معركة أولي البأس

خاص العهد

في مملكة الاستبداد والقتل.. الثورة والصوْت المعارض باقيان
02/01/2023

في مملكة الاستبداد والقتل.. الثورة والصوْت المعارض باقيان

لطيفة الحسيني

في الجزيرة العربية تنعدم أيّة حقوق سياسية. لا مكان للشورى الحقيقية على غرار الدول الديمقراطية، والمشاركة في الحُكم والقرار ملغاةٌ تمامًا. الاستبداد وحده الطاغي، وأيّة معارضة أو حتى انزعاج من سياسات ولي العهد محمد بن سلمان يقود الى الإعدام بحجّة الخروج على وليّ الأمر والتحريض وبثّ الفتن.

الثاني من كانون الثاني/ يناير، ذكرى إعدام آية الله الشيخ نمر باقر النمر قبل 7 سنوات. قضى سماحته لا لشيء سوى قوله "لا" بوجه سلطانٍ جائرٍ وفاجرٍ. ماذا كرّس الشهيد الكبير داخل أكثر البلدان قمعًا؟ ما الذي أسّس له؟ وما الذي يمثّله بين أبناء المملكة؟

القيادي في لقاء المعارضة في الجزيرة العربية الشيخ جاسم المحمد علي يتحدّث لموقع "العهد" الإخباري عن نهج الشيخ النمر على مرّ السنوات التي ناضل فيها بوجه السلطات الحاكمة في المملكة، فماذا يقول؟

المؤمن بالتغيير لن يتلكّأ أمام القوى السلطوية وأسلحتها الفتّاكة

* بعد 7 سنوات على الإعدام، وأكثر من 11 سنة على حراك القطيف وبلوغ القمع والتهديدات الأمنية مستويات قياسية، ماذا رسّخ الشهيد في أبناء المملكة ممّن يتوقون الى الحرية؟

الشيخ النمر قصة تضحية وبطولة وفداء في سبيل القضية والرسالة، لا زالت تنبض بالحياة والحيوية والتأثير، لأنها تمظهرٌ من تمظهرات القيم الإلهية الخالدة التي لا تموت ولا تفنى، فعشق الكرامة والحرية والعدالة ومن ورائها مرجعية التوحيد الإلهي القائمة على قاعدة العبودية المخلصة لله والرفض المطلق للاستعباد الوثني والبشري والمادي.. هذا العشق الإيماني للقيم الذي تجلّى بأبهى صوره في تجربة الشيخ النمر، وهو الذي جعل شخصية الشيخ النمر تزداد حضورًا ورسوخًا مع تطوّر الصراع مع الظلم والجوْر والطغيان، لأن كلّما اتسعت جبهة المواجهة، كلّما تأكد أن القيم والمبادئ التي رفعها الشيخ النمر وجعلها مصدر قيامته ونهوضه وقوته هي التي تشكل سندًا مركزيًا في أيّ حراك تغييري يتطلّع الى الحق والفضيلة.

الشيخ النمر رسّخ فكرة أن القوة والمركزية في معركة الوعي والكرامة هي للإيمان العميق بأحقية القضية، وللمكوّن المعنوي والروحي الذي يشع في الفكر والأداة اعتقادًا بأن المعية الإلهية اذا كانت نصير الثوار والأحرار، وخرجت من كتم الغياب والعدم الى حيّز الحضور والوجود، فإن المؤمن بالتغيير لن يتلكّأ أمام القوى السلطوية وأسلحتها المادية الفتّاكة، ولن يتراجع أمام لغة الدم والقتل والتهديد، بل سيزداد ألقا وتقدما وصمودًا، لأن أقصى ما يمكن أن يقوم به الظالم المتجبّر هو القتل، والقتل في أدبيات الفكر الجهادي والتوحيدي هو مقام الشهادة السامي الذي تهفو إليه النفوس الحرة وتطمح للوصول إلى عالمه التوحيدي النير.

