد المخدّرة، اذ إن الأرقام تشير إلى انخفاض أعداد الموقوفين بقضية المخدرات، بينما الواقع يظهر العكس تمامًا. 

وفي مثال حي آخر على استفحال ظاهرة تعاطي المخدرات في لبنان، يروي مسؤول دائرة مكافحة المخدرات في الهيئة الصحية الإسلامية علي جابر لـ "العهد" أنه تم إحصاء 73 مدمنًا للمخدرات في مجمع سكني بإحدى المناطق اللبنانية يحتوي على 9 مبانِ بمجموع 307 شقق سكنية، وقد عولج منهم 8 أشخاص فقط، وشخص واحد فقط شُفي تمامًا!

إحصاءات 

بحسب جابر، الإحصاءات الرسمية لا تعكس الواقع مطلقًا، اذ إن أعداد المتورطين بقضايا المخدّرات من تجار ومروجين ومتعاطين أكبر بأشواط من الأرقام الرسمية المتداولة. ويلفت إلى أن "10 بالمئة فقط من المدمنين يتمّ توقيفهم الأمر الذي يسلّط الضوء على مشكلة إضافية".

يقول إنه "تم توقيف 2865 شخصًا بقضايا تتعلّق بالمخدرات عام 2012، فيما ارتفع هذا العدد إلى 3389 عام 2013، ووصل إلى 3587 عام 2014، وبلغ 3661 عام 2015". 

وقد تم التركيز على العام 2016، حيث عملت القوى الأمنية على متابعة الملف بفعالية مع انطلاق عهد الرئيس ميشال عون، وسجل ارتفاعًا مقداره 108% في عدد الأشخاص الموقوفين لقضايا متعلقة باستخدام المخدرات من 1762 شخصًا إلى 4709 في ظل ارتفاع مقداره 233% في عدد الأشخاص ممن هم تحت سنّ الـ 18 عامًا مقارنة بالعام 2011، في حين كان معظم الأشخاص الموقوفين ذكورًا بارتفاع مقداره 111% مقارنة بالعام 2011، ومقداره 26% بعدد الموقوفات الإناث.

وقد بيّنت الإحصاءات أنّ 80% من الموقوفين هم من الشباب الذكور و20% إناث، ممن تتراوح أعمارهم بين الـ 18 و35 عامًا. 

وقد سجل ارتفاع مقداره 69% في عدد الأشخاص الموقوفين بسبب استخدام المخدرات مقارنة بالعام 2012، بينما يظهر تقرير لوزارة الصحة صدر عام 2016 أن أعداد المدمنين وصل إلى 24 ألفًا بالمجمل. 

وفي العام 2017، تراجع عدد الموقوفين إلى 4522، وعام 2018 تراجع أكثر وصولًا إلى 3740 موقوفًا مع بدء المشاكل السياسية في البلد وبداية تقاعس القوى الأمنية عن القيام بدورها المنوط بها.

ومع بدء الأزمة الاقتصادية عام 2019 وانشغال القوى الأمنية بالمظاهرات العارمة التي عمّت البلاد تراجع عدد الموقوفين إلى 3041، ومع استفحال أزمة كورونا عام 2020 تراجع العدد إلى 1953، ووصل إلى 1464 عام 2021، فيما لم يتجاوز العدد 1041 عام 2022، علمًا أن أعداد تجار ومروجي ومتعاطي المخدرات باتت أضعاف الأعوام السابقة، إلا أن الأزمات الصحية والسياسية التي ألمت بلبنان انعكست سلبًا على دور القوى الأمنية بالتوقيفات. 

المخدرات في لبنان.. "على عينك يا دولة"!

وفقًا لجابر، فإنّ المعطيات الإحصائية في لبنان تشير إلى ارتفاع متسارع في نسبة استخدام المواد المسبّبة للإدمان والمخدرات والكحول، خاصة لدى الفئة الشبابية. وفي إحدى الدراسات تبين أن حوالى 4.7 % من تلامذة المدارس الرسمية والخاصة من عمر الـ 13 إلى 15 عامًا قد استعملوا ولو لمرة واحدة نوعًا أو أكثر من المخدرات، وهذا رقم يدق ناقوس الخطر خصوصًا أن نسبة قليلة جدًا من الأشخاص الذين يستخدمون المخدرات يتلقون العلاجات، فيما نسبة الشفاء من التعاطي لا تتخطى الـ 20 % بالمجمل. 

