خاص العهد
الإعلام في بلْوى
لطيفة الحسيني
بلاءُ الإعلام لغته. ليست مبالغة، بل توصيفٌ واقعيٌ وحرفيٌّ لحالِ اليوم في المواقع الإخبارية التي تُقدّم نفسها على أنها مصادر إعلامية ذات مستوى. المُصيبة الأساس التي تضرب مستوى لغة الضادّ هي الثقة. ثقةُ المُخطئين بأخطائهم. ثقةُ مُشوّهي لغة القرآن بجرائمهم. هؤلاء متطفّلون على اللغة.
المُعجزة اليوم تكمن في الفوز بنصّ سليم لا يتضمّن عيوبًا. فلنضع جانبًا الصحف اليومية، جرّبوا أن تتصفّحوا الحسابات الإخبارية التي تتكاثر في كلّ دقيقة. ألا تعثرون على مبتدأ منصوب؟ على مفعول مرفوع؟ على ضادٍ متحوّلة الى ظاء؟ على كلمة نكرة لم يحذف منها حرف العلّة؟ ماذا عن كارثة المثنى والجمع؟ هل التنوين بات من قِلاع الماضي؟ لن نسأل عمّا يُمنع من الصرف أيضًا!
بعيدًا عن الإعراب، حاولوا قراءة نصّ صحافي بمعنى تامّ وبلا ألغاز ومعانٍ مجازية وأحاجٍ ضائعة وغير مفهومة. المَهمّة أضحت عسيرة. ماذا اذا حاولتم الاستفسار عن الفكرة من المقال، التحقيق، "القطعة" النادرة أمامكم؟ قد تُقابلون بشحنة ازدراء واستخفاف وتهكّم، فـ"التحف" النوعية التي يخرج بها بعض الكتاب الدخلاء على الصحافة والإعلام أكبر من أيّ سؤال أو استيضاح!
المشهد يزداد سوءًا على الطرقات. لافتات ضخمة تحتوي على أخطاء جسيمة. إعلانات ملأى بالفظائع اللغوية وكذلك الحال مع محبّي الفُصحى على مواقع التواصل الاجتماعي وحالات الـ"واتسآب"، ألا يجب أن يتنبّه هؤلاء الى هوْل أفعالهم؟
الصحافة عالمٌ يبعث على التمسّك باللغة العربية. الصواب هنا يقودنا الى نبْذِ كلّ آفة غريبة عن جسم الإعلام. لا نحتاج الى عشرات الشهادات اليوم كي نُتقن كتابة جملة مفيدة ومباشرة عند صياغة العناوين أو المقالات على اختلاف موضوعاتها.
الحفاظ على مستوى "العربية" يدفعنا الى المواظبة على القراءة والاقتداء بأعلامٍ شكّلوا مراجعَ صحافية تكاد تكون خالية من أيّ إفساد وضرْب لِلُغتنا. صحيح أن مواطِن الابتلاء لا تنتهي، لكنّ المسؤولية تُحتّم علينا عدم التهاون مع ما نُنتجه بقلمنا وأسلوبنا، وألّا نسمح لمن لا يُميّز بين الاسم والفعل أن يكون حاضرًا بيننا، فمن لا يُدرك كيف يكتب ويوصل فكرة ما لا يستحقّ أن يكون صحافيًا.