معركة أولي البأس

خاص العهد

 هل فعلًا هزّة الأربعاء "غير طبيعية"؟ 
09/02/2023

 هل فعلًا هزّة الأربعاء "غير طبيعية"؟ 

فاطمة سلامة

الزلزال المدمّر في تركيا وسوريا والذي وصل صداه الى لبنان عبر هزّة ارتدادية "مُرعبة" افتتح عهد الخبراء الجيولوجيين. أولئك وعلى قلّتهم في لبنان باتوا يتنقّلون من محطة تلفزيونية الى إذاعية الى غيرها من الوسائل الإعلامية. الطلب عليهم ازداد بكثرة ليدلوا بدلوهم بما لديهم من معطيات عن الأنشطة الزلزالية والهزّات، وبما لديهم من نظريات تُفيد في هذا المجال.

وبالتوازي تحوّل جزء لا بأس به من عامة الشعب الى خبراء جيولوجيين. كمٌّ هائل من التحليلات والتنبؤات جُلها أقرب الى الوهم من العلم. البعض وجد في "غوغل" متنفسًا لاستقاء المعلومات والبحث أكثر عن تاريخ الزلازل والهزّات وتداعياتها. الخوف والقلق دفع به لـ"نكش" أي خبر أو ترقب آخر عسى ولعلّ قلبه يطمئن. البعض الآخر، دفعه الخوف لتفريغ كل ما يشعر به من قلق محدثًا من حوله بلهجة الخائف، ومنتظرًا أي خبر من الآخرين يُبدل خوفه أمنًا. البعض لجأ الى حياكة "النكات"، فيما امتهنت فئة تلفيق الأخبار ونسبها الى مصادر "موثوقة" للعب بأعصاب الناس وإحداث "هزّات" بدن وأعصاب بعيدًا عن أي مسؤولية مجتمعية. 

لكن المشكلة الحقيقية لا تكمن في عامة الشعب. صحيح أنّ كل ما يتم تناقله يبدو مؤثرًا. لكن المشكلة الأكبر تكمن في الخبراء الجيولوجيين على اعتبار أنهم مصدر ثقة. هؤلاء من المفترض أن يقاربوا القضية بطريقة علمية بحتة، فما شعر به اللبنانيون فجر الاثنين لم يكن أمرًا عاديًا يحتمل قول كلمات تثير الهلع والرعب والخوف. طبعًا، المطلوب مقاربة القضية من منطق علمي وبعقلانية وواقعية. لكنّ المسؤولية المهنية والأخلاقية تفرض عليهم احتساب كل كلمة بل كل حرف يتفوّهون به. الكلمة في هذه الظروف قد تحدث هزّة نفسية خبيثة وإن كانت غير مقصودة. على سبيل المثال، ما صدر أمس الأربعاء عن أنّ الهزّة التي حدثت مساء ليست طبيعية. كلمتان (ليست طبيعية) كانتا كفيلتين بإثارة الخوف والرعب في نفوس كثيرين. بعضهم ربما لم ينم متحسّبًا لليلة غير طبيعية. فهل فعلًا الهزّة التي حدثت مساء الأربعاء غير طبيعية؟ أم أنّ ما أشيع لا يعدو كونه خطأ في التقدير أو التعبير ليس إلا؟. 

هزّة الأربعاء طبيعية مئة بالمئة 

الخبير المتخصّص بالجيولوجيا -منذ 40 عامًا- البروفيسور ويلسون رزق يشدّد في حديث لموقع "العهد" الإخباري على أنّ ما يحدث في لبنان من هزّات هي ارتدادية طبيعية مئة بالمئة. الهزّة التي حدثت مساء الأربعاء وقيل أنها عند فالق اليمونة لم تخرج عن هذا السياق الطبيعي. هي أيضًا طبيعية جدًا وارتدادية للزلزال الذي حدث في تركيا ولا تشكّل أي خطر أو خوف من تدهورات وانهيارات، وكل ما يُحكى عكس ذلك هو خطأ بخطأ. 

وحول ما يُقال في أنّ خطورة تلك الهزّة تكمن في أنها جاءت عند فالق اليمونة، يُجيب رزق بالقول "ثمّة فوالق عدّة متصّلة ببعضها البعض. فالق اليمونة يتصل بفوالق تبدأ من خليج العقبة مرورًا بنهر الموت ونهر الأردن وصولًا الى البقاع وبلدة اليمونة ويُكمل امتداده بفالق تركيا من خلال سوريا"، وعليه يوضح رزق أنّ الزلزال الذي حدث في تركيا وسوريا وقع على نفس الخط الذي يمتد عليه فالق اليمونة. اتصال الفوالق يعني أنّ الزلزال الذي حدث في منطقة تركيا عند الحدود السورية سيُحرّك الفوالق المتصلة بأكملها. لكنّ رزق هنا، يُشبّه الفالق بالحبل المشدود الذي ينقطع في النقطة الأضعف. صحيح أنّ فالق اليمونة يقع على نفس خط فالق الزلزال لكنّ الحبل المذكور انقطع عند النقطة الأضعف أي في تركيا. وهذا الخط قد يعود الى التحرك بعد 30 أو 40 سنة أو أقل أو أكثر في نقطة أخرى غير النقطة التي حدث فيها الزلزال، لكن لا أحد باستطاعته جزم هذا الموضوع أو التنبؤ به أصلًا. 

