خاص العهد
إضراب الأساتذة في التعليم الرسمي مستمر: فهل من عودة قريبة؟
فاطمة سلامة
يبدو القطاع التربوي في لبنان اليوم بأسوأ حالاته. مشاكل بالجملة تحاصر هذا القطاع الذي بات شبه عاجز عن الاستمرارية بالواقع الحالي. الأزمة الاقتصادية التي ضربت لبنان وتحليق الدولار الجنوني تركت تداعيات كبيرة بات التعليم بموجبها عزيزًا في هذا البلد. الأساتذة والمعلمون كانوا أول المتضررين خاصة في المدارس الرسمية. راتب الأساتذة لم يعد يساوي بدل أجرة للتنقل من المنزل الى المدرسة. وعلى مدى ثلاث سنوات تحمّل هؤلاء ظروفًا صعبة وتنازلوا في أماكن كثيرة عسى ولعلّ تصل المساعي الى خواتيمها السعيدة. لكنّ المأساة بالنسبة اليهم كانت في كمية "النكث بالوعود" التي تعرّضوا لها على مدى أشهر طويلة. في كل مرة يجري وعدهم بتحسين الظروف وتلبية المطالب فيلتزمون بواجبهم في التعليم ويذهبون الى المدرسة، لكنهم يتفاجأون بأنّ الوعد تبخّر وكأن شيئًا لم يكن!.
الأستاذ يعيش في مذلّة وهوان
"تحمّلنا لأكثر من ثلاث سنوات وعانينا كثيرًا والآن يعيش الأستاذ في مذلّة وهوان". بهذه الكلمات يمهّد نائب رئيس رابطة التعليم الثانوي الدكتور حيدر اسماعيل للحديث عن المظلومية التي تلحق بالأساتذة. برأيه، كل ما يقدّم للأستاذ لا يكفي حاجاته البسيطة. صحيح أننا نرفع الصوت من خلال الإضراب المستمر منذ أسابيع لكننا لا نرضى بالشارع لا للأستاذ ولا للتلامذة. ولدى سؤاله عن العودة الى التعليم يقول "فليفوا بالوعود، نرجع اليوم الى المدارس. طبعًا لا نريد كل المطالب الآن، ولكن فليتجاوبوا وليبدأوا بالقدر المستطاع منها ويرونا غدًا داخل الصفوف". وهنا يحمّل اسماعيل وزارتي التربية والمالية ومعهما حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مسؤولية الأزمة التي يرزح تحتها الأساتذة. وفق حيدر، لا يجب أن يتحمّل المعلّم وحده مسؤولية ما يحصل.
يشدّد اسماعيل على أنّ ثمة مشاكل كثيرة يرزح تحتها الأستاذ، فإلى متى سيبقى متحملًا؟!. قيل لنا "عضّوا على الجراح" "فسكتنا" العام الماضي وقبله رغم أنّ حقوقنا مهدورة. يذكّر المعنيين بـ"أننا أولياء أمور كيف سيتعلّم أولادنا؟". يعدّد بعضًا من الظلم الذي يلحق بالأساتذة؛ لم نتقاض جزءًا من رواتب العام الماضي. أما بدل النقل، فبعد مماطلة سبعة أشهر تقاضيناه وفقًا للسعر القديم فباتت قيمته الشرائية في الحدود الدنيا. ورغم أنّ ذهاب المعلّم الى أقرب مدرسة يحتاج الى نصف صفيحة بنزين نطالب بـ6 ليترات بنزين فقط عن اليوم الواحد ذهابًا وإيابًا وهذا كمعدل وسطي مع العلم أنّ بعض الزملاء يقطعون مسافة كبيرة. كما يوضح اسماعيل أنّه جرى التنصُّل من وعود سبق أن أعطيت لنا من قبل الجهات المانحة، وهذا أكبر خطأ وقعوا فيه، فبعد أن وعدونا بمساعدة اجتماعية بقيمة 130 دولارًا نفضوا أيديهم من الوعد.
مطالبنا معروفة
وفي هذا السياق، يُدرج اسماعيل مطالب الأساتذة التي باتت معروفة، ويوجزها بالآتي:
-تحسين الرواتب وإنشاء صيرفة خاصة بالأساتذة كأن يُعطى معاش الأستاذ وفق دولار 15 ألف ليرة أسوة بالدولار الجمركي. وفق اسماعيل، فإنّ متوسط رواتب الأستاذ الثانوي مليونان ونصف المليون ليرة والحد الأقصى ثلاثة ملايين ونصف المليون ليرة، اذا ما أنجزت وفق منصة 15 ألف ليرة يُصبح راتب الأستاذ بين 400 و600 دولار بحسب الأستاذ وخبراته والمدة السنوية التي قضاها مع الإشارة الى أنّ وظائف كثيرة تحتوي على رواتب بالألف دولار. وهنا يشدّد اسماعيل على أنّ مسألة تحسين الراتب مهمة لقضية التقاعد، فهل يُعقل أن يتقاعد الأستاذ خالي الوفاض بلا أي شيء؟
-الإيفاء بقضية الحوافز المالية التي وعدونا بها بالدولار (130 دولارًا).
-تقاضي رواتب الثلاثة أشهر الماضية.
-رفع بدل النقل وإعطاء 6 ليترات بنزين عن اليوم الواحد وربط هذا الأمر بالدولار.
يوضح اسماعيل أننا عقدنا مؤتمرًا وطنيًا دعونا اليه كل الأقطاب، وهدّد وزير التربية عباس الحلبي خلاله بعدم تعليم السوريين اذا لم يتعلم اللبناني، لكن لاحقًا جرى الانسحاب من هذا الموضوع وطالبونا بتعليم السوريين، فكيف نعلّم السوريين ولم يتم الإيفاء بالالتزامات؟. هذا الضغط السياسي لا نقبل به ولا نقبل بالاتهامات التي توجّه الينا من قبل الجهات المانحة بأننا نبتزهم.
يضيف اسماعيل "لم يعد مسموحًا الاستهتار بالمعلّم الذي لطالما كان القدوة والأساس. لكن مهنة التعليم "تتبهدل" بسبب السياسات العامة المتبعة، ذهبنا الى وزير التربية ووضعنا حلولًا له، ومن الحلول اقترحنا إقامة تعاقد داخلي للمعلّم ودوامًا جزئيًا كي لا ننقطع عن التعليم كليًا لكن كل اقتراحاتنا باءت بالفشل".
يؤكّد اسماعيل أنّ المعلمين وصلوا الى مرحلة غير قادرين فيها على التحمل. الأستاذ لديه ضمير الى أبعد الحدود يُعلم "باللحم الحي" ولكن يريد أن يتنفس. للأسف، "لا يسمعون ماذا نتكلّم، ولو أنهم يأخدون الأمور بعقلانية واقعية وجدية لما كنا لا نزال في عمق الأزمة"، يختم المتحدّث كلامه.