ابناؤك الاشداء

خاص العهد

الجليد بين البحرين وقطر: شرط "الأمير الوالد" يُنهي القضية
29/03/2023

الجليد بين البحرين وقطر: شرط "الأمير الوالد" يُنهي القضية

لطيفة الحسيني

قبل أن يمضي شهرٌ على الاتفاق السعودي الإيراني، سارعت البحرين الى رأب الصدع مع الجمهورية الاسلامية. الرشاقة هذه لم تُطبّق على ملفّ المصالحة مع قطر. تبدو القضية برمّتها عصيّة على الحلّ حتى الآن. الملك ووليّ العهد يوحيان بأن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، لكنّ الحقيقة تقول العكس تمامًا.

الأسلوب المتّبع في المنامة مقابل اللاعب القطري يُشير فعليًا الى حجم الهوّة بين البلدين الخليجيَّيْن. التخاطب البحريني مع الدوحة الى الآن لم يرتقِ الى المستوى الذي يُقنع الأخيرة بجدوى استئناف العلاقات بالشكل السليم.

عامان مرّا على قمة العلا التي أسّست لعودة الأمور الى نصابها بين المنامة والدوحة مع مصافحة علنية بين الملك حمد بن عيسى والأمير تميم بن حمد. على هامش قمة جدة للأمن والتنمية عام 2022، تجدّدت المصافحة بين الزعيميْن، وفي بداية السنة الحالية التقى الرجلان في الاجتماع التشاوري في أبو ظبي.

هذا السلام لم يُفضِ الى توافق بعد. القطريون لا يُؤخذون بالتودّد العلني، يُريدون أفعالًا لا أقوالًا. اتصال ولي العهد سلمان بن حمد بأمير قطر ظلّ خبرًا محصورًا بوسائل الإعلام البحرينية، فوكالات ومنابر الدوحة أهملته ولم يرِد على صفحاتها بأيّ شكل، وكأنّه لم يكن في الأصل.

من هنا، اللقاءات لا توصل الى نتيجة مع القطريين. صحيح أن الملك ووليّ العهد حثّا على حلّ القضايا العالقة مع الدوحة، غير أنهما لم يخطوَا نحو آلية جدية تُقنع الإمارة؛ مونديال قطر أثبت قُصر النظر الذي يحكم تصرّفات المملكة الخليجية الصغيرة. الرفض والتعنّت والحملات الإعلامية التي تنشط بين الحين والآخر تُجبر قطر على عدم تصديق المنامة. لم تستفِد اقتصاديًا من الحدث الرياضي العالمي المُجاور على حدودها، والرحلات الجوية ظلّت متوقّفة بين الجانبيْن فيما السفارتان مُغلقتان. الكثير من العوائق لا تزال تحول دون استئناف العلاقات الطبيعية على رأسها القضية التي لفّقتها المنامة بحقّ الأمين العام لجمعية "الوفاق" الشيخ علي سلمان بزعم التخابر مع قطر.

الشرط القطري لإتمام المصالحة فعليًا

مصدرٌ بحريني مُعارض يؤكد لموقع "العهد" الإخباري أن أحد الشروط الأساسية التي يضعها القطريون، وتحديدًا الأمير الوالد، لفتح صفحة جديدة مع المنامة هي إلغاء ملفّ التجسّس والتخابر المزعوم. القضية برمّتها غير قابلة للتصديق من الأدلّة والشهود، والملك يعرف ذلك، لكنّه يُكابر كي لا يتنازل، أو ربّما يتنازل بالطريقة التي يجدها مناسبة. الى جانب اختراع الملفّ، القطريون ينتظرون من الملك أن يُنهي البطلان الذي يطال ثلاثة من مسؤوليهم، أسماؤهم واردة في الحكم الصادر وهم رئيس الوزراء السابق حمد بن جاسم آل ثاني، رئيس مجلس إدارة شبكة "الجزيرة" ومؤسّسها حمد بن ثامر آل ثاني والأمير القطري ومستشار الأمير الحاكم حمد بن خليفة بن عبد الله العطية (ابن عم الأمير الوالد).

لذلك لا يبتلع القطريون بسهولة القضية، ولن يتجاوزوها ما لم تُنهها السلطات البحرينية من جذورها. بتقدير المصدر، بما أن الملك يُسيطر على كلّ مفاصل السلطة في البحرين، يستطيع بـ"رمشة عين" اتخاذ القرار بمحو القضية وكأنها لم تكن. والخيارات التي أمامه هي:

إصدار عفو خاص بحقّ الشيخ سلمان واستعادته حريّته.
إسقاط التهم وإلغاء القضية بلمح البصر
إعادة فتح الملفّ في القضاء بحجّة بروز مُعطيات جديدة كمقابلة مرئية لحمد بن جاسم بُثّت على موقع صحيفة "القبس" الكويتية عبر برنامج "الصندوق الأسود" يقول فيها إن تواصله الرسمي المباشر مع الشيخ سلمان إبان انطلاق حراك العام 2011 كان باطّلاع وتنسيق تامّ مع السلطات البحرينية وإن المكالمة الشهيرة (التي عُدّت الدليل) أجريت من قصر ملك البحرين وبحضور وزير الخارجية السعودي السابق سعود الفيصل.

التخريجة اذًا بيد الملك، غير أن المصدر يستبعد حلحلة الملفّ في القريب العاجل، فالمماطلة والتسويف من جانب "المُعظّم" متواصلة.

حسابات أخرى عصيّة على الحلّ

حساباتٌ أخرى يلحظها القطريون وتشكّل شروطًا في المصالحة المنتظرة، فالتفاهم يجب أن يكون شاملًا حتى ينجح. القبائل والعائلات والخلاف المتجذّر بين آل خليفة وآل ثاني يعود الى سنوات طويلة، وتصفيته تستغرق وقتًا. النفوذ وثروة قطر الهائلة تؤرق النظام في البحرين وتُعيق إمكانية التوافق بين الجانبيْن، طالما أن هذا الهاجس يستوطن الملك.

إضافة الى ذلك، تتعاطى البحرين مع جزيرة حوار التي حكمت محكمة العدل الدولية بسيادتها عليها عام 2001 بعد نزاع لعقودٍ مع قطر، بنفس سلطوي يمنع استثمار الجزيرة بمشاريع سياسية واقتصادية من شأنها أن تنعكس أرباحًا طائلة على البلديْن.

مشروع جسر المحبّة أو الصداقة بين المنامة والدوحة أيضًا يُعكّر صفو العلاقات، وتأخير العمل به حتى يصبح عام 2050 جاهزًا بشكل تامّ يؤثّر سلبًا على الدورة التجارية مع عموم دول مجلس التعاون الخليجي. أمّا هجرة القبائل السنية من البحرين الى قطر المستمرة فقصةٌ أخرى. الدوحة باتت تشكّل حضنًا وبديلًا عن الرفاهية المفقودة لهذه العوائل، إذ تحظى بفرص عمل كبيرة وتسهيلات كثيرة تضمن لهم العيش بسلام دون منافستهم في لقمة عيشهم وهُم في وطنهم.

الوساطتان السعودية والإماراتية بين البحرين وقطر اذًا لم تنجحا حتى الآن، على الرغم من تدخّل الرياض وأبو ظبي أكثر من مرة. كلّ الحكاية مرهونة بنوايا المنامة الجدية، وإلّا تبقى الأمور مُعقّدة الى أجل غير مسمّى، أو بانتظار مُبادرة من الملك شخصيًا.

إقرأ المزيد في: خاص العهد