خاص العهد
حُكم حمد.. نكبة البحرينيين الثابتة
لطيفة الحسيني
يقفز ملك البحرين حمد بن عيسى عن أزمة بلده الحقيقية. يظنّ أن عمليات التجميل التي يُجريها لسُمعته المُلطّخة بالسواد قادرة على جعله حاكمًا ديمقراطيًا يُحقّق العدل. أرض الديرة تنزف منذ 12 عامًا. وعوده التي تعهّد بها للجمعيات السياسية الوطنية والشعب برمّته لم تُترجم سوى استفرادًا لم تشهده المملكة في العهود السابقة.
على مدى سنوات الأزمة التي تفجّرت عام 2011 على إثر الحملة الأمنية المسعورة التي شنّتها أجهزة السلطة على المواطنين العزّل في الشارع، لم يستخلص الملك عِبَر هذه التجربة الصعبة، بل أكمل عملية السطو على كلّ مفاصل السلطة، ليبقى وحده ممثّلًا لدولته التي حوّلها الى عقار خاص يعيث فيه فسادًا كما يحلو له.
أداء الملك طيلة سنوات الأزمة لم يوصل إلّا الى نتيجة واحدة: الفشل في إدارة كلّ ملفّات المملكة: السياسية والحقوقية والمعيشية والاقتصادية والاجتماعية. عناوين الصحف الرسمية التي تصدر في المنامة تكاد تكون أبعد ما يكون عن الواقع البحريني، فالإصلاح والتعايش والحوار باتت مصطلحات من كوكب آخر، لا تجد لها محلًّا من الإعراب في عقل آل خليفة.
بوتيرة سريعة، تدرّج خطاب الكراهية لدى القبيلة الحاكمة في البحرين. خلافًا لـ"النفس" الذي أتى به حمد بن عيسى عام 1999 أو ربّما الادعاء الذي أطلقه عن صفحة جديدة مليئة بالاستقرار ستعيشها الإمارة (التي حوّلها الى مملكة سريعًا)، أضحت الأحوال في البلاد بمثابة الكارثة، ولا يُبالَغ في توصيف الأمر هكذا. كلّ قيادات المعارضة والرموز وآلاف المواطنين باتوا في السجن، أعدادٌ مهولة أيضًا فقدت جنسيّاتها، وأكثر من 200 عائلة خسرت أفرادًا لها جراء القتل والبطش والتعذيب والانتهاكات الإنسانية.
الكلّ يجب أن يصمت، هذه هي القاعدة التي اتّبعها الملك في تعاطيه مع الشعب. يُجنّس من يريد، ينفي من لا يتّفق معه، يُغلّظ العقوبات بحقّ مُعارضيه، يهدر الخيرات، يُراكم الثروات، يتمنّع عن دفع ما عليه من فواتير، يعزل ويحظر ويشطب كلّ مناهض له في البلد من القوائم الوطنية كما يهوى، يُفصّل الخارطة العمّالية والرياضية والمدنية والاجتماعية والثقافية كيفما يشاء، يُحاصر مجلس الشعب ويُحوّل أعضاءه الى دُمى متحرّكة، يشتري ويبيع حسب مصالحه الشخصية، المهمّ أنه يتصرّف بالبلاد والعباد على سجيّته.
بطريقة الإنكار يقضي الملك يوميّاته في البحرين. وكأنّ أزمة لم تكن، وكأنه لم يوصل البلاد الى الجحيم. النخب تشكو في كلّ مناسبة أو فرصة أو ندوة فشل سلطة حمد في تحقيق الازدهار المنشود. الإجراءات الإصلاحية الفعلية تكاد تكون معدومة. بسطحية فاقعة يحاكي فيها الغرب، يقتنع الملك بأنه أجرى بعض التغييرات الإيجابية، من قُبيل تشكيل حكومة يرأسها وليّ العهد سلمان، (ابنه) لا تخرج عن طاعته وخطوطه الحمراء، ورفْع نسبة تمثيل النساء المُواليات في مجلسي الوزراء والنواب، بلا مُحاسبة مسؤول واحد في ملفات الفساد المستشرية أو حتى التعذيب المتواصل في سجن جو، حيث يقبع الآلاف منذ سنوات بتهم سياسية بحتة.
