معركة أولي البأس

خاص العهد

علامات استفهام حول منصة "صيرفة" 
22/12/2022

علامات استفهام حول منصة "صيرفة" 

فاطمة سلامة

في عام 2020، أطلق مصرف لبنان منصة "صيرفة" وأصدر التعاميم اللازمة لشرح كيفية عملها. سعر صرف الدولار المتداول على هذه المنصة متحرّك ويحدّده مصرف لبنان، ويتخطى اليوم الثلاثين ألف ليرة.  ثلاث جهات يحق لها البيع على هذه المنصة؛ المصرف المركزي، المصارف التجارية، والصيارفة من الفئة الأولى. الكثير من علامات الاستفهام غلّفت عملها منذ إطلاقها، أولها حول مدى شرعيتها وقانونيتها. 

للبعض من أهل الاقتصاد والمال وجهة نظر تضع عمل هذه المنصة في عِداد الأعمال غير القانونية. وفق حساباتهم، لا سند قانوني لاعتماد سعر صرف منصة أُنشِئت بقرار من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ويجري العمل فيها بين "جماعة" من المصرف المركزي، والمصارف، وبعض التجار والشركات. هذا الرأي يعبّر عنه مدير المحاسبة السابق في وزارة المالية الدكتور أمين صالح الذي ينتقد شرعية منصة تدخل فيها "الشخصنة" ويحدد سعر التداول فيها المصرف المركزي. برأيه، التداول لا يجب أن يكون منقوصًا بل تداول كامل لكافة الناس. 

معياران يحددان سعر الصرف  

بديهيًّا ومنطقيًّا عندما نتحدّث عن سعر صرف السوق، يجب أن نتحدّث عن قيمة العرض والطلب على جميع أراضي الدولة، وهذا الأمر ليس متوفرًا اليوم، يقول صالح. القوانين اللبنانية تنص على أن سعر الليرة يتحدّد وفق معيارين؛ الأول وهو التغطية الذهبية، والثاني وهو قيمة الليرة بالدولار المقيّم بالليرة الذهبية، وعليه، يجري التداول بسعر الصرف في السوق على أساس قوة الاقتصاد. هذا المنوال كان سائدًا ما قبل أزمة 17 تشرين الأول. حينها كان سوق الصرف حرًّا، وفي نهاية كل يوم كان المصرف المركزي يعلن عن سعر الإقفال بحسب ما تم تداوله في السوق. 

لا ينكر صالح أنّ مصرف لبنان كان يعمل سابقًا على تثبيت سعر الصرف، وكان يتدخل بائعًا أو شاريًا لإحداث الاستقرار وهذه مهمته. يعود للفكرة الأساس ــ وفق تعبيره ــ السعر الوحيد الذي يجب أن يكون رسميًّا هو السعر المتداول في السوق على أساس العرض والطلب، فلا شيء اسمه منصة تحدد سعر الصرف. والأدهى من ذلك ــ برأيه ــ أنّ هذه المنصة عبارة عن قرار من حاكم المركزي، بينما سعر الصرف يجب أن تحدده قوى السوق وعلى المركزي التنسيق مع وزارة المالية والتدخل بائعًا أو شاريًا لإحداث الاستقرار في سعر صرف السوق. وفي هذا السياق، يعتبر صالح أنّ سعر صرف السوق السوداء، والذي تخطّى الـ46 ألف ليرة، هو سعر مدبّر من المصرف المركزي باتفاق مع السلطة. وهنا، لا يرى صالح حلًّا لما يحصل من تلاعب بسعر صرف الدولار إلا ضمن خطة شاملة يتمخّض عنها اقتصادًا منتجًا، بالتوازي مع توزيع عادل للخسائر. 

وبموازاة ذلك، يستغرب صالح كيف يتم استيفاء بعض الرسوم على سعر صرف دولار منصة صيرفة الذي يفوق الثلاثين ألف ليرة، بينما يتم إعطاء الناس ودائعها على سعر ثمانية آلاف ليرة. وفق اعتقاده، فإنّ الدولة تسرق الشعب من جهتين، أولًا عبر "هيركات" الودائع، وثانيًا عبر الضرائب والرسوم.

ولا شكّ أن "الهيركات" على الودائع، ومعه الضرائب والرسوم والارتفاع الكبير بسعر صرف الدولار، كل ذلك جعل، قدرة المواطن الشرائية شبه معدومة، بموازاة رواتب فقدت نحو 90 بالمئة من قيمتها. رواتب موظفي القطاع العام شاهدة على هذا التآكل الكبير في القدرة الشرائية، وهو الأمر الذي جعل من منصة "صيرفة" بمثابة "قشّة" يتمسّك بها موظفو القطاع العام الغرقى. 

أولئك دخلوا جبرًا في سوق "المضاربة"، وتحولوا الى صرافين يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية، ويبيعونها إلى المصارف فتزودهم مقابلها بدولارات وفق سعر منصة صيرفة، ثم يقومون ببيع دولاراتهم في السوق السوداء ليربحوا الفرق.

 وبهذا المعنى تحوّل العمل عبر هذه المنصة إلى تجارة، وإن كان ربح موظفي القطاع العام المرغمين على هذه العملية "من الجمل أذنه"، فإنّ  الربح الصافي لكبار التجار قد يتجاوز آلاف الدولارات عبر هذه المنصة التي أوجدت وفق هذا المنطق سوقًا جديدة للمضاربة. 

للمنصة بعد اجتماعي! 

هذه العملية ما بين الموظّف والمصرف وصيرفة يرى فيها الخبير المالي والاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة ــ الذي يمتلك رؤية مختلفة عن صالح ــ بعدًا اجتماعيًّا مفيدًا للمواطن. برأيه، لهذه المنصة فائدة اجتماعية واقتصادية، حيث يستفيد منها موظفو الدولة ويكسبون بعض الأموال التي تساعدهم في تغطية التكاليف. صحيح أن المستفيد الأكبر من هذه المنصة التجار وأصحاب النفوذ ــ وهذا ما ينبغي العمل على مكافحته، وتجيير ذلك في خدمة المواطن الذي يجب أن تسبق مصلحته مصلحة التاجر ــ لكن لهذه المنصة برأي عجاقة انعكاسات إيجابية على قدرة المواطن الشرائية، ولديها دور كبير في مساعدة الناس الذين يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية. 

ويشير عجاقة الى أنّ لهذه المنصة الدور الأول في تحرير سعر صرف الدولار. وهنا يبدو أن لعجاقة وجهة نظر معاكسة لصالح. وفق حساباته، ما يحدّد أسعار الصرف على المنصة هي قاعدة العرض والطلب، فهذه المنصة ليست تحت سيطرة مصرف لبنان كما يقولون. من يشغّلها هو مصرف لبنان، لكن من يراقبها هي لجنة الرقابة على المصارف، وهي هيئة مستقلة عن مصرف لبنان ويعيّنها مجلس الوزراء. لا ينكر عجاقة أننا بحاجة إلى سوق رسمي لتحرير سعر الصرف، لكنّه يسأل: أين السوق الرسمي اليوم؟ بالنسبة له، تحل هذه المنصة اليوم محل السوق الرسمي، بعد أن حصلت على ما يشبه الغطاء القانوني، إثر ورودها في طروحات وتعاميم ونصوص وقرارات الحكومة. لكن عجاقة يشدّد بالمقابل على ضرورة أن تظلل الرقابة عمل هذه المنصة، وهذا دور لجنة الرقابة على المصارف التي يجب أن تصدر التقارير الدورية لكونها تراقب عمليات المنصة.

مصرف لبنانسعر الصرف

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة

خبر عاجل