يلفت جابر إلى أن منظمة الصحة العالمية قدرت ارتفاع حدة التعاطي في لبنان عام 2020 إلى 60% نتيجة أزمة كورونا والتدهور الاقتصادي والفراغ والبطالة والأزمات النفسية، فالانكماش الاقتصادي الناتج عن أزمة "كوفيد 19" أدى إلى رفع مستويات إنتاج المخدرات والاتجار بها وتعاطيها، وتفاقم الحالة الاجتماعية والاقتصادية للفئات الضعيفة دفعها إلى مزاولة أنشطة غير مشروعة للتعويض عن خسائرها، فيما الفئة العمرية الأكثر استهدافًا كانت بين الـ 15 والـ 25 عامًا.

يأسف جابر للحال الذي وصل إليه الشباب إذ إن هيبة الدولة باتت مفقودة، والقوى الأمنية قد امتنعت عن التوقيفات بحجة عدم توفر أماكن كافية في السجون لأن عدد الذين كانوا سيوقفون يُقدَّر بالآلاف، فتفلّتت الأمور.

ما هي المخدرات؟

يعرّف جابر المخدرات بأنها مواد تحتوي على مكوّنات مهدئة ومسكنة ولها أنواع عديدة وتؤثر على من يتعاطاها بشكل سلبي وتسبب له الإدمان الجسدي والنفسي والغياب الذهني وتؤدي إلى تدمير الجهاز العصبي والصحة، موضحًا أن الإدمان النفسي هو الحاجة النفسية الملحة لتعاطي المخدر، أما الإدمان الجسدي فهو حاجة الجسد الفيزيائية لوجود المخدر. 

المخدرات في لبنان.. "على عينك يا دولة"!

أنواع المخدرات

وفقًا لجابر، يمكن تصنيف المخدّرات بحسب تركيبتها، فمنها الطبيعية التي توجد بشكلها الطبيعي دون أن تدخل عليها أي تغيرات كيميائية وهي ذات أصل نباتي، ومنها الحشيش والكوك والقات، والمخدرات التصنيعية التي تُصنع من نتاج المخدرات الطبيعية ومنها المورفين والهيروين اللذان يُستخلصان من الأفيون، والكوكايين من نبات الكوك. أما المخدرات التخليقية فيتم "تخليقها" وصناعتها داخل المعامل انطلاقًا من مركبات كيميائية ولا تستخرج من المخدرات الطبيعية ومن هذه المخدرات الأمفيتامينات.

وتتنوع المخدرات بين المهدئة كالبنزوديازيبين والباربيتورات، والمنشطة كالكوكايين وأمفيتامين وكبتاغون، والمواد المهلوسة كالحشيش والمارجوانا والسالفيا، ومسكنات الآلام كالكوديين والهيرويين والترامادول، والمواد المستنشقة كالصمغ والبنزين، والمواد المحبطة ومنها "GHB".

كما أن بعض الأدوية المهدئة تعد من المخدرات، وتسبب الدوار والنعاس، وفقدان الذاكرة، والتلعثم أثناء الكلام، وعدم الثبات عند التحرك أو الوقوف، ومواجهة صعوبة في التنفس، ومشاعر الاكتئاب والأفكار الانتحارية، وظهور الهالات والبشرة الشاحبة، وعدم وضوح الرؤية.

المخدرات في لبنان.. "على عينك يا دولة"!

ويمكن تصنيف المخدرات حسب مبدأ التأثير، فالمنشطات "Upper Drugs" تحفز الجهاز العصبي المركزي في الجسم، أما المهدئات "Downer Drugs" فتثبط الجهاز العصبي المركزي في الجسم، والمهلوسات "Hallucinogens" التي يؤدي استخدامها إلى اضطراب حواس الجسم المختلفة من النظر، السمع، الشم، والشعور بالأشياء المحيطة تسبب هلوسات مفرطة ومقاربة للموت (تجربة خروج الروح من الجسد)، وتجعل المدمن يشعر بأنه جماد لا حياة فيه ويفقد الذاكرة بصورة مؤقتة.

 كيف يتورط الشباب في المخدرات؟ 

يشدد جابر على أن أغلب المدمنين يبدأون بالتجربة، فيجرّب الشخص المادة لأول مرة بدافع الفضول، وهنا تعتبر المرة الأولى هي الأخيرة الكافية للإدمان، فيما تفيد التقارير أن غالبية من جربوا المخدرات بدأوا قبل سن الثامنة عشرة. 

بعدها تكون مرحلة الاعتياد اذ يكون تعاطي المخدرات فيها بقصد التعود دون تحقيق أي نتائج نفسية أو عضوية مرورًا بمرحلة التحمل عبر زيادة الجرعات المأخوذة تدريجيًا للوصول إلى نفس تأثير النشوة الوهمية، وصولًا إلى مرحلة الاعتماد التي يكون فيها الشخص قد وصل حد الاعتماد على المخدرات اعتمادًا نفسيًا وجسديًا ولا يستطيع التخلي عن تعاطيها مطلقًا فيصبح مدمنًا.

ويضيف: "قد يكون التورط عبر التردد إلى أماكن الشبهة واللهو، أو التعاطي العرضي عبر الأدوية والتعاطي السلبي عبر الاستنشاق في الأماكن الضيقة بالإضافة إلى دسها في المشروبات وبعض المأكولات إلى جانب الاعتقاد الخاطئ بعدم خطورة تعاطي الحشيشة".

المخدرات في لبنان.. "على عينك يا دولة"!

بحسب جابر، يعتبر موضوع تقديم المخدرات من خلال "الضيافة" واردًا ولكنه نادر الحدوث، فالأغلب الأعم من الشباب يرمون بأنفسهم إلى التهلكة عبر الانصياع للمروجين الذين يغسلون دماغهم بأوهام الحياة السعيدة التي يقدمها المخدر. أما بالنسبة للإناث اللواتي وقعن في براثن المواد المخدرة، فقد يسقطن في مستنقع المخدرات عبر مجموعة من الفتيات المروجات أو عبر معرفتهن لشبان مدمنين للمخدرات، وبسبب "علاقة الصداقة التي تجمعهم" أو "الوعود بالزواج"، يندفعن تدريجيًا إلى التعاطي.

يوضح جابر أن من يروّج المخدرات ويقوم بتوصيلها إلى المتعاطين غير الذي يتاجر بالمخدرات ويوزّعها. التاجر هو ممتهن الشيء، لكن المروّج يسوق المادة المخدرة التي يحصل عليها من التاجر. ولكن المتعاطي مع الوقت يصبح مروجًا، وبالكثير من الأحيان المروّج يصير تاجرًا ويعمل لتشكيل "بوطة" من المروجين، والذين بدورهم يستقطبون متعاطين جددًا، وهكذا حتى تصبح الأعداد مضاعفة بشكل كبير.

أسباب اللجوء إلى المخدّرات

تعددت الأسباب التي تدفع الشباب للإدمان، بحسب مسؤول دائرة مكافحة المخدرات في الهئية الصحية الإسلامية، ومنها العوامل البيئية المساعدة لانتشار المخدرات بين الشباب وسهولة الوصول إليها والمحيط الاجتماعي للفرد الذي يعتبر المحفّز الأكبر لتعاطي المخدرات والإدمان، فالشباب الذين يعيشون في بيئات غير آمنة وغير منضبطة يواجهون خطر التعاطي والإدمان والضغوطات الصعبة في لبنان التي تترافق مع التحولات الكبيرة في حياة الشباب والمراهقين حيث يبحث الشباب في البيئة الفقيرة عن طريقة للهروب من الواقع.

كما تلعب العوامل الاقتصادية كالفقر والبطالة وانعدام فرص العمل دورًا حاسمًا في لجوء بعضهم لتجربة المواد المخدرة، ويعتبر غياب الرقابة الأسرية من أهم العوامل حيث يعاني معظم الشباب المدمنين على المخدرات من مشاكل أسرية تتضمن الإهمال وغياب الرقابة وانقطاع التواصل والعنف المنزلي أو سوء المعاملة في المنزل أو التعرض للتنمر في المجتمع.

ومن الأسباب أيضًا الصدمات النفسية والعاطفية والاضطرابات العقلية التي تحفز الرغبة بتعاطي المواد المخدرة بسبب فقدان السيطرة على الدوافع أو محاولة لتقليل الأعراض.

المخدرات في لبنان.. "على عينك يا دولة"!

 الحشيش

يتابع جابر: "يعتقد البعض أن الحشيش ليس من المخدرات وأنه لا يسبب ضررًا على الجسم مثل أنواع المخدرات الأخرى، وهذا اعتقاد خاطئ تمامًا، فالحشيش لديه قدرة على تدمير الصحة على المدى الطويل كما أنه يؤثر على الدماغ ويعرض المدمن إلى الإصابة بالفصام وأعراض الذهان في الوقت الذي استغلّ فيه البعض إقرار قانون تشريع زراعة الحشيش الخاصة بالحاجات الطبية للترويج، علمًا أن الحشيش المخصص للعلاجات الطبية يختلف عن ذلك المتعلق بصناعة المخدرات". 

ويشير إلى أن "آثار إدمان الحشيش تتلخص بالوهن العام في الجسم، الشعور الدائم بالنعاس، احمرار بياض العينين، الحاجة الدائمة للسكريات، ارتعاش مفاجئ في أطراف الجسم، تقلب المزاج الحاد، فقدان التركيز، أما ردود الفعل فتميل إلى العدوانية والتحوّل الى شخص ذهاني بعد فترة". 

المخدرات في لبنان.. "على عينك يا دولة"!

ما هي العلامات الملحوظة للإدمان؟

يمكن الشك بأن شخصًا ما بات مدمنًا من خلال تدهور المظهر الخارجي ونزول الوزن المفاجئ والتغيرات المفاجئة في الشخصية، وفقًا لجابر، إلى جانب التحولات الجذرية في نمط النوم والتقلبات المزاجية المفاجئة والهزات الجسدية والكلام بشكل غير لائق أو ضعف التنسيق أثناء الكلام. 

كما يمكن ملاحظة التغيرات المفاجئة في نمط الحياة كتغيير الأصدقاء المقربين والهوايات، أو انخفاض مستوى المشاركة الفعّالة في المدرسة أو الجامعة أو العمل، ومن خلال الوقوع في المعارك، أو الحوادث، أو القيام بأنشطة غير قانونية، أو ممارسة الكذب، والشعور بالخوف أو القلق دون سبب.

المخدرات في لبنان.. "على عينك يا دولة"!

 كيف تتم معالجة الإدمان؟

يؤكد جابر لـ "العهد" أنه يجب الحذر بالتعامل مع المدمن، والعلاج يكون عبر تخفيف العوراض الناتجة عن الإدمان، وعدم التصرف بأسلوب خاطئ مثل حجز المدمن في البيت ومحاصرته أو محاولة منع التعاطي بأسلوب "بوليسي" شديد قد يؤدي الى نتائج سلبية. 

والمرحلة الأولى للعلاج تتمثل بالتقييم الشامل والفحص الأولي، وفي المرحلة الثانية يتم طرد السموم من الجسد مرورًا بالمرحلة الثالثة المتمثلة بالتأهيل والعلاج النفسي السلوكي، وأخيرًا المتابعة الخارجية بعد الانتهاء كمرحلة نهائية. 

المخدرات في لبنان.. "على عينك يا دولة"!

ويضيف: "يجب استشارة الخبراء وبالتحديد الأطباء النفسيون بهذا الخصوص، وخلق بيئة غير مستنكرة للعلاج أو تُشعر بنبرة العار المجتمعية من إدمانه إلى جانب إشراكه في الخطط العائلية والأنشطة والزيارات التي تقوم بها الأسرة وعدم تركه بمفرده مطلقًا".

والأهم بالعلاج، وفقًا لجابر، هو إبعاد المدمن عن الأماكن السابقة والأشخاص الذين تعاطى معهم وكانوا السبب في تجربته الأولى، وهذه من أصعب المشاكل التي تتم مواجهتها حاليًا في لبنان. 

ويأسف في هذا السياق لعدم تعاون الأهل إلا بعد استفحال الحالة ولقلة ثقافتهم ومتابعتهم حيث يتفاجأ الأهل بأولادهم وبتورطهم، داعيًا إياهم لتكثيف الرقابة على أبنائهم سواء كانوا ذكورًا أم إناثًا خوفًا من انحرافهم إلى الطريق غير القويم بفعل أصدقاء السوء والمروجين.

إقرأ المزيد في: خاص العهد