معركة أولي البأس

خاص العهد

أميركا للبنان.. صندوق النقد أو لا مخرج آخر
31/03/2023

أميركا للبنان.. صندوق النقد أو لا مخرج آخر

فاطمة سلامة

في 22 تشرين الثاني 2022 "بشّرت" مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف لبنان بانهيار مالي كبير. موقفٌ تتالت بعده الانهيارات الدراماتيكية لليرة اللبنانية، فبعد أن تراوح سعر صرف الدولار في حينها بين 38 و40 ألفًا ها هو اليوم يتخطى المئة ألف ليرة. ولأنّ ليف وأمثالها تنضح بما في إناء المشروع الأميركي الكبير في بلدنا بشّرت لبنان أمس الخميس (30 آذار 2023) بأن لا بديل أمام لبنان للتعافي الاقتصادي سوى بإحراز اتفاق مع صندوق النقد الدولي. ترسم ليف هذه المعادلة التي تحمل رسالة واضحة للبنان؛ إما الخضوع لوصاية صندوق النقد الدولي وإما المزيد والمزيد من الانهيار. كلام ليف ــ التي زارت لبنان قبل أيام ــ لم يُبن حُكمًا وفق قراءة اقتصادية بحتة، إنما فيه ما فيه من المعطيات والمعلومات المستقاة من مشغّلها في واشنطن لتسعير الوضع اللبناني على "الأرض" أكثر فأكثر والذهاب بلبنان نحو الهاوية على كافة المستويات.  

ناصر الدين: كلام ليف حصار سياسي متكامل  

الكاتب والباحث الاقتصادي زياد ناصر الدين يُقدّم قراءته في كلام ليف، فيصفه بالحصار السياسي المتكامل، وهو كلام "بشّرتنا" به في تشرين الثاني 2022 عندما أطلقت شعارها المعروف بالانهيار وبدأ سعر صرف الدولار يرتفع من 40 ألفًا فما فوق. وفق ناصر الدين، بات واضحًا أين يُدار انهيار الاقتصاد اللبناني. يُدار من واشنطن ويرتبط بأبعاد سياسية يُراد منها تفريغ ملف النفط والغاز من أي نتيحة لأنه كلما زاد انهيار العملة الوطنية كلما كانت الاستفادة من هذا الملف منخفضة. وعليه، فإنّ مُطالبة لبنان بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي إنما هي مُطالبة للالتزام بالشروط السياسية قبل أي شيء آخر، فواشنطن لا يهمُّها الشروط التقنية لإنقاذ الاقتصاد اللبناني بل الشروط السياسية لإحكام الوصاية على لبنان. 

أميركا للبنان.. صندوق النقد أو لا مخرج آخر

يرى ناصر الدين أنّ كلام ليف يأتي بعد الاتفاق الإيراني السعودي، وهو كلام يتماشى مع الجولات الأميركية في المنطقة للتخفيف من أهمية هذا الاتفاق ودحض فرضية انعكاساته الإبجابية على البلدان الأخرى ومنها لبنان، مع العلم أنّ صندوق النقد الدولي طلب من السعودية تمويل المشاريع التي سيمولها في لبنان. وفي هذا السياق، يشدّد ناصر الدين على أنّ قول ليف بأن "لا مخرج أمام لبنان سوى الاتفاق مع صندوق النقد الدولي" يجد أرضية في الداخل اللبناني خاصة في ظل الانقسامات الكبيرة، فكلنا نعرف أن جزءًا من الإشكالية الموجودة في الدولة اللبنانية أنها ليست قادرة على تنفيذ شروط صندوق النقد حتى اليوم. وهنا يشير ناصر الدين إلى أنّ أبرز الأمور العالقة في ملف صندوق النقد هي سياسية أكثر منها تقنية. النقطة الأولى السياسية ترتبط بالحدود مع سوريا والمزاعم التي تقول أن ثمة تهريبًا دمّر الاقتصاد اللبناني، وكلنا يعلم أن الاقتصاد دُمّر في لبنان بسبب السياسات النقدية والمالية التي كانت تُشرف عليها واشنطن في الإخراج والتطبيق. 

النقطة الثانية السياسية والمهمّة ــ برأي ناصر الدين ــ تكمن في محاولة واشنطن عرقلة ملف النفط والغاز والقول أن هذا الملف لا يعطي أي نتيجة، في الوقت الذي تصف فيه الولايات المتحدة الأميركية مصادر الطاقة بأنها أهم وأقوى مصدر في الاقتصاد. أما النقطة الثالثة فتتعلق بكيفية التعاطي مع سوريا وإعادة إعمارها، أضف الى أنّ هناك شروطًا سياسية أخرى تتصل بالكيان المؤقت وما الى هنالك. وعليه، يرى ناصر الدين أنّ كل هذه الشروط تصب في مرحلة يُقال فيها للبنانيين أنّ أي خيارات خارج سياساتنا المالية والسياسية على سواحل المتوسط مرفوضة. وفي هذا الصدد، يبرز قلق الولايات المتحدة الأميركية من أي جرأة لبنانية بالتوجه الى الشرق خاصة أن العالم كل العالم توجه الى الشرق، فهل ممنوع فقط على لبنان التوجه الى الشرق؟!. 