الهزّات الارتدادية ضرورية و"بشرى خير"!
 
يعمل رزق -البروفيسور في كلية الهندسة بالجامعة اليسوعية- على تقريب الصورة أكثر للدلالة على أهمية الهزّات الارتدادية. وفق قناعاته، هي "بشرى خير" وغير مدمّرة لا كما يروّج لها البعض بالهلع والرعب. من الناحية العلمية، يساعد الزلزال على "تنفيس" الفالق، لكن لكي يأخذ هذا الفالق التوازن الطبيعي الأساسي فهو بحاجة الى هزّات اردتداية "تنفيسية". الزلزال الذي حدث في تركيا "نفّس" الفالق بعد أن كان "مشدودًا" لكنّه أكمل "التنفيس" بواسطة الهزات الارتدادية. الأخيرة ضرورية وهي أمر طبيعي، ومن الطبيعي جدًا أن لا تحدث في المحلة نفسها التي وقع فيها الزلزال بل بمكان آخر وبفوالق متشعبة متصلة جغرافيًا بالفالق الذي حدث عنده الزلزال، وهذا ما يجعل الأرض تتنفّس رويدًا رويدًا لتصل الى الاستقرار الدائم لأنها تنفست كليًا. 

المزيد من الهزّات الارتدادية.. وخلال أسبوع كحد أقصى تستقر الأرض 

يشدّد الخبير بالجيولوجيا -وهو الذي درس مناطق لبنان درسًا معمقًا- على أنّه من المرجّح أن نشهد هزّات ارتدادية يومًا بعد يوم، وهذا أمر طبيعي قبل أن تستقر الأرض على ما كانت عليه. لكنّ هذه الهزات الارتدادية المتتالية تصبح بدرجات أخف يومًا بعد يوم حتى تضمحل كليًا، وتعود الأرض الى ما كانت عليه. كم تستغرق العملية من الوقت؟ يُجيب المتحدّث بالإشارة الى أننا نحتاج الى نحو أسبوع بالحد الأقصى. بعدها، قد تحصل هزّات طبيعية غير تابعة للزلزال لكنها ضمن الإطار الطبيعي. وللعلم يشير رزق الى أنّ لبنان يحتوي على عدة فوالق منها فالق اليمونة، فالق بحري، سرغايا، كما أنّ ثمّة فوالق صغيرة متفرعة. وعليه، لبنان بحد ذاته بلد "هزات" منذ مئات السنين. ثمّة نشاط زلزالي على أرضنا لكنّه خفيف وليس قويًا. هذا الأمر ليس جديدًا، فالمركز الوطني للجيوفيزياء في بحنس يسجّل بشكل شبه يومي -حتى ما قبل الزلزال- حدوث هزّات لكنها خفيفة ولا نشعر بها، بالكاد تتراوح بين درجتين الى ثلاثة على مقياس ريختر. 

وحول ما يُحكى عن أنّ الأرض باتت بعد الزلزال تهتز في كل بقاعها بدليل تسجيل هزّات يومية في مختلف الدول، يلفت رزق الى أنّ تسجيل الهزّات أمر طبيعي ويحدث ما قبل الزلزال، لكن الناس باتت تهتم أكثر لهذا الموضوع بعد الزلزال المدمّر. زلزال تركيا كباقي الزلازل التي تتحرك فيها الصفائح فترتطم ببعضها البعض ما يولّد هزّات في نقاط معينة وليس بكافة الصفائح. الفاصل بين الصفائح هي الفوالق، فالصفائح تتحرّك نحو بعضها بعضا وهي عائمة على مادة سائلة عندما تضرب ببعضها بعضا تحدث الهزّة ولكن ليس على كل الفالق بل على الجزء الضعيف منه. الزلزال الذي يحدث بعد الارتطام يشكّل "تنفيسة" للأرض، يعيد رزق ويكرّر وهو يحصل على عمق 18 كم تحت الأرض. هذه "التنفيسة" تحتاج الى هزّات ارتدادية شبه يومية قبل الاستقرار النهائي. 

لا ينبثق زلزال من آخر

لا أحد يستطيع أن يتنبأ بالزلزال أو الهزّة. هذا أمر محتوم يشدّد عليه رزق. وما يقوله البعض الذي يصوّر أنّ ما بعد زلزال تركيا ليس كما قبله كلامه ليس الا تهويل لا يمت للعلم بصلة. الطبيعة تكمل مسيرتها والزلازل تمتد من أجيال لأجيال، ولا علاقة لزلزال بآخر، ولا ينبثق زلزال من آخر، هذا ما يشدّد عليه رزق. مسألة التكهن والتنبؤ بحدوث زلزال أو هزّة خلال أسبوع أو شهر أو سنة أو ما الى هنالك ليست واقعية أبدًا. المسألة تحصل تلقائيًا داخل الأرض، وحتى الآن لا أجهزة تتمكّن من سبر أغوار الأرض لاكتشاف الحدث مسبقًا. وعليه، يدعو رزق الناس لعدم الانجرار للشائعات والاستسلام للتهويل الذي يحصل بواسطة بعض وسائل الإعلام وخبراء يعتبرون أنفسهم خبراء بينما الناس يكفيها ما يكفيها ولم تعد تكفيها أدوية الضغط والأعصاب، يختم رزق.

الزلازلالهزات الأرضية

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة

خبر عاجل