خاص العهد
التقاعس يُغرق الأوتوسترادات لا السيول!
لطيفة الحسيني
فقط في لبنان، يحلّ البديل مكان الأصيل. على الرغم من الموازنة المحدودة جدًا لوزارة الأشغال العام والنقل، تجد الأخيرة نفسها مضطرّة للعمل في وظيفة جديدة: إزالة النفايات من الشوارع، فماذا يجري؟
وكأنّنا في ريفٍ في القرن الأول لم تصل إليه الطرقات الحديثة والأوتوسترادات. تحلّ الأمطار، فتختلط الأتربة بكلّ شيء. هذا ما تعيشه بلدات المتن وكسروان في بداية فصل الشتاء والسيول. تتحوّل خيرات السماء الى نقمة على الساكنين والسالكين لهذه المناطق.
أوتوستراد ضبية انطلياس يغرق بنهر من الأمطار مع أوّل "شتوة" هذا الموسم. باكرًا، استبق وزير الأشغال علي حمية السيول القادمة، فأطلق ورشة لتنظيف مجاري تصريف مياه الأمطار في أكثر من منطقة، لكن المصيبة حلّت أمس. النفايات المُكدّسة على جوانب الطرقات وفي الأقنية أدّت الى انسداد التصريف في كلّ الشوراع وما زاد الأمور سوءًا جرف الأتربة من الجبال والتلال المحاذية.
تبدو الصورة واضحة: البلديات في ضبيه وجل الديب وذوق مصبح وجونيه وانطلياس تتقاعس عن دورها الخدماتي ومتعهدوها غائبون عمّا يحصل. الحجّة الجاهزة لهذا التلكّؤ هي التسلّح بقانون الشراء العام حتى لا ينشغلوا بجمع وكنس ورفع النفايات المتراكمة.
بحسب قانون الشراء العام رقم 244/2021، البلديات واتحاد البلديات تُعتبر من الجهات الشارية وهي هيئات تُنفق المال العام لتقديم خدمات للمواطنين، وقد تكون إمّا لوازم أو أشغال أو خدمات، على أن تُموَّل من الخزينة العامة أو الموازنة أو قروض أو هبات غير مشروطة.
يقع ملفّ النظافة العامة ضمن اختصاص هذه البلديات، غير أن القانون يُلزمها بالاحتكام الى آلية يضعها القانون لإجازة عمليات المشتريات، وعليه تُصبح أعمال الصيانة أو تنظيف مجاري الصرف الصحي مُقيّدة بهذه الطريقة.
استفادت البلديات من هذا الواقع متسلّحة بأحكام القانون والوضع المالي والرواتب المتدهورة، إلّا أن وزير الأشغال راسل البلديات في 19 تشرين الأوّل الجاري طالبًا منها كما الإدارات والمؤسسات العامة التابع للوزارة التقيّد بأحكام القانون في جميع عمليات الشراء العام من لوازم وأشغال وخدمات، والهدف انتظام سير العمل.
بالموازاة، عملت فرق الوزارة على رفع النفايات المكدّسة وتعزيلها من داخل أقنية مجاري تصريف مياه الأمطار على الأوتوسترادات تحسّبًا لأية كارثة قد تقع جراء الأمطار القادمة، فماذا فعلت البلديات وشركات رفع النفايات؟ قرّرت أن تلعب دور "المتفرّج"، ونأت بنفسها عن مشهد السيول التي تجرف الأتربة والأوساخ والنفايات الى الأوتوسترادات وتخنق الناس في بِرك المياه التي تجمّعت دون أيّ تصريف.
بحسب تأكيد حمية المجرى فقط من اختصاص فرق وزارة الأشغال، وعليه يتعيّن على شركات رفع النفايات من الطرقات والتحرّك للحؤول دون أيّ تكدّس، وذلك التزامًا بالعقود الموقّعة بينها وبين مجلس الإنماء والإعمار والتي تفرض عليها الكنس والجمع من الأوتوسترادات التي تقع ضمن نطاق البلديات المتعاونة معها.
ولأنّ البلد يمرّ بأصعب المراحل الاقتصادية، لا يمكن للبلديات والشركات المذكورة عدم تحريك ساكن. العواصف والرياح التي بدأت تشتدّ مع قدوم فصل الشتاء تفرض إزالة كلّ الأوساخ والنفايات من الطرقات بشكل يومي، وهذا الأمر لا يعرف الاستراحة أو العطل الأسبوعية، وإلّا فمشهد تجمّع أوراق الشجر وكلّ ما من شأنه أن يسدّ المجاري والأقنية سيتكرّر كثيرًا.
الحاجة اليومية تقتضي إزالة النفايات على أشكالها المختلفة منعًا لوقوع أيّة كوارث على امتداد فصل الشتاء. بروفة أوتوستراد ضبية انطلياس قد تكون نموذجًا عمّا ينتظر اللبنانيين اذا لم يتحرّك المعنيون المباشرون بالقضية، لا الاتّكال على وزارة تعمل بإمكانيات ضئيلة لتسدّ عجز الهيئات المتراخية.