يعتبر ناصرالدين أنّ واشنطن تريد أن تأخذ لبنان باتجاه الذهاب فورًا نحو صندوق النقد الدولي لعدم الاستفادة من أي اتفاقيات أخرى في إطار النفط والغاز أو التوجه شرقًا، خاصة أنّ الاتفاق الإيراني السعودي سيكون له ــ عاجلًا أم آجلًا ــ  نتيجة كبرى في لبنان ــ برأي ناصر الدين ــ الذي يشدّد على أنّ هناك توجهًا في لبنان يقول أن صندوق النقد لا يمكن أن يُنقذ الوضع الاقتصادي لكننا بحاجة الى توقيعه لكسب الثقة الخارجية. 

وفيما يلفت المتحدّث الى أنّ تنفيذ مشروع صندوق النقد الدولي في لبنان مطلوب أميركيًا لمحاصرة ملف النفط والغاز ومنع أي حل وإبقاء الحصار المبطن، يشدّد على أنّ إصلاحاته المطروحة ما هي إلا إصلاحات مطلوبة وطبيعية في أي دولة في العالم. وفق قناعاته، الإصلاحات مطلوبة وضرورية ولكن ليس على طريقة الوصايات الدولية بل القوانين. عناوين الإصلاحات التي يفرضها صندوق النقد اليوم على اللبنانيين هي ذاتها العناوين التي طالبت بها قوى سياسية في لبنان غير مندمجة في الفساد لكن في حينها لم تلق قبولًا وكانت تُرفض بالتحديد من مستشاري البنك الدولي مع الإشارة الى أنّه لم ينجز مشروع في لبنان من دون العودة والاتفاق مع هذه الجهات. وفي هذا السياق، يقول ناصر الدين "نحن لسنا لعبة سياسية اقتصادية بيد دول الخارج عندما يريدون يستغنون عن طبقة ويأتون بأخرى". 

لا يُنكر ناصر الدين أنّ المطلوب منّا في لبنان إنجاز سلسلة إجراءات على رأسها تطبيق "الكابيتال كونترول" لكن ليس المطلوب منّا أن ننجزه على طريقة صندوق النقد الدولي. المفروض إنجازه للحفاظ على ما تبقى من أموال للمودعين وإخراجها من النفوذ السياسي لا لحماية المصارف. لكن للأسف، بات "الكابيتال كونترول" استنسابيًا مع الإشارة الى أنه كان يجب أن يُطبق منذ عام 2019. ويلفت ناصر الدين الى أنّ مهمّة تقليص عدد موظفي القطاع العام كانت جزءًا من الإصلاحات التي يُطالب بها صندوق النقد، ولمجرد ضرب العملة الوطنية ترك الكثير من الموظفين وظائفهم، بينما نحن نحتاج الى تحديث الإدارة وتطويرها وهذه الإصلاحات لم يتحدث عنها صندوق النقد. تمامًا كما لم يتحدّث عن مسألة استقلالية القضاء وهي نقطة مهمة جدًا يجب أن تكون ضمن القوانين التي تُلزم القضاة للعمل بها لا ضمن قوانين السفارات. 

يتطرّق ناصر الدين الى القطاع المصرفي ومسألة إعادة هيكلته. برأيه، نحن نحتاج الى خضّة قانونية كبيرة في هذا الإطار لإعادة بناء القطاع المصرفي، لكن هذا الأمر غير قابل للتحقُّق حاليًا. وهنا يشير ناصر الدين الى ما يتم تداوله في العالم من أنّ أحد أهداف الأزمة اللبنانية يكمن في تصفية المصارف واستقدام مصارف أجنبية لتحل مكانها. لكن ناصر الدين يؤكّد أن هناك من منع لبنان من الاستفادة من أن تحوله الصين الى مركز مالي في منتصف القارة وبمنطقة الشرق المتوسط. حُرم لبنان من تنفيذ اتفاقية مع الصين لإنشاء مصرف كبير جدًا أو أكثر للتداول المالي 
بحيث يُصبح لبنان مدخلًا الى المتوسط. 

يذهب ناصر الدين أبعد من ذلك، صندوق النقد يُكمل اليوم دور المصرف المركزي الذي حمل سياسات الخراب الكبير في لبنان. كما أنّه خيار لضرب خيار الشرق في لبنان ولإرساء واقع سياسي عند سواحل المتوسط تكمن توجهاته الأساسية في حماية الكيان المؤقت لاحقًا ماليًا ونقديًا واقتصاديًا.

صندوق النقد الدولي

إقرأ المزيد في: خاص العهد

خبر عاجل