خاص العهد
2022..الإعلام "الأسود"
فاطمة سلامة
لم يعد الإعلام اللبناني يؤدي وظائفه المرسومة له في الإخبار والتوجيه والإرشاد والتثقيف وما الى هنالك. لم يعد بيننا إعلام هادف إلا ما ندر. خطّة العمل السنوية للمؤسسات الإعلامية تحوّلت بغالبها الى أجندات "معلّبة" تُرسل من الخارج. العناصر الخمسة من مكوّنات العملية الإعلامية بدءًا من المرسل فالرسالة والوسيلة الى المرسل اليه ورجع الصدى، لم تعد جميعها مهمة. عنصران فقط بقيا ثابتين وهما "المرسل والوسيلة". أما الرسالة فشُوّهت ولم تعد ذات قيمة تؤدي وظائف الإعلام. المرسل اليه يتعرّض لـ"الغبن" في إعلام مفتوح على شتّى أنواع الشائعات والتلفيق والتحريف،
أما الكارثة الكبرى فتكمن في رجع الصدى أو التغذية المرتدة. ولمن لا يعلم فهذا "المصطلح" يعبّر عن ردة فعل المتلقي من الرسالة. لهذا العنصر أهمية كبرى توليها كبريات المؤسسات الإعلامية في العديد من الدول انطلاقًا من ضرورة دراسة رد الفعل لتقويم العملية الاتصالية وبالتالي الرسالة والمحتوى. أما في لبنان، فلا مكان للتغذية المرتدة. لا مكان لدراسة الأثر في غالبية المؤسسات الإعلامية. المحتوى معد سلفًا ولا إعادة للنظر فيه بغض النظر عن رأي المرسل اليه وحاجاته من المعرفة.
ووسط تهميش الجمهور وحاجاته من المعرفة، تعمل الوسائل الإعلامية على تعريضه لأوسع عملية "غرس" قيمي وثقافي. تعمل على إغراقه في كم كبير من المحتوى الذي لا يمت للدور الإعلامي الرصين بصلة. الدور الكبير الذي من المفترض أن تلعبه الوسائل الإعلامية في تكوين الاتجاهات وخلق رأي عام مثقّف وواع يكاد يكون معدومًا. طبعًا، لا تخلو الساحة الإعلامية في لبنان من مؤسسات لا تزال ملتزمة بتقديم ما ينفع الجمهور ويعزّز القيم المجتمعية، لكنّ نسبة هذه المؤسسات ضئيلة جدًا أمام كارتيل إعلامي لا يهمه سوى "الريتينغ" والرشى وتقديم محتوى إعلامي "هابط" لا هادف في سياق دور وكيل لا أصيل.
ولا شك أنّ الأزمة الكبرى التي عاشها لبنان عام 2022 من اقتصادية ومعيشية ونقدية واجتماعية وصحية انسحبت على الإعلام. المحتوى الإعلامي في هذه السنة جاء تكملة للمحتوى الذي يُقدّم منذ سنوات، لكنه بلغ مستوى لا يمكن أن يتقبله عاقل. المتابع والراصد لما يُقدّم في هواء الفضائيات وأثير بعض الإذاعات وأعمدة الصحف يرى إعلامًا لا حدود فيه. تحليل مضمون عيّنة من البرامج التلفزيونية من حيث الشكل والمضمون يكشف عن مستوى أداء غريب عجيب، مستوى قُتلت فيه كل الأخلاقيات المهنية والمسوؤليات الاجتماعية، مستوى فيه الكثير من الطائفية والمذهبية وكم هائل من التحريض والفتن والشتائم والتعرض لفئات ومكونات بعينها دون مراعاة أدنى المعايير والأسس. ولسنا هنا في وارد ضرب الأمثلة، تلك البرامج واضحة وضوح الشمس للرأي العام وهي تتغذى على فُتات الفتن والتعدي على حريات الآخرين.
أمام ما نشاهده، يعبّر وزير الشباب والرياضة في حكومة تصريف الأعمال الدكتور جورج كلاس عن أسفه لإعلام اليوم. يتحدّث بصفته أستاذًا جامعيًا وعميدًا في كلية الإعلام والتوثيق قبل أن يصبح وزيرًا. يقدّم مقاربة يغلب فيها الطابع الأكاديمي بين ما يبدو عليه الإعلام اليوم وما يجب أن يكون عليه. برأيه، نحن أمام إعلام "أسود" و"أحمر". مسألة الإعلام "الأصفر" تخطيناها بأشواط. إعلام يفتقد لـ"مرجعية إعلامية" تدير شؤونه كما يجب. برأيه، نحن بحاجة الى إعادة نظر ومراجعة لوضع شرعة إعلامية لوسائل الإعلام وللعاملين فيها تحتّم علينا تغيير المحتوى وهذا من واجبنا خاصة في هذا الظرف الدقيق الذي نعيشه اليوم.
