خاص العهد
مرضى غسيل الكلى أمام سيناريو "كارثي"
إيمان مصطفى
اعتبارًا من الخامس عشر من الشهر الجاري، ستنفّذ "الجمعية اللبنانية لأمراض الكلى والضغط" قرارها باستيفاء أتعاب الأطباء عن جلسات غسيل الكلى مباشرة من المرضى بالدولار الأميركي (تصل لـ 15 دولارًا عن كل جلسة غسيل)، فيما متوسط عدد الجلسات التي يحتاجها مرضى الكلى شهريًا يصل إلى نحو 12 جلسة، أي يتوجب على المريض دفع قرابة الـ 180 دولارًا في الشهر الواحد.
عدم التزام الجهات الضامنة بسداد تكاليف العلاج للمستشفيات والأطباء في الوقت المحدّد، دفعهم إلى البحث عن حلول مالية تؤمّن لهم أتعابهم المستحقة، فكان التوجه إلى استيفائها مباشرة من المرضى وبـ "الدولار"، بحسب الجمعية، بينما تشكو الجهات الضامنة من جانبها الإمكانيات غير الكافية لتحمل كلفة طبابة المرضى. أما المستشفيات فتقول "ان لا حول لها ولا قوة"، متخوفة من عجزها حتى عن الاستمرار بأقسام غسيل الكلى وسط الواقع المأزوم.
وما بين تقاذف المسؤوليات، بات قرابة الـ 4500 مريض غسيل كلى في مهبّ أزمة مفصلية يواجهون فيها خطر الوفاة يوميًا.
هارون: التكلفة الإستشفائية تضاعفت مرات عدة
نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون يؤكد أن المستشفيات تتعامل مع المرضى بإنسانية لكن المشكلة أكبر من أن تحل بالمشاعر والتعاطف. بحسب هارون، فإن تكلفة جلسة غسيل الكلى كانت تصل لثلاثة ملايين ليرة منها 2500000 ليرة للمستشفى و500 ألف ليرة بدل أتعاب الطبيب، ولكن التكلفة الإستشفائية تضاعفت مرات عدة، وباتت المعدات والأدوية وفواتير تصليح الآلات كلها بالدولار.
بناء عليه، يقول هارون لموقع "العهد" الإخباري "إنه يتوجب علينا أن نتوصل لاتفاق مع الجهات الضامنة (الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أو وزارة الصحة أو تعاونية موظفي الدولة أو الطبابة العسكرية وغيرها من الجهات الضامنة الرسمية) على سعر معين، وتحديد قيمته بالدولار، وفق مؤشر خاص لغسيل الكلى تضعه وزارة الصحة بصورة دورية، على غرار مؤشر المحروقات والدواء والغذاء.
يعتبر هارون أننا وصلنا لهذه الحال بعد أعوام من التلكؤ في سداد الجهات الضامنة تكاليف علاج مرضى الكلى للمستشفيات والأطباء، والتأخر بدفع المستحقات، فالمستشفيات لم تتقاض أي أموال عن العام 2022، بالتزامن مع تدهور سعر صرف الليرة الذي أفقد المبالغ المتوجبة قيمتها. وهنا يشدد على ضرورة الدخول بمفاوضات مع الجهات الضامنة لتحديد تعرفة جديدة وطريقة دفع مختلفة، داعيًا للإسراع في سداد التكاليف تجنبًا لتضاؤل قيمتها أكثر.
خميس: تعاونية موظفي الدولة تحاول سداد مستحقات المستشفيات وفقًا للإمكانيات المتاحة
كلام هارون حول المطالبات بدراسة تعرفة جديدة لغسيل الكلى يتطابق مع تصريحات مدير عام تعاونية موظفي الدولة يحيى خميس لموقع "العهد"، والتي تؤكد أن التواصل مستمر مع وزارة الصحة لدراسة التعرفة مجددًا، وطرح أسعار مقبولة ومنصفة لكافة الأطراف.
ويوضح خميس أنّ قرار تحديد التعرفة يؤخذ من قبل وزارة الصحة بالاتفاق مع الجهات الضامنة، وبحضور نقيب أصحاب المستشفيات في أغلب الأحيان.
