معركة أولي البأس

خاص العهد

قصّة "الغجر" من ألفها إلى يائها
08/07/2023

قصّة "الغجر" من ألفها إلى يائها

فاطمة سلامة

لطالما حاول العدو الإسرائيلي عبر العقود الماضية فرض واقع جديد في الجزء اللبناني من بلدة "الغجر" بهدف ضمّه للأراضي المحتلة. العدو الذي لم تردعه القرارات الدولية حاول مرة جديدة "اللعب بالنار" فعمل قبل أيام على تثبيت سياج معدني جديد بمواصفات عالية في محيط كامل الجزء اللبناني من بلدة "الغجر" فضلًا عن استقدامه لمكعبات اسمنتية. تمامًا كما عمد إلى زرع كاميرات تجسُس على أبراج حديدية موجّهة نحو الأراضي المحرّرة. ماذا يعني ذلك؟ يعني بكل بساطة إعلان تكريس احتلال العدو للجزء اللبناني من هذه البلدة وضمّه رسميًا إلى الأراضي المحتلة في انتهاك كبير للسيادة اللبنانية. وفي محاولة "إسرائيلية" مدعومة ــ من قبل جهات دولية ــ لطمس هوية الجزء الشمالي اللبناني لهذه البلدة وقضمه. 

القضية تفاعلت للمرة الأولى عام 1967 

الخبير العسكري العميد الدكتور أمين حطيط يروي في حديث لموقع "العهد" الإخباري قصّة بلدة "الغجر" من ألفها إلى يائها، فيوضح أنّ قضيّة هذه البلدة تفاعلت للمرة الأولى عام 1967. "الغجر" في الأساس ــ كقرية آهلة ــ هي سورية مئة في المئة تقع عند الحدود السورية-اللبنانية. هذه القرية احتلتها "إسرائيل" عام 1967 وتحديدًا في آخر ساعة من ساعات الحرب. وبحسب حطيط، يشهد على هذا الأمر الجيش اللبناني الذي كان يتواجد عسكريًا في المنطقة، وبقيت "الغجر" تحت الاحتلال حتى العام 1978 من دون أي تغيير في واقعها. في العام المذكور احتلّت "إسرائيل" بعمليتها العسكرية المعروفة التي شنّتها في 14 آذار 1978 جنوب الليطاني وصدر يومها القرار 425 الذي لم تنفّذه "إسرائيل"، بل تمسكت بالاحتلال وفتحت لأهالي "الغجر" المجال لأن تتمدّد قريتهم باتجاه لبنان ليبدأ البناء على أرض الغير.

يوضح حطيط أنّ أهل "الغجر" بدأوا بالعمران على الأرض اللبنانية التي احتلتها "إسرائيل"، وبما أنّ طبيعة الأرض مؤاتية للعمران حيث لا جبال ولا صخور تمدّدت "الغجر" بسرعة باتجاه الأرض اللبنانية وبقيت عملية البناء مستمرة من عام 1978 حتى عام 2000. في ذلك العام ــ يقول حطيط ــ "جئنا للتحقُق من الانسحاب الإسرائيلي وكُنت في حينها رئيس اللجنة فوضعنا خط الحدود الدولية بيننا وبين فلسطين وسورية على الخريطة، وفوجئتُ كيف اتسعت هذه البلدة حتى بات الثلثين من مساحتها في الأرض اللبنانية والثلث في سورية. وهنا يوضح حطيط كيف طرح القضية مع الأمم المتحدة ولفت إلى وجود وضع "شاذ" يجب معالجته. حينها جرى رفع الأمر إلى رئيس الجمهورية آنذاك العماد إميل لحود وقلنا له أنّ ثمة قسمًا من قرية "الغجر" على الأرض اللبنانية لكنّ سكانها سوريون ولا أحد يملك الجنسية اللبنانية. وفق حطيط، أكّدت الخرائط في وقتها أنّ الأرض للبنان، بينما هويّة المواطنين سورية.

قصّة "الغجر" من ألفها إلى يائها

يلفت حطيط إلى أن الجانب اللبناني برئاسته عمد إلى رسم الخريطة عند الحد تمامًا مع فريق الأمم المتحدة الذي ترأسه يومها المدعو نيكولاس الذي يحمل الجنسية الأميركية وهو رئيس الفريق التقني ورئيس قسم الخرائط في الأمم المتحدة. المذكور قال لحطيط حرفيًا أن "ما تُطالبون به صحيح والحق معكم"، فبدأت عملية التدقيق بالخرائط والوثائق التي يمتلكها لبنان ليتبيّن أنّ ثلث قرية "الغجر" الحالية سورية والثلثين على أراض لبنانية، وقد اعترف نيكولاس بهذا الأمر ووافق بدون أي نقاش بعدما رُسمت وقدّمت الخرائط وبات لدينا الخط الذي يقسم البلدة بين ثلثين وثلث. لكن هنا برزت مشكلة التنفيذ ــ يقول حطيط ــ الذي يلفت إلى أنّ الرئيس لحود عرض آنذاك على الأمم المتحدة صيغة نقلتها بدورها إلى الكيان الصهيوني. فحوى الصيغة تنُص على أن يستضيف لبنان كامل البلدة بشقيها اللبناني والسوري على اعتبار أن الشقّ اللبناني محرّر، وبذلك تبقى الأرض السورية بضيافتنا حتى تحرير الجولان. 

إلا أنّ "إسرائيل" رفضت ــ وفق ما يروي حطيط ــ فيما رفض لبنان لأجل الأهالي أن يبقى القسم اللبناني محتل. وفي الختام، توصلنا إلى الحل التالي: تنقسم "الغجر" بشريط شائك يفصل القسم اللبناني عن السوري وتُستحدث بوابة تتولّاها الأمم المتحدة، ويكون للبنان الحق بالقيام بعملياته السياسية والإدارية ضمن القسم الخاص فيه ويُمنع على "إسرائيل" الدخول إلى القسم اللبناني، بينما يُسمح لأهل "الغجر" في القسم اللبناني والسوري تبادل الزيارات عبر بوابة تُشرف عليها الأمم المتحدة.

في البداية، مانعت "إسرائيل" هذه الصيغة، ولكن تحت ضغط التهديد باللجوء إلى العمل المقاوم قبِلت. وبالفعل، عملت الأمم المتحدة ــ بناء على الخط المرسوم على الخريطة ــ  على وضع شريط شائك ضمن "الغجر" واستحدثت بوابة ووضعت مركزًا لها عند البوابة تُراقب من خلاله حركة الدخول والخروج، فيما سمح الجانب اللبناني للبنانيين ممّن يُريدون الذهاب إلى "الغجر" الدخول إلى القسم اللبناني دون الدخول إلى القسم السوري. هذا الواقع بقي قائمًا حتى عام 2006 بحيث تمتنع "إسرائيل" عن الدخول إلى القسم اللبناني، وتتواجد الأمم المتحدة داخل بلدة "الغجر" ويتبادل الأهالي الزيارات عبر بوابة الأمم المتحدة. إلا أنّه وبعد حرب الـ2006 أطاحت "إسرائيل" بالاتفاق ودخلت إلى القسم اللبناني. حينها يقول حطيط: "لفتتُ نظر المسؤولين الذين كانوا يتفاوضون حول القرار 1701 إلى مسألة "الغجر" وضمنّا القرار نصوصًا تتعلّق بمزارع شبعا و"الغجر" المحتلة وكان على "إسرائيل" تطبيق القرار 1701 عبر إخلاء القسم اللبناني من "الغجر" لكنّها لم تفعل".

تجربة الجولان تتكرّر.. 

وفي هذا السياق، يلفت حطيط الانتباه إلى أنّ المقاربة تختلف بين مزارع شبعا و"الغجر". النقاش حول هوية الأولى لا يزال ساريًا رغم أنّها معروفة الهوية ولا يحق للمشكّكين تجاهل لبنانيتها. إلا أنّ "الغجر" لا أحد يناقش في هويتها حتى عندما جرى رسم الخرائط عام 2000، حيث رُسم الخط بلا نقاش. وبالتالي، فإنّ "إسرائيل" انتهكت السيادة اللبنانية عندما احتلّت "الغجر" مرة أخرى، وانتهكت القرار 1701 الذي يُطالبها بالخروج من "الغجر" ولم تُنفّذه. واليوم عندما تُقفل "إسرائيل" القسم اللبناني وتمنع اللبنانيين من الدخول وتُعلن ضمّ الجزء الشمالي من "الغجر" إلى الأرض المحتلة هي في الحقيقة تُمارس أكثر من احتلال. وفق حطيط، الاحتلال يُترجَم عبر الوجود العسكري على الأرض دون الادعاء بتبعية الأرض، أما ما يحصل اليوم فهو ضمّ الأرض بعد احتلالها، ما يعني أن "إسرائيل" تُمارس الشيء ذاته الذي مارسته في الجولان حيث عملت على احتلال الأرض ثمّ ضمّها وهذه سياسة القضم الإسرائيلية التي على لبنان أن يواجهها.

وفي ختام روايته لقصّة "الغجر" يُشدّد حطيط على ضرورة مواجهة الانتهاك الإسرائيلي الصارخ. تلك المواجهة تتّخذ ثلاثة مسارات: 

- المسار الأوّل عبر الفعل السياسي أي عبر الدولة اللبنانية. 

-المسار الثاني عبر فعل الجيش اللبناني أي العمل العسكري. وفق حطيط، الجيش ينسّق مع الأمم المتحدة حول الخروقات والانتهاكات  والاعتداءات الإسرائيلية، ومن المفترض أن يقوم بهذا الأمر في ما يخص "الغجر". 

-المسار الثالث عبر فعل الشعب والمقاومة لردع الاحتلال عن انتهاكاته، يختم حطيط حديثه. 

امين حطيطالغجر

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة

خبر عاجل