أزمة إعلام
وردًا على سؤال حول تقييمه ورؤيته للإعلام عام 2022، يسارع كلاس الى القول: "كما لدينا أزمة نظام لدينا أزمة إعلام. لدينا أزمة في النظام الإعلامي وفي القوانين الإعلامية"، إلا أنّ الأزمة الأكبر التي "أرصدها وأشكو منها وأدعو الى تجنبها" -يقول كلاس- تكمن في التفلت الأخلاقي والإعلامي. نفتقد برأيه للتقيد في الأخلاقيات الإعلامية والسلوكيات الرصينة. ويضيف "عندما نقول الإعلام سلطة فللسلطة آدابها وقوانينها، هذا إن كان سلطة، أنا لا أعترف أنّ الإعلام سلطة، من موقعي كأكاديمي وإعلامي ووزير مسؤول أقول أن الإعلام خدمة، طبعًا ليست خدمة مجانية بل خدمة كالطب والهندسة"، وفق قناعاته، الإعلام مهنة لها طابع الخدمة، وكما يبدو الخطأ الطبي ممنوعًا ويجب تحاشيه في مهنة الطب، كذلك في الإعلام مع فارق أنّ الخطأ الطبي قد يقتل فردًا واحدًا، أما الخطأ المهني في الإعلام فقد يتسبّب بجريمة اجتماعية وأخلاقية.
ولدى سؤاله عن المحتوى الذي قدّمته قناة "الجديد" مؤخرًا والذي تخطّت فيه كافة الأعراف وكسرت فيه الخطوط الحمراء، يقول كلاس " الأخلاق الإعلامية هي الأساس ولا يوجد إعلامي أو مقدّم خارج المؤسسة الإعلامية. نفتقد في لبنان للمرجعية الإعلامية. لا يوجد مرجعية ما يعني أن لا رقابة ذاتية للإعلام، ولا تطبيق لقانون الإعلام والقوانين الناظمة. المجلس الوطني للإعلام لديه دور استشاري ولكن لا يكفي هذا الدور". وفق كلاس، كثر لا يعرفون أن في لبنان مجلسًا وطنيًا للإعلام، ولا يعرفون دوره، وهذا يسبّب تفلتًا في كافة الحالات، عدا عن أنّ الإعلام ساحة ديمقراطية وأنا مع حرية الرأي ولكن الأخلاقيات المهنية هي الأساس.
وهنا يشدّد كلاس على أن الجميع مدعو من نقابة الصحافة الى نقابة المحررين والعاملين في وسائل الاعلام كافة والمجتمع المدني للعمل. لا نريد أن نجرّم الإعلام لكن لا نريد أيضًا أن نترك المساحة تحت عنوان "حرية الرأي" ليقوم الفرد بما يريده وسط غياب "الذوق" والأخلاق. بالنسبة لكلاس، هناك آداب فلا يجوز أن أتعرّض لمنزل جاري تحت شماعة "حرية الرأي".
ويرى كلاس أنّ تأثير الأزمة الاقتصادية على الوسائل الإعلامية كان قليلًا بدليل أنها قائمة ومزدهرة، وهنا لا نتحدث عن تحويلات الخارج، ولكن بموازاة هذا البقاء يجب أن يكون للإعلام مساحة بيضاء لا سوداء كما نراها اليوم.
يعود ويكرّر كلاس أن لا مرجعية إعلامية في لبنان. أي حدث كبير يحدث لا يوجد حياله ناطق رسمي باسم لبنان. صحيح هناك ناطق رسمي باسم هذه الوزارة وهذا الوزير والمرجعية ولكن لا يوجد ناطق رسمي ليعلن الحقيقة المسموح بها أو المتوفرة حتى الآن أو التي يجب أن تقال. هذا الأمر غير موجود سوى بنص المادة 46 من الدستور والتي تقول أن رئيس الحكومة هو الناطق الرسمي باسم الحكومة. يلفت كلاس الى أنّ ثمّة "فيدراليات" إعلامية ولا إعلام تلفزيوني وطني مئة بالمئة الا تلفزيون لبنان. وهنا يقتنص كلاس الفرصة ليشير الى أنّ وزير الإعلام يأخذ خطوات كبيرة تحسينية على مستوى (الوكالة الوطنية، تلفزيون لبنان والإذاعة اللبنانية) وهذا يبشر بالخير رغم أنه لا يوجد قدرة تنافسية ولكن أقله يمهّد هذا الأمر لوجود مرجعية وطنية نأخذ منها الخبر الأساسي بعيدًا عن التأويلات وتحوير الحقائق.