خاص العهد
الاقتصاد اللبناني: للأغنياء فقط
خاص "العهد"
تتعالى مزايدات المسؤولين بضرورة تقليص الإنفاق وخوض معركة تخفيض رواتب وأجور القطاع العام للحد من العجز في الموازنة العامة. بعيدا عن صوابية خطة التقشف التي تعمد الدولة الى المضي بها في ظل نمو منخفض ونسبة تضخم 3.15% لا بد من إيضاح الخيارات المتاحة التي حصرتها الدولة بخفض الرواتب والأجور. من جديد تتجه أفواه أصحاب السلطة نحو قضم ما تبقى من طبقة متوسطة لحساب جيوبهم.
منذ بداية العمل على تشكيل حكومة انتخابات 2018 التي تفاوتت فيها نسب الاقتراع، ولكن استطاعت فيها السلطة الحاكمة تجديد صلاحياتها دون أي محاسبة على غياب الموازنة أو الكهرباء أو حتى الطبابة، كثر حديث النواب والكتل النيابية عن قرارات غير شعبية. تنبأ البعض بالمساس بالرواتب والأجور كاستمرارية للسياسة الاقتصادية القائمة منذ 1992 وحتى اليوم: "المصارف أولا".
تقوم الخطة الاقتصادية الحالية على القيام بإصلاحات تتناسب و"سيدر". التناقض واضح في خطة التقشف، إعفاء 15 شركة من غرامات الضرائب مقابل تخفيض رواتب أو مخصصات لذوي الدخل المحدود.
إيرادات مغيّبة
وبالتعمّق بإيرادات الدولة لا بد من الحديث عن الموارد المغيبة التالية والتي يتم تجاهلها في ظل الحديث عن تقليص العجز:
ـ تأجيل التنقيب عن النفط وبالتالي تأجيل عائداته المقدرة بمتوسط سنوي 4.5 مليارات دولار.
ـ تصحيح النظام الضريبي المبني على الضريبة التصاعدية، وبالتالي تعويم الطبقة المتوسطة على حساب القلّة من الأغنياء.
ـ العمل على تصحيح النظام الجمركي والحد من التهرب من الرسوم الجمركية والضريبية.
ـ فرض ضريبة على الأملاك البحرية وعوائد المصارف.
ـ وقف الإعفاء الضريبي الذي يشجع الشركات والأفراد على عدم الالتزام بتسديد الرسوم للدولة.
بدائل سهلة وسريعة
أما على صعيد الإنفاق الذي تم حصر خفضه بالرواتب والأجور فيمكن طرح البدائل التالية:
ـ مراقبة الهندسات المالية التي ينفقها المصرف المركزي لزيادة أرباح المصارف التابعة للوزراء والرؤساء.
ـ تخفيض خدمة الدين التي جنت منها مصارف لبنان مليارات الدولارات.
ـ حلّ جدي لمشكلة الكهرباء بعيدا عن طروحات البواخر التي تنهك الاقتصاد اللبناني.
ـ وقف المخصصات الخيالية التي يحصل عليها بعض من الفئات الأولى في الإدارات العامة.
ـ الرقابة الحقيقية على عقود البيع والشراء واعتماد مبدأ المناقصة ووقف العمل بالعقود بالتراضي نهائيا.
إن توجه الحكومة نحو خفض الرواتب والأجور في ظل ركود اقتصادي غير آبهة بالغلاء المعيشي الذي يطال الطبقات المتوسطة والدنيا يعني خفض الطلب، وبالتالي زيادة الأزمة الاقتصادية الحالية.
إن أكثر الأمور وضوحا هو عدم قدرة لبنان على الاستدانة من جديد في واقعه الحالي، وهو أول ما تتجه الحكومة لتنفيذه. لا خطة واضحة للسداد ولا قطاعات إنتاجية ستبنى. وبالتالي لا مبرر لهذه الاستدانة. كان من الأولى على واضعي الخطة الاقتصادية للبلد أن ينظروا للأمد البعيد لهذه الاستدانة والتي تقتصر فوائدها على ما قدمته من فوائد الديون السابقة، أما سلبياتها فلا يمكن حصرها بسلبيات الديون السابقة.
كانت لتبرر خطة تقشف لا تزيد الإنفاق على الدين.. ولكن في حالة لبنان، لا مبرر للاقتصاص من رواتب موظفي القطاع العام بدل العمل على تفعيله ومضاعفة إنتاجيته.
العمل الجدي يكمن في استغلال كفاءات القطاع العام بدلا من توظيف شركات استشارية أجنبية وبذل المال العام عليها لتعطي توصيات مرحلية. ومن هنا، لا يمكن تغييب المصالح الشخصية لأصحاب القرار باستنزاف المال العام لصالح المصارف المملوكة من قبلهم.
الإصلاح الاقتصادي الحقيقي يبدأ عند وضع وتنفيذ قانون يمنع أصحاب المصارف من تولي قرار الاستدانة..