خاص العهد
سورية: الكوليرا تتسلل من بؤر الإرهابيين والاحتلال الأميركي.. ولا انتشار وبائي
دمشق ـ محمد عيد
أكدت سورية وعلى لسان الدكتور عصام الأمين مدير مشفى المواساة ـ أكبر مشفى ومنظومة إسعافية في البلاد ـ أن إصابات "الكوليرا" القليلة التي أعلن عنها في البلاد جاءت من خارج سيطرة الحكومة السورية، وأن منظومتها الصحية تتابع الموضوع بكل جدية بالتزامن مع حملة توعية ضخمة نجحت في محاصرة المرض قبل استفحاله رغم الحصار الشديد الذي تعاني منه سورية.
من هنا جاءت الكوليرا
في حديث خاص بموقع " العهد" الإخباري أكد الدكتور الأمين أنه وحسب تعاريف منظمة الصحة العالمية لا يمكن القول إن البلاد دخلت في مرحلة الوباء، لأنه لكي يحصل ذلك يجب أن يكون عدد إصابات السكان أكثر من واحد في المئة، مشيراً إلى وجود حالات متركزة بمناطق جغرافية محددة في مناطق شمال حلب وشرق الفرات حيث تغيب سلطة الحكومة السورية لمصلحة المجموعات الإرهابية وقوات الاحتلال الامريكي لكنها محدودة ولم تصل إلى مرحلة الوباء.
ولفت مدير مشفى المواساة إلى أن "الكوليرا" بالتعريف هي مرض بكتيري، ينتقل بشكل أساسي عن طريق الطعام الملوث أو البكتيريا الملوثة، وسورية بقيت لفترة طويلة خالية من "الكوليرا".
أضاف الدكتور الأمين: "على ما يبدو، فإن هذه المناطق التي كانت لفترة طويلة خارج سلطة الدولة السورية، أصبحت طريقة استخدام المياه فيها غير آمنة، والصرف الصحي تم تحويله باتجاه مجاري نهر الفرات التي تقع خارج سلطة الدولة أيضًا حالياً، وليس هناك مراكز تابعة لوزارة الصحة بسبب الأوضاع الأمنية، والانتقال الأساسي تم عبر بعض القرى النائية التي يشرب سكانها من آبار غير موثوقة المصدر، إضافة إلى أن هذه المياه تتحول باتجاه ري وسقاية المزروعات على أنواعها، وخاصة تلك التي تؤكل بشكل نيء ومن هنا بدأت الحالات".
كما شدد مدير أكبر مشفى في سورية: "حتى لا يصاب الناس بالهلع يجب التأكيد أنه ليس كل من أصيب بالكوليرا دخل في مرحلة الخطورة الشديدة، بل إن هذا الأمر ينسحب فقط على عشرة بالمئة ممن يطلق عليهم (ضمات الكوليرا)، والباقون يذهبون باتجاه الإسهال الخفيف، مثله مثل أي اسهال تسمم غذائي، والعشرة في المئة يذهبون باتجاه الاسهالات الشديدة المتعددة الشبيهة بماء الرز، ومشكلة اسهال الكوليرا أنه اسهال افرازي، بمعنى أنه لا يتوقف إذا امتنع المصاب عن تناول الطعام، بل إن الخلايا المعوية نفسها تبدأ بالفرز، والمشكلة الكبيرة هي فقد السوائل، والتي يترافق معها فقد الشوارد وعند ذلك يدخل المريض بصدمة ونقص الحجم والقصور الكلوي وفي حالات نادرة نصل إلى الوفاة".
وأكد الدكتور الأمين إلى أنه "بالنظر إلى نصف الكأس الممتلئة، يمكننا القول إنه في حال تم العلاج بسرعة عبر إعطاء محاليل، تقوم هذه المحاليل بتعويض الفاقد من السوائل والفاقد من الشوارد، فينجو المريض بشكل كبير جداً جداً من التعرض للاختلاطات التي تحدثنا عنها، والتي هي التجفاف والقصور الكلوي وصدمة نقص الحجم ولا قدر الله الوفاة".
وأكد مدير مشفى المواساة أن "مصدر الإصابات الاولى كان شمالي حلب وشرق الفرات، وظهرت إصابات بسيطة جدا في بعض المدن السورية، لا تتجاوز عدد الأصابع لأناس انتقلوا من تلك المناطق إلى مناطق الدولة السورية، لكن البؤرة الأساسية التي انطلق منها المرض هي خارج سلطة الدولة السورية".
وشدد الدكتور الأمين على أنه في مشفى المواساة المرجعية الأساسية في موضوع الأمراض السارية ومنها الكوليرا هي وزارة الصحة، التي أصدرت بيانات عن عدد الإصابات والتي تحدثت عن بضع مئات في مناطق جغرافية محددة، وكان هناك حالتان أو ثلاث في دمشق لأناس جاؤوا من حلب وهناك بعض الحالات المحدودة في مدن أخرى.
اخذنا كل الاحتياطات
وأضاف مدير مشفى المواساة في حديثه لموقعنا أن "المفتاح الأساسي في الكوليرا هو الموضوع الوقائي، وعندما يتم تحييد الطعام والمياه عن التلوث نصبح بالتأكيد في أمان، حيث يتم التحييد عبر النظافة الشخصية وغسل الخضار النيئة والفواكه بشكل جيد بالماء والصابون وأحياناً يمكن الاستعانة ببعض المحاليل المخصصة وهي كفيلة بالقضاء على الجرثومة، وإذا كان هناك من يشرب من مصدر غير مأمون يمكنه غلي الماء ثم شربه لأن عملية الغلي كافية للقضاء على ضمة الكوليرا .
وأشار الدكتور الأمين إلى أن "المفتاح الثاني المهم هو موضوع الترصد والابلاغ، فأي مواطن عنده اسهال عليه ـ خاصة في هذا الظرف ـ أن يراجع أقرب نقطة طبية أو مشفى أو مركز مهيأ حتى تقارب حالته بشكل جيد، ويتم تشخيصه بشكل صحيح، ويعطى ما يحتاج إليه، وأهمها السوائل فإذا كانت الحالة بسيطة يمكن أن تؤخذ محاليل شاردية فموية، وإذا كانت حالة شديدة لا بد من إعطاء المحاليل الوريدية، مشيراً إلى قيام الدولة السورية بتوفيرها في كل