معركة أولي البأس

خاص العهد

حالات السرطان في البقاع تتزايد.. فتّشوا عمّا يحصل في حوض الليطاني!
14/10/2022

حالات السرطان في البقاع تتزايد.. فتّشوا عمّا يحصل في حوض الليطاني!

إيمان مصطفى

هناك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بالسرطان في لبنان. ولعل أهمها الأسباب البيئية كتلوث الماء والهواء. عند التفكير في الأسباب المُمكنة وراء الإصابات المرتفعة بالمرض في البقاع خصوصًا، لا يسعنا التفكير إلا بالمشكلة الأساسية التي يتعرض لها لبنان عمومًا وسكان حوض نهر الليطاني خصوصًا، ألا وهي تلوّث النهر الذي تحوّل إلى نهر للصرف الصحي والزراعي، فأصبح ناقلًا للأوبئة والأمراض.

يمتدّ الليطاني من أعالي منطقة بعلبك شرقًا ويمرّ في 150 بلدة بقاعية وجنوبية على امتداد 170 كيلومترًا، ويحتل حوضه البالغ 2175 كيلومترًا مربعًا حوالي 20 في المئة من مساحة لبنان، ويقع 80 في المئة منها في سهل البقاع و20 في المئة في بلدات الجنوب اللبناني، بحسب ما جاء على الموقع الإلكتروني لـ "المصلحة الوطنية لنهر الليطاني" الرسمية. نسب التلوث في النهر وحوضه الجوفي وبحيرة القرعون تجاوزت الخطوط الحمر، مخلّفة وراءها أعدادًا كبيرة من الإصابات بالسرطان في منطقة البقاعيْن الأوسط والغربي.

"أرقام المُصابين بالسرطان مرعبة"، يقول رئيس الهيئة الوطنية الصحية الإجتماعية النائب السابق إسماعيل سكرية، ويضيف إن مرض السرطان في حوض الليطاني وتحديدًا في بلدتي "حوش الرافقة" و"القرعون" موجود بأضعاف النسبة الوطنية.

سكرية يشعر بالقلق الشديد من انتشار المرض في المنطقة، والذي تجاوزت نسبة المصابين به من بين أبناء بلدات حوض الليطاني، المعدل الوطني العام الذي يبلغ 242 بالمئة ألف من المواطنين "أربعة أضعاف"، وفق ما جاء في دراسة عن "علاقة التلوّث بارتفاع نسبة مرض السرطان في قرى حوض الليطاني"، والتي قامت بها الهيئة الوطنية الصحية الاجتماعية بالتعاون مع الجامعتين اللبنانية والأميركية، عام 2016.

مصادر تلوّث نهر الليطاني وبحيرته متعددة، كما يشرح سكرية لـ "العهد"، أبرزها تحويل مياه الصرف الصحي من 43 بلدة إلى نهر الليطاني مباشرة، إلى جانب نفايات المصانع، إذ أن 650 مصنعًا يرمي نفاياته بالحوض، والتي تحتوي على مواد كيميائية مسرطنة. بالإضافة إلى نفايات المستشفيات، والمطاعم، ومزارع تربية الدواجن والأبقار التي ترمي مخلفاتها في النهر، والاستعمال المفرط والعشوائي للمبيدات الزراعية، والأسمدة، التي تؤدي إلى التسرب الزراعي المحمّل بالنيترات، والتي تُساهم مباشرة في رفع معدل الآزوت والمعادن الثقيلة في مياه الخزان الجوفية وهو ما أدى إلى زيادة معدل النيترات، الناتج أساسًا عن النشاط الزراعي ومخلفات المنازل. 

يلفت سكرية الى أن السرطان يفتك في بلدات البقاعين الأوسط والغربي بشكل مخيف، وسط تقارير تشير إلى أن تلوث نهر الليطاني أحد أهم أسباب انتشار المرض.

ويأسف رئيس الهيئة الوطنية الصحية الاجتماعية لأن تلوّث قعر بحيرة القرعون أصبح أمرًا طبيعيًا بالنسبة للدولة اللبنانية، وعلى الرغم من حجم الخطورة التي تفرضها قضية الليطاني نظرًا لما فيها من تهديد لصحة اللبنانيين، يتعامل المعنيون مع هذا التحدي بكثير من الاستخفاف، فيما الأموال المخصصة للوزارات لم تصرف لمعالجة الأزمة، داعيًا عبر "العهد" لتشكيل لجنة طوارئ مؤلّفة من خبراء لديهم إرادة فعل، لوضع خطة لتخفيف واقع هذا القدر على المدى الطويل.

حقائق وأرقام

بحسب تقرير للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني يعود تاريخه لعام 2020، فإن بعض البلدات والقرى اللبنانية شهدت نسبة إصابات مرتفعة بالسرطان مقارنة مع المعدل العام للإصابة بالسرطان في لبنان وفي العالم أجمع. 

في بلدة بر الياس البالغ عدد سكانها 12185 نسمة، سجل 600 حالة إصابة بالسرطان، أما في بلدة حوش الرافقة البالغ عدد سكانها 1704 نسمة فهناك 60 حالة إصابة بالسرطان، وفي بلدة تمنين التحتا البالغ عدد سكانها 3863 نسمة هناك 40 حالة إصابة بالسرطان (وفقا لاحصاء الحالات الاستشفائية لمرضى السرطان المعالجين على نفقة وزارة الصحة في لبنان)، بالإضافة الى معدلات عالية تسجل في كل من بلدات القرعون، المرج، المنصورة، غزة، حوش الحريمة، الروضة، الدلهمية والفرزل.

‌ويظهر التقرير الملوثات المسرطنة في الحوض الأعلى لنهر الليطاني، وأبرزها، "ديوكسان"، والمسؤولة عن صرف هذا الملوث في النهر هي مصانع مستحضرات التجميل والمنظفات والدهانات التي بلغ عددها 9 في المسح الاولي (الذي ضمّ 192 مؤسسة صناعية) الذي قام به الفريق الفني للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني، 6 مصانع من أصل 9 كانت ملوّثة للنهر وتصبّ صرفها الصناعي فيه أو في شبكات الصرف الصحي دون أي عملية معالجة.

المادة الثانية هي "الزرنيخ"، حيث كانت نسبة الزرنيخ فوق الحدّ الأقصى المسموح به لصرف الزرنيخ في النهر حسب القرار 1/8 الصادر عن وزارة البيئة في العام 2011 والذي يبلغ 0.1 ملغ/ليتر فقط، وفوق الحد الأقصى المسموح به في مياه الري والذي يبلغ 0.1 ملغ/ليتر ايضًا. والمادة الثالثة هي "الكروم 6"، والذي يصدر عن عمل مصانع الدهانات والدباغة، ويبلغ عدد مصانع الدهانات التي تم الكشف عليها في المسح الأولي 4 مصانع، 3 منها ملوثة للنهر، اي أن احتمال وجود "الكروم 6" في مياه النهر موجود.

وخلص التقرير إلى أن جميع المواد المسرطنة المذكورة أعلاه وغيرها موجودة حاليًا في نهر الليطاني، وجميع مسبّباتها كانت موجودة ولا زالت، مما يؤكد فرضية كون نهر الليطاني نهرًا حاملًا ناقلًا للسرطان. 

ماذا يقول المدير العام للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني؟

من ناحيته، يُشير المدير العام للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني سامي علوية في حديثه لـ "العهد" إلى أن "الحل يكون من خلال معالجة موضوع مياه الصرف الصحي الذي يعتبر المشكلة الأساس، فكمية الصرف الصحي غير المعالج التي تصب في النهر عالية جدًا، في ظل غياب أو تعطل محطات التكرير، وهي تشمل ضمنًا الصرف الصحي الصادر عن النازحين في قرى الحوض الأعلى. 

ويلفت علوية إلى أن نهر الليطاني أصبح بحالة يرثى لها، تتطلب من المعنيين خصوصًا وزارة البيئة التحرك فورًا والتعاون مع المصلحة لحلها على وجه السرعة.

نهر الليطانيالمصلحة الوطنية لنهر الليطانياسماعيل سكرية

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة