خاص العهد
ما مستقبل الدولار؟
فاطمة سلامة
كُثر يستفسرون عمّا سيكون عليه حال الدولار في الأيام القادمة. الانخفاض الطفيف الذي شهده في الآونة الأخيرة والذي سبقه استقرار نسبي لفترة ــ لا بأس بها ــ يطرح علامات استفهام حول مصير الدولار. الأخير تضاعف سعر صرفه في إحدى الفترات أكثر من 93 مرة عما كان عليه أواخر عام 2019 أي عندما كان 1507 ليرات، وهو الآن مُضاعف أكثر بـ60 مرة. ولا يخفى أنّ احتجاز الودائع في المصارف شكّل عاملًا أساسيًا للارتفاع الجنوني في سعر الصرف وسط تضخم الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية وانخفاض عرض الدولار. اليوم، ومع تعديل التعميم 158 واقتصار سحب الودائع على الدولار دون الليرة اللبنانية بسقف 400 دولار للمستفيدين القدامى، و300 دولار للمستفيدين الجُدد، ثمّة من يسأل عما اذا كان سيؤثّر هذا التعديل على واقع الدولار ويُسهم في انخفاضه.
عكوش: عوامل عديدة ساهمت في الانخفاض
الخبير الاقتصادي الدكتور عماد عكوش يستهل حديثه بالإشارة الى أنّ ثمّة عوامل عديدة ساهمت في الاستقرار ولاحقًا الانخفاض الطفيف الذي شهده سعر صرف الدولار مؤخرًا؛ منها ما له علاقة بتطبيق سعر منصة "صيرفة" على الضرائب والرسوم، وعليه يتم امتصاص كتلة كبيرة من الليرة اللبنانية في السوق رغم أن معظم القطاعات العامة متوقفة عن العمل ولا تعمل بشكل فعلي، ولا يتم دفع الرسوم بالشكل المطلوب. وفق عكوش، لو أنّ الإدارات العامة تعمل بشكل أكبر لكان بالتأكيد جرى امتصاص كتلة أكبر من الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية عبر تسديد الضرائب والرسوم.
ومن العوامل المُساعدة في خفض سعر صرف الدولار ــ وفق عكوش ــ منصة "صيرفة" من خلال تدخل مصرف لبنان في السوق بائعًا للدولار الذي يأتيه من عدة جهات سواء من خلال مساعدات النازحين التي يدفعها بالليرة اللبنانية، أو من خلال شرائه دولارات من السوق وبيعها لـ"صيرفة" ما يسهم في تهدئة السوق وانخفاض الطلب خاصة أن الفارق بين سعر منصة "صيرفة" والسوق الموازي أصبح اليوم صغيرًا جدًا، فمنصة "صيرفة" 85500 ليرة والدولار يتراوح بين 91 و92 ألف ليرة، بينما في السابق كانت الفروقات تفوق العشرة آلاف ليرة.
يُضيف عكوش عامل الاغتراب والسياحة، فهذا الأمر دفع باتجاه انخفاض سعر صرف الدولار لأنّ المغتربين والسُيّاح يضخون دولارات في السوق ويستهلكون وهذا يؤمن سيولة كبيرة بالعملة الأجنبية للسوق المحلي ولا يضطر الصرافون لرفع أسعار الصرف لأخذ المزيد من الدولارات لتلبية حاجات التجار. وهنا يأمل عكوش أن يستمر هذا الانخفاض، فبعد انتهاء فصل الصيف سنفقد عاملًا أساسيًا يتمثّل بأموال المغتربين. وفق عكوش، عام 2022 دخل الى الداخل اللبناني من أموال السياحة 6 الى 7 مليارات دولار، ويتوقع هذا العام أن يدخل أكثر. يشير عكوش الى أن لبنان من الدول التي يُعد فيها معدّل الإنفاق للسائح هو الأعلى اذ يتراوح بين 4000 و4500 دولار، بينما في تركيا لا يتجاوز الـ600 الى 700 دولار للسائح. هذا الأمر ناتج عن نوعية السياحة في لبنان، فالمغترب اللبناني يصرف بشكل أكبر من غيره، وهذا يؤدي الى صرف كميات أكبر من الدولارات، وعليه فالاغتراب عامل قوي للحفاظ على استقرار الدولار.
يغوص عكوش أكثر في تعاميم مصرف لبنان فيلفت الى أنّ التعميم 151 لم يتغيّر شيء أساسي عليه اذ لا يزال الحد الأقصى 1600 دولار على سعر صرف 15 ألف ليرة، وعليه لا تغيير بالكتلة النقدية الموجودة في السوق. أما التعميم 158 فينص في الأساس على إعطاء 400 دولار "فريش" و400 دولار على سعر صرف 15 ألف ليرة (نصفها "كاش" ونصفها في البطاقة البنكية). بموجب التعديل الجديد جرى تثبيت الـ400 دولار "فريش" للمستفيدين القدامى والبالغ عددهم 187 ألفًا، وجرى إيقاف عملية الدفع بالليرة اللبنانية ما يعني توقف "الهيركات" وهذا أمر جيد ــ وفق عكوش ــ اذ لم يعد مقبولًا أن يتحمل صغار المودعين هذه الخسارة.
وفي هذا الإطار، يوضح المتحدّث أن التعديل الجديد يساعد على خفض الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية لأن الـ400 دولار التي يتقاضى جزءًا منها المودع بالليرة لن تُضخ في السوق وهذا يساعد على استقرار سعر الصرف. كما يسمح التعميم للمستفيدين الجدد ــ شرط أن يستوفوا الشروط السابقة ــ بتقديم طلب جديد للاستفادة من التعميم والحصول على 300 دولار شهريًا. وهنا يرجّح عكوش أن يستفيد ما بين 60 الى مئة ألف مودع جديد من التعميم ما سيعمل على امتصاص المزيد من الكتلة النقدية بالليرة، ويساعد على تهدئة السوق عبر ضخ حوالى 300 مليون دولار إضافية سنويًا في السوق.
وحول ما اذا كان سيُكتب لتطبيق التعميم الاستمرارية، يوضح عكوش أنّ المصارف اذا أرادت أن تستمر في إعطاء المودعين أموالهم باستطاعتها لأن لديها السيولة الكافية، فهي بحسب البيانات المالية التي تنشرها تملك موجودات خارجية وتحتفظ بنسبة محددة من هذه السيولة لتلبية طلبات التجار والمراسلين. وفي هذا الإطار، سمح مصرف لبنان لهذه المصارف بأن تستعمل جزءًا من تلك الأموال في الخارج لتسديد الودائع وفقًا للتعميم 158 وأعطاها مهلة لإعادة تشكيل السيولة في الخارج نظرًا لأهميتها لأنها إذا فقدت قيمة السيولة فقدت تعاملها مع الخارج وليس بإمكانها حينها لا فتح اعتمادات ولا القيام بأي نشاط مصرفي.
تعديل التعميم ليس حلًا جذريًا
وفي الختام، لا يخفي عكوش أن تعديل التعميم ليس حلًا جذريًا لحصول المودعين على أموالهم. الخيار الأفضل بالنسبة اليه هو الذهاب نحو إقرار القوانين. يوافق عكوش على أن تعديل التعميم هو بمثابة "إبرة مورفين" فهو ليس بديلًا عن إقرار القوانين الأساسية كالـ" كابيتال كونترول"، "إعادة هيكلة المصارف"، وإقرار "خطة إعادة التوازن المالي"، والموازنات. كل هذه القوانين والخطط يُفترض أن تقر وهي الأساس لحصول المودع على وديعته كاملة، والا التعاميم ليست علاجًا نهائيًا، وهي تهدئة للسوق وخواطر المودعين لا أكثر.
يشوعي: ليس حلًا لأموال المودعين
الخبير الاقتصادي الدكتور إيلي يشوعي لا يرى في تعاميم مصرف لبنان أي "بارقة أمل". وفق قناعاته، فالتعميم 158 لا يُسهم في خفض سعر الصرف لأن المستفيدين الجدد من المودعين لن يحصلوا سوى على 300 دولار، وبالتالي فعرض الدولار ليس كبيرًا. صحيح أنّ التعميم سيرفع عدد المنتسبين الى البرنامج لكن في المقابل فإنّ البنك المركزي طلب من المصارف أن تسعى لتمويل التعميم من سيولتها الخارجية أي مما لديها من عملات صعبة في البنوك المراسلة وهذا قد يؤثر سلبًا على فتح الاعتمادات في المستقبل.
لا يرى يشوعي في تعديل التعميم سوى أنه يعبّر عن أزمة دولار في البنك المركزي عكس ما يشاع عن احتياطات بـ8 و9 مليارات دولار. وفق المتحدّث لن يساهم في خفض سعر الصرف وليس حلًا لأموال المودعين، ولن يوقف "الهيركات" عن الودائع، يختم يشوعي.