ولكن مدير عام تعاونية موظفي الدولة يرمي الكرة بملعب الأطباء والجمعية اللبنانية لأمراض الكلى، معتبرًا أن كل "يغني على ليلاه، وينظر للأمور من زوايته الخاصة فقط، ولكن الجميع يتناسى أننا في خضم أزمة اقتصادية غير مسبوقة انعكست تداعياتها على كل القطاعات ومنها الصحية". ويأسف خميس أنّ "الأطباء قرروا بدون أي مقدّمات - وخارج حدود المنطق والقانون - أن يبدأوا بتقاضي بدل أتعابهم من مرضى غسيل الكلى بالدولار"، ويلفت إلى "أننا كهيئات ضامنة لا نستطيع الدفع بالدولار، والقانون واضح بهذا الخصوص".
ويشدّد خميس هنا على أنّ التعاونية كهيئة ضامنة كانت ولا زالت تغطّي 100 بالمئة تكاليف غسيل الكلى، مشيرًا إلى أن التعاونية تحاول سداد مستحقات المستشفيات وفقًا للإمكانيات المتاحة وبالأوقات المحددة.
ويؤكد أن الموضوع الطبي له أولوية قصوى، داعيًا لعدم تحميل المريض كل الأعباء، اذ إنه الضحية دائمًا، مناشدًا المعنيين بالإجتماع لايجاد حلول منصفة للجميع.
نجم: الأطباء يخوضون معركة حياة يومية
أما الأطباء، فشكواهم تتأتى من تأخير تسديد بدلاتهم شهورًا عدة، معتبرين أنهم يخوضون معركة حياة يومية، حيث أن أطباء الكلى في لبنان لم يقبضوا المستحقات من الدولة منذ 15 شهرًا، بحسب رئيس الجمعية اللبنانية لأمراض الكلى الدكتور روبير نجم، الذي يوضح أن "تسعيرة أتعاب الطبيب الحالية (أي 500 الف ليرة) تم وضعها بناء على دولار لا يتجاوز الـ 45 الف ليرة في حين يتجاوز سعر صرف الدولار اليوم الـ 80 ألف ليرة".
وتقتضي عملية دولرة جلسات غسيل الكلى ــ وفق مطالب الأطباء ــ برفع تكلفة الجلسة إلى 60 دولارًا تُضاف إلى أتعاب الطبيب البالغة نحو 20 بالمئة من قيمة الجلسة التي تتراوح بين 10 و15 دولارًا، على أن يتم "فوترتها" بالليرة اللبنانية وتحديد قيمة الدولار وفق مؤشر تضعه وزارة الصحة بصورة شهرية كمتوسط سعر صرف الدولار.
ويبلغ متوسط عدد الجلسات التي يحتاجها المرضى نحو 3 جلسات أسبوعيًا، وفقًا لنجم، في حين لا يمكن للمريض أن يتأخر عن إجراء الجلسة لأكثر من بضعة أيام، مما قد يعرضه لخطر الوفاة.
"لا يزايدن أحد علينا بالإنسانية"، يقول نجم، مضيفًا " صبرنا ليال وأيام من أجل المريض، لكن في نهاية المطاف الأطباء لديهم عائلات وأبناء، وكل ما نريده مقومات العيش الأساسية لا أكثر، لأن المرحلة الحالية صعبة".
ويردف نجم أن "الجهات الضامنة تتلكأ كثيرًا في تسديد المستحقات، ما عدا الجيش اللبناني وأمن الدولة الذين يغطون مرضاهم بشكل ممتاز".
ويشير نجم بأسف إلى التراجع الكبير في إجراء فحوصات الدم لمرضى غسيل الكلى، بسبب ارتفاع الأسعار، ويؤكد أن عددًا لا بأس به من المرضى استغنوا عن نصف علاجهم لعجزهم عن تأمين الأدوية وتكاليف العلاجات.
ويلفت إلى أن قرار الجمعية جاء لرفع الغبن عن الأطباء وللضغط على المعنيين لتحقيق المطالب، مؤكدًا في الوقت نفسه أننا نقوم حاليًا بالغسيل ضمن التقنيات المتوفرة، ونساعد المرضى بكل طاقتنا عسى أن تتم معالجة الملف على وجه السرعة.
بالخلاصة، من آلية الدعم المتردية إلى كلفة العلاج التي تدفعها الصناديق الضامنة متأخرة على أساس سعر ثابتٍ يعجز عن اللحاق بسعر صرف الدولار، مرورًا بأزمة انخفاض أعداد الأطباء وتراجع الرواتب، وصولًا الى انقطاع الدواء وتدهور حال المستشفيات، وحده المريض اللبناني سيدفع الثمن!!!