كلّ هذا لا يعني سوى شيء واحد. حُكم حمد بن عيسى لم يؤدِ سوى الى مزيد من خنق الحريات وسلب الخيرات واللعب بمقدّرات البحرين النفطية وغير النفطية. من يقتنع بأن هذه الدولة الخليجية التي تعوم على آبار تُنتج 200 ألف برميل بترول يوميًا اليوم تعيش على المساعدات والديون والقروض؟
من يتحمّل مسؤولية هذه الفاقة في البحرين سوى الملك؟ من يسمع أصوات الداخل ويقرأ كتابات المواطنين على منصات التواصل الاجتماعي يصل الى نتيجة بائنة لا لُبس فيها: لا ثقة بالسلطة، لا أمان في البلد، لا أمل في ظلّ عهد حمد وسلمان. التنمّر على كلّ قرار يصدر بمرسوم ملكي أو وزاري بات دوامًا يوميًا. أسعار المواد الغذائية، الأدوية، مستحقات الدولة، هاجسٌ يؤرق معيشة أبناء الوطن مع كلّ شروق ومغيب للشمس.
أمام هذه النكبة المُدبّرة أين الملك؟ في أحضان الصهاينة. خيارُ التطبيع قد يكون المهرب الوحيد الذي ارتأى حمد بن عيسى مُلازَمته. عن سابق تصميم، وجد الحاكم في العدو مصلحته دون شعبه، معه يُبرم الصفقات الأمنية والتجارية وغيرها، بعيدًا عن قناعة وموقف البحرينيين الرافض قطعًا لأيّ تشريع للعلاقات مع الاسرائيليين.
لا نقاش اليوم في أن أزمة البحرين تتعمّق أكثر فأكثر جراء أداء وسياسات الملك. التحكّم بالقرارات المفصلية واختصارها بشخصه تزيد المشكلة. أجندته خالية من أيّة محاكاة لهموم البحرينيين. من فشل الى فشل ينتقل، لا قدرة لديه على إدارة البلد بشكل عادل ومنطقي. يعجز عن إيجاد مخرج مُنصف للحراك السلمي المستمرّ في البلد. النقمة على حالها، بل الى اتساع أكبر. ثمّة من يقول كيف سيقوم بذلك وهو قرّر التخلّص من الشخصية التي تُشكّل محطّ إجماع لدى غالبية البحرينيين ووضعها وراء القضبان، فالحلّ يبدأ من اسم الشيخ علي سلمان، الأمين العام لجمعية "الوفاق" اليوم. هذا ما يؤمن به أبناء الديرة. من لديه نيّة جادّة بالإصلاح والتغيير عليه أن يُبرهن ذلك عبر إنهاء ملفّ المعتقلين السياسيين وعلى رأسهم أمين "الوفاق"، وليس الإمعان في انتهاك حقوقهم في الزنازين.
وعليه، لسنا أمام أزمة معارضة بل أزمة نظام. كلّ هذا السوء يحمل توقيع النظام. البلاد وصلت حدّ الانفجار والأزمات لا تنفكّ تتوقّف. الانعكاسات تطال الشعب مباشرة الذي يعاني الأمرّين، والملك يُكمل مسلسل إخفاقاته الداخلية والخارجية. يناور تارة باستقبال العلامة السيد عبد الله الغريفي كي يُشيع أجواء انفراج لكنّه يزيد من كربة المواطنين حقوقيًا واقتصاديًا. يوعز الى ولي العهد بالتواصل مع قطر ويستعطفها من أجل حلّ القضايا العالقة غير أن الدوحة تذلّه أكثر. يشرع بالانغماس مع مسؤولي الكيان الغاصب ويعمل على تهويد المملكة وإغراقها بالصهاينة، إلّا أن المواطنين ثابتون على نضالهم السلمي على خطى زعيم المعارضة الشيخ سلمان وهو في عزّ المواجهة مع النظام عندما أكد الحركة المتواصلة للشعب حتى النصر.