خاص العهد
ارتفاع سعر الصرف الرسمي.. أثمان جديدة يدفعها المواطن!
فاطمة سلامة
في الأول من شباط 2023 لم يعُد لسعر الصرف الرسمي 1507 مكان في لبنان. الدولة اللبنانية حدّدت السعر الرسمي بـ15 ألفًا. سعر الصرف الثابت منذ عام 1997 عند الـ1507 ليرات للدولار الواحد جرى ضربه بنحو 10 أضعاف وسط تعدُّد "غريب عجيب" بأسعار الصرف في هذا البلد. وبدل أن يكون للحكومة ومعها البنك المركزي قرارات تخفّف عن كاهل المواطن، ها هي تُرسي سعر صرف جديدا سيزيد العبء أكثر عليه. تمامًا كحال العديد من القرارات التي أتت مجتزأة وفق سياسة "الحل بالمفرّق". وهنا تبدو المشكلة الجوهرية، فالمشكلة إزاء أسوأ أزمة اقتصادية ومالية يعيشها لبنان لا تكمن في الأزمة ذاتها كأزمة. مبدأ الأزمات وارد في أي بلد على امتداد العالم، لكنّ الكارثة الكبرى تكمن في كيفية إدارة الأزمة، في عقلية الإلغاء التي تُدار بها الأزمة. وكما لكل مشكلة وأزمة حل، لكل مشكلة وأزمة إدارة قد تُسعّر نيران الأزمة وتضعنا أمام تداعيات كارثية وغير مسبوقة، وهذا ما حصل فعلًا منذ سنوات وحتى اليوم.
خطوة بعيدة عن أي أسس علمية
طبعًا، لا يمكن إنكار أنه ليس من العدالة أن يبقى سعر الصرف الرسمي عند حدود الـ1507 ليرات بينما تخطّى الـ60 ألفًا في السوق السوداء، لكن ليس من المسوح لأي مرجعية نقدية ومالية وما الى هنالك أن تحدّد سعر الصرف بطريقة اعتباطية بعيدة كل البعد عن قراءة المؤشرات الاقتصادية في السوق النقدي. الخبير المالي والاقتصادي الدكتور حسن حمادة يرى في رفع سعر الصرف الى الـ15 ألفًا خطوة اعتباطية ليس لها أي علاقة بالواقع. هي خطوة كانت مطلوبة من قبل "صندوق النقد الدولي" وكان يمكن أن تندرج تحت إطار توحيد أسعار الصرف، ولكنها الآن أتت متأخرة. عندما طرحت في السابق كان سعر الصرف في السوق السوداء 18 ألفًا، أما اليوم فالسعر تجاوز الـ65 ألفًا. ووفق حمادة، رفع سعر الصرف الرسمي يعني حكمًا أننا متجهون نحو المزيد من طباعة العملة بالليرة اللبنانية ما يعني المزيد من الارتفاع بسعر الصرف، والمزيد من التضخم، وهذا الأمر نتيجة طبيعية للقرارت المجتزأة وغير المتكاملة، واذا "بقي" التفكير بهذه الطريقة فنحن ذاهبون نحو المجهول. المشكلة وفق حمادة أنّ سعر الصرف الرسمي ارتفع فجأة بينما لو جرى ترك الأمور تدريجيًا وفق متطلبات السوق من عرض وطلب لما كان للقرار تداعيات سلبية على النحو الذي نشهده حاليًا.
وفق حمادة، نحن اليوم نتحدّث عن خطوة بعيدة عن أي أسس علمية ولن يكون لها أي مفعول إيجابي. المفعول الوحيد الذي ستنتجه يكمن في "تدفيع" المواطن اللبناني الثمن. المواطن يجب أن يعرف أن كل ما كان يدفعه وفق 1507 ليرات سيدفعه وفق سعر صرف 15 ألفًا. دولار أي معاملة يجريها المواطن بات 15 ألفًا، وهذا الأمر ينطبق على أي عملية من الممكن أن يقوم بها، على سبيل المثال تسجيل سيارة، ميكانيك، وما الى هنالك. حتى الضريبة على القيمة المضافة (TVA) باتت وفق الـ15 ألفًا ما سيؤدي الى مزيد من الارتفاع بأسعار المواد الغذائية.
وفي معرض حديثه، يشير حمادة الى أنّ الخطوة أتت متأخرة كي تعطي الدولة فترة سماح للمصارف لمساعدتها في التخفيف من خسائرها على حساب المواطن اللبناني. المودع كان يأخذ وديعته وفق سعر صرف 4000 ليرة أو 12 ألفًا، ولكن السعر الحقيقي بعيد جدًا عن هذا الرقم، ما أعطى فرصة للمصارف للتخفيف من التزاماتها بقدر كبير. ويشدّد حمادة على أنّه لم يكن هناك إدارة للأزمة بل استنسابية لبعض الأطراف لتستفيد ماليًا وتعظّم أرباحها ولأطراف أخرى لتخفّض من التزاماتها وخسائرها، والأمثلة في هذا الصدد كثيرة. يكفي أن نستحضر جريمة "الهير كات" بنسبة 70 الى 80 بالمئة التي تنفّذها المصارف بحق الودائع وسط سقف محدّد، واذا اضطرّ المودع لسحب مبلغ أكثر من المسموح به كان المصرف يجبر المودعين على أخذ المبلغ وفق سعر صرف 1507 ليرات بينما الدولار في السوق السوداء 65 ألفًا. بحسب حمادة، ثمّة إجرام كبير متعمّد بحق المودع، وبالتوازي ضاعفت فئة أرباحها كالمصارف والتجار من خلال الدعم وغيرها من الأمور.
يُرسي حمادة أسسًا للحل. لا يمكن الحديث عن خطة نهوض من دون رئيس وحكومة كاملة الصلاحيات. هذه الحكومة يجب أن ينبثق منها لجنة محايدة لا مصالح سياسية واقتصادية لديها ولا تتبنى وجهة نظر المصارف، كما يحصل في الكثير من الأحيان حيث يتبنى نواب ووزراء وجهة نظر المصارف ويدفع المواطن الثمن. يتحدّث حمادة في هذا الصدد عن خطة الانقاذ في حكومة الرئيس السابق حسان دياب. تلك الخطة كانت أفضل الممكن والدولار بموجبها وفي أسوأ حالاته لم يكن ليتخطى الـ5 آلاف ليرة. كانت الخطة تقضي بتحميل مصرف لبنان والمصارف وكبار المودعين جزءًا من الخسائر. لكنّ تضارب المصالح أدى لإجهاض هذه الخطة التي تم إفشالها من قبل أغلبية القوى السياسية مراعاة لمصالح المصارف والتجار على حساب المواطن اللبناني الذي يدفع الثمن للأسف.
ويشدّد حمادة على أننا للأسف ذهبنا الى المجهول، وحكومة الرئيس نجيب ميقاتي مشلولة تمامًا ما يعني أننا أمام كارثة كبرى، فإدارة الأزمة هي كارثة أكبر بكثير من الأزمة بحد ذاتها. المواطن اللبناني متروك لقدره ولمصرف لبنان الضوء الأخضر ليتصرف من خلال التعاميم العشوائية غير النابعة من خطة متكاملة ما يعني أننا ذاهبون نحو المزيد من الارتفاع بالدولار في السوق السوداء، وهذا ما حصل فعلًا حيث استبق السوق العملية بالارتفاع.
خلاصة القول، يقول حمادة "لو أنّ خطوة رفع سعر الصرف الرسمي أتت ضمن سلّة متكاملة لكنا سنتدارك الكثير من السلبيات ولكنها اليوم أتت منفردة من دون خطة إنقاذ ما سيرخي تأثيرًا سلبيًا بشكل كبير على حياة المواطن اللبناني".
لتخفيض الضرائب والرسوم
للخبير الاقتصادي باتريك مارديني وجهة نظر أخرى. برأيه، خطوة رفع سعر الصرف الرسمي لا فرار منها لأن سعر الصرف في السوق السوداء تجاوز الـ60 ألفًا، مع الإشارة الى ضرورة توحيد أسعار سوق الصرف. لكنّه يشدّد بالموازاة على ضرورة أن يكون لدينا خطة متكاملة مع تخفيض الضرائب والرسوم للتخفيف عن كاهل المواطن والشركات كي تستمر ويبقى البلد منتجًا، والا ذاهبون نحو الانهيار.
لا ينكر مارديني أنّ رفع سعر الصرف سيؤثر على كل العمليات المقوّمة بالدولار، وبالتالي كل البضائع المستوردة بالدولار سيرتفع سعرها نظرًا للضريبة التي ارتفعت ما سيُحدث زيادة على كاهل المواطن، وسيزيد من مسألة التهرب الضريبي. وبالموازاة أيضًا سترتفع ضريبة الدخل لمن يتقاضى راتبه بالدولار لتصبح وفق 15 ألفًا. الأمر ذاته ينطبق على الشركات التي استوردت البضائع وفق الـ1507 ليرات، والتي ستزداد الضرائب على أرباحها رغم أنّ أرباحها كبيرة بالاسم. كما سيكون هناك تداعيات على الشركات والمصارف أيضًا في ما يتعلق بتقييم الأصول. الرأسمال سيصغر كثيرًا في الشركات والمصارف رغم أنها رؤوس أموال دفترية. وعليه، يكرّر مارديني خطوة لا بد منها ولكن يجب أن تصاحبها تدابير أخرى.