خاص العهد
انحباس المطر في لبنان: آثارٌ خطيرة والزراعة المُتضرّر الأول
زكريا حجازي
ظاهرة انحباس المطر في لبنان جراء التغييرات المناخية التي يشهدها العالم باتت تبعث على الخوف والقلق، ليس فقط لدى المزارعين فحسب، بل لدى الناس عمومًا، لما سيكون لها من تأثير على حياتهم وأوضاعهم.
انحباس المطر دفع دائرة الأوقاف الإسلامية في بعلبك – الهرمل أمس لتوجيه دعوة إلى العلماء وخطباء المساجد لإقامة صلاة الاستسقاء بعد صلاة الجمعة في بلدات البقاع.
المياه الجوفية في خطر
إزاء هذا الأمر، يؤكد رئيس قسم التقديرات السطحية في مصلحة الأرصاد الجوية محمد كنج أن مخاوف الناس والمزارعين في محلّها، فكمية المتساقطات وخاصة الثلوج دون المستوى العام بكثير.
يوضح كنج، في حديث لموقع "العهد" الإخباري أن هناك مخاوف من عدم وجود الثلج لأنه سيؤثر بشكل سلبي على حجم المياه الجوفية التي ترفد الينابيع والأنهار، وبالتالي سيؤثّر على كثير من المزروعات التي تحتاج إلى الريّ بعد الربيع حيث يحصل شحّ في مياه الأنهار والينابيع.
ويلفت كنج إلى التفاوت الكبير في نسب ومستوى المُتساقطات هذه السنة مقارنة مع السنة الفائتة، ويبيّن أن المُتساقطات في منطقة البقاع بلغت حتى اليوم 158 ملم ونسبتها بحدود الـ50 % من المعدل العام المقدر بـ 307 ملم، في حين بلغت العام الماضي 206 ملم.
ويُشير كنج الى أن هذا التأخر في نسبة المتساقطات سيؤثر على بعض أنواع المزروعات التي فات الأوان على زراعتها، ويقول: "نعم مخاوف الناس والمزارعين في محلها، فكمية المتساقطت أدنى بكثر مما كانت عليه السنة الماضية". لكن كنج لا يقطع الأمل فالسنة الماضية كانت نسبة المتساقطات في مثل هذه الأيام أدنى من السنة السابقة إلا أن الأمطار والثلوج انهمرت بغزارة وعوّضت الفارق خلال شهري شباط وآذار.
على الرغم من المخاوف التي يعبر عنها المزارعون، لا يستبعد كنج أن نشهد هذه السنة أيامًا مماثلة لتلك التي شهدناها السنة الماضية ولا سيما في شهر آذار، ويتابع "لا نزال في الجزء الأول من فصل الشتاء الذي يمتدّ على مدى 90 يومًا مضى منها الثلث، ومن غير المستبعد أن تحمل الأسابيع المقبلة معها أمطارًا وثلوجًا تعوّض النقص".
ولا يرى كنج أن لبنان مقبل على جفاف، فبنظره كمية المتساقطات لا تزال مقبولة، ولا نزال في الجزء الأول من فصل الشتاء.
وبحسب كنج، عدم تساقط الثلوج أدى إلى ضرب موسم التزلج والسياحة والرياضات الشتوية، فكل ما يرتبط بالثلج متوقف وانتهى الموسم، كما أن عدم وجود الثلج سيكون مؤثرًا بشكل كبير وخاص على المياه الجوفية، إلّا إذا كان شهرا شباط وآذار مختلفين عن الشهر الحالي.
تضرّر المواسم الزراعية
بدوره، يؤكد نقيب المزارعين إبراهيم ترشيشي أن ما نشهده حاليًا من تقلّبات وتغيّرات في المناخ هو ظاهرة غير طبيعية تندرج تحت التقلبات المناخية الحادة التي يشهدها العالم كله ولا يقتصر تأثيرها على لبنان أو المنطقة.
ويلفت ترشيشي إلى أن انحباس الأمطار وارتفاع درجات الحرارة في مثل هذه الأيام يؤثر سلبًا على المزروعات عمومًا، فارتفاع الحرارة يحفّز نمو النباتات ويوقظ الأشجار التي يجب أن تكون في مثل هذه الأيام في حالة خمول، ويؤدي إلى نمو البراعم وتفتّح الأزهار قبل أوانها، وفي حال حصول انخفاض بدرجات الحرارة عندها سيؤدي الصقيع إلى موت البراعم والقضاء على الأزهار أو الثمار التي تكوّنت بفعل الحرارة.
يرى ترشيشي أن الطقس الحالي وارتفاع درجات الحرارة في هذه الأيام ملائم لبعض المزروعات مثل القمح، لكن الخوف يكون عندما تتكون السنابل قبل أوانها ثمّ تأتي موجة الصقيع وتقضي على الموسم.
وفق ترشيشي، انحباس الأمطار وارتفاع درجات الحرارة لا يؤدي إلى قلة المياه الجوفية فحسب، بل ويؤدي أيضًا إلى جفاف الآبار التي لا يزيد عمقها عن 100 متر، وبالتالي سيضطرّ المزارعون إلى بدء ري مزروعاتهم في شهر آذار بدلًا من شهر أيار، وهذا من شأنه أن يزيد التكاليف على المزارعين.
ويلفت ترشيشي إلى أن عدم تساقط الثلوج وارتفاع درجات الحرارة له سلبيات أخرى، فهو يساعد على تكاثر القوارض وخاصة "فأر الحقل"، بدلًا من القضاء عليها بفعل الثلوج والصقيع، وبالتالي يؤثّر على المواسم الزراعية ومحاصيلها، وعلى كلفة الإنتاج بسبب الحاجة إلى الأدوية اللازمة لمكافحة الحشرات والقوارض.
ترشيشي يخلص إلى أنه ليس أمام المزارعين سوى الصلاة والدعاء والتضرع إلى الله ليرسل مدد السماء لعباده.