الشيخ رسّخ أن النصر القيمي بحزمته المتنوعة هو الذي يبحث عنه عشاق الإيمان والحرية والعدالة، وهو الذي يشكّل محور حركتها، وهو الذي يجعل التجربة متوهّجة الحضور في الذاكرة الشعبية والتاريخية، مهما تقادمت الأيام على الحدث الخارجي، وحاول العدو إخفاء المعالم البهية في التجربة النهضوية وطمس هويتها الوجودية.

 

في مملكة الاستبداد والقتل.. الثورة والصوْت المعارض باقيان

القيادي في لقاء المعارضة في الجزيرة العربية الشيخ جاسم المحمد علي

 

فضاء المعارضة الى اتساع

* الشيخ الشهيد كان قد دعا عام 2008 الى تشكيل جبهة المعارضة الرشيدة لمواجهة الفساد والتسلّط الديني الوهابي والظلم السياسي، كيف برأيكم يمكن السير بهذا النهج في ظلّ ظروف صعبة جدًا اليوم في السعودية؟ وماذا تخبروننا عن هذه الجبهة؟

اذا تجوّلنا اليوم في أرجاء ساحة الجزيرة العربية، وتابعنا سيرها السلطوي المستبدّ من قِبل النظام السعودي، سنجد أن هذه الظروف الصعبة التي شكّلتها الحكومة هي التي كانت مبعثًا لاتساع جبهة المعارضة وازدياد تنوعها الطيفي والانتمائي.

في السابق كانت أبرز معارضة واضحة ومُعلنة للنظام الجائر في الدولة السعودية المُعاصرة هي المعارضة الشيعية، بفعل الظلم المُضاعف والمُتراكم الذي انصبّ عليها من السلطة السعودية نتيجة التمييز الطائفي بأنواعه المختلفة إلى جانب الهوية الاستبدادية والأحادية التي يحملها النظام في جوهره الأساسي. مع تزايد الاستبداد السياسي، وتفاقم الضغط الأمني المتنوّع في أشكاله، من القمع والاعتقال والإعدام على مختلف المكونات، والانحسار الاقتصادي الذي برز واضحًا مع مخططات رؤية 2030، أدى هذا الى اتساع فضاء المعارضة وتنوعها في الخارج، إلى جانب ظهور الهواجس الداخلية من الفئات المختلفة على السطح الإلكتروني والاجتماعي على المستقبليات القادمة.

طبعًا، اتساع المعارضة جلب معه دوافع مختلفة بين أطيافها: بين من يبحث عن التغيير الشامل والجذري، وبين من يطلب تحسينًا مقبولًا لملفّ الحقوق والحريات، وبين من يريد تغييرًا للنسق الأخلاقي والاجتماعي وفق أدبيات المنطق الليبرالي، وبين من يُعطي التطوّر الاقتصادي أولويةً في كلّ مناشط المعارض، لكن هذا الاختلاف في الدوافع يؤكد أن سلبيات الحكم السعودي في أدائه السياسي والاجتماعي تضاعفت الى حدّ ارتباك القدرة السلطوية للنظام على ضبط إيقاع المُعارضين لها والسيطرة عليهم.

المُعارضة لم تعد محدودة في أدواتها وآلياتها، لأن المجتمع الشبكي جعل المعارضة تنفتح على أشكال كثيرة في التعبير عن رؤيتها ومواجهتها للنظام الظالم، فهذه التطورات التقنية والتكنولوجية باتت اليوم لصالح المعارضة في الخارج في القدرة على إيصال صوْتها ورسالتها إلى كل زوايا المساحة الداخلية. كما أن مروحة الخيارات لدى الداخل في إبراز معارضتها صارت أوسع بالشكل الذي يحفظ وجودها من الاستهداف الأمني، لكن المسألة تحتاج إلى تخطيط وترتيب في تحديد المساحات المُتاحة وآليات استثمارها. جبهة المعارضة اليوم بلا شك أوسع وأكبر وأقوى صوتًا وأعمق أثرًا.

* كيف سينجح الشعب اليوم بتطبيق مشروع الشيخ النمر في مواجهة الجوْر الحادّ في المملكة؟

مشروع الشيخ النمر كان مُنتصرًا في معادلات القيم والمبادئ والمثل، وإن لم يحقّق نصرًا سياسيًا. الشعوب التي تجعل القيم والمبادئ هي منبع التأثير والحركة والمواجهة للظلم والطغيان، بلا شك ستكون ناجحة ونموذجية، فهذه هي وعود القرآن التي تؤكد هذه الحقيقة الإلهية وتكررها في محطات الأنبياء (ع) وتجاربهم، وتوجهنا إلى التعامل معها بوصفها مرجعية العمل التوحيدي والثوري. الشعوب التي تحذو حذو الأنبياء والأئمة والأولياء (ع) في حركتها لإعمار الدنيا بالتوحيد والعدالة والفضيلة، هي شعوب منتصرة، وستكون مساهمة في بناء الحضارة الإنسانية التي ستكون في معايير الإيمان والعقيدة حاضنة للتقدم والتطور في كل أبعاد الحياة.

تحدّي المعارضة اليوم

* هل يمكن القول إن المعارضة عاجزة عن تغيير شيء في ظلّ السطوة الأمنية؟ وهل تعتقدون بأن الحرب الحقوقية لتعرية انتهاكات النظام كفيلة بإحداث فرق في المواجهة لتحقيق المطالب الإنسانية والسياسية في المملكة؟

تقييم أداء المعارضة السياسية والحقوقية ونوع تأثيرها في مواجهة النظام السعودي يجب أن يكون وفق منطق خاص: مجتمع الجزيرة العربية ليس مجتمعًا على الصعيد التاريخي حاضنًا للمعارضة ومتجاوبًا معها، كما أن المعارضة وإن كان لها جذورها التاريخية، لكنها لم تتبلور على شكل صورة تنظيمية ماهرة، فالحالة التنظيمية للمعارضة في الجزيرة العربية وتنوّع أدوارها هي وليدة المراحل الأخيرة التي لا تتجاوز الأربعين سنة، إلى جانب ما تواجهه من صعوبات ضخمة على الصعيد السياسي والأمني والاجتماعي.

المعارضة التي تعيش في هذه المرحلة ظروفًا دراماتيكية مُتسارعة، وتواجه نظامًا مثل النظام السعودي الذي أوغل كثيرًا في ساحة الدم والقتل والقمع، ولا تستند إلى بيئة حاضنة بشكل كامل، من الطبيعي أن الأدوار التي تنهض بها مع ملاحظة الاعتبارات الأمنية والسياسية والاجتماعية، هي أدوار إيجابية في ضمن مراحل المسار التصاعدي لنشاط ها.

اليوم تتصدّى المعارضة لإبراز الحرمان السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يعيشه الشعب، مرورًا بمساهمات فاعلة في تشكيل المواقف اللازمة للأحداث والتطورات التي تكشف فضائح النظام السعودي وجرائمه، وانتهاءً بوظيفتها الفكرية في التنظير والتنضيج للأطر المستقبلية الحبلى بالتغيّرات الكبرى في الوضع الداخلي الموصول بشدة بخارطة المنطقة وتحوّلاتها السياسية.
المعارضة تملك فرصًا متنوّعة للقيام بأدوار متعدّدة على الصعد الاجتماعية والسياسية والحقوقية والثقافية.

القمع والقتل عمق النظام الجوهري

* الإعدامات هي لغة تواصل السلطة مع المُعارضين والناشطين وكلّ من يشكّل خطرًا على النظام، وبين فترة وأخرى نسمع عن مجموعة كبيرة من الإعدامات والتصفيات، ما هو السبيل حتى يتوقّف النظام عن القتل؟

بصراحة، لا يمكن لهذا النظام أن يتوقف عن سياسة القمع والقتل. القمع والانتهاك هو هوية النظام وعمقه الجوهري الذي يتعامل مع الأرض وما يقوم عليها من بشر ومقدرات وإمكانات بأنها ملكٌ صرفٌ له، وبيده أن يتصرف فيها كما يشاء بشكل مُطلق،
لذلك إيقاف القمع ومنه الإعدام بشكل جذري يكون بالتغيير البنيوي للنظام وليس بمنعه.

نحتاج حتى نكون مشخّصين لأداء السلطة السعودية وتطوّراتها المستقبلية الى وعي هويتها وماهيتها، ومستوى حضور الحقوق الشعبية في أفق تفكيرها، حينها نستطيع أن نحدد ماهي أدوات الضغط الداخلي على النظام لتوقفه عن القمع الأمني بأشكاله المتنوعة وعلى رأسها الإعدام.

هوية أبناء الجزيرة العربية في خطر

اليوم هناك تغيير تامّ لهوية الجزيرة العربية الإسلامية، هل تتخوّفون على مستقبل المملكة وما تمثّله من بُعد إسلامي؟

ما يمكن أن يقال في تغيير الهوية هو أن النظام السعودي منذ باكورة نشأته وهو يعمل على تفتيت الهويات المجتمعية المتعدّدة، ليس لتكوين هوية وطنية جامعة بين مختلف الفئات والمكونات، بل ليمزّقها من أجل أن يجعل هويته الوهابية وموروثه النجدي هما الهوية المتسيّدة والوحيدة في ساحة الجزيرة العربية، لذلك شنّت السلطة السعودية حربًا شعواء على كل الهويات في سياق الطمس، حتى تكون هويته هي هوية واحدة وحيدة تتحكم في كل مفاصل الساحة ذات المكونات المتعددة.

هذه هي خطة النظام السعودي في سياق حماية سلطته وملكيّته من أيّ احتمال بسيط يمكن أن يدفع المكوّنات الى تنظيم تلاحم مشترك في ما بينها يمنحها قدرة النهوض أمام الدولة، وتشتغل على إسقاطها وإعادة تكوينها بصورة شعبية موحّدة، تحفظ لها وجود المكوّنات، وتحترم هوياتها، وتعطيها صلاحية المشاركة في رسم النظم وقرارتها.

معركة واجبة لحفظ الدين والهوية الأخلاقية

المعركة التي يخوضها النظام الجائر ضدّ المكونات الشعبية، وصلت في هذه المرحلة إلى استنزاف الهوية الدينية وتمزيقها، من أجل تذويب البقية الباقية من المناعة الثقافية والأخلاقية أمام فيروسات الاستكبار والاحتلال والتطبيع. هذا ما يرمي إليه الحكم السعودي من رؤية 2030 التي صاغ منها مشاريع اقتصادية وثقافية عديدة تستهدف التطوير كما في مدعياته لمواكبة العالم الإنساني الحديث، لكنها في عمقها تسعى إلى تحريف الظاهرة الدينية لتجهيز أرضية التطبيع مع الكيان الصهيوني، وتفكيك الحمولات العقدية الضخمة التي يرفعها الشعب تجاه عقيدته وقضايا أمته الكبرى.

اليوم معركة الوعي والكرامة مع السلطة السعودية الظالمة ليست على الخيارات السياسية، بل على حفظ الدين وهويته الأخلاقية من المحق والطمس، لذلك لم يعد العمل المعارض نزهةً بل هو فرض حصري لكل من تنبض نفسه بالانتماء الصادق لدينه، وتتطلع روحه للحق والكرامة والفضيلة.

 

في مملكة الاستبداد والقتل.. الثورة والصوْت المعارض باقيان

الجزيرة العربيةالشيخ نمر باقر النمرلقاء المعارضة في الجزيرة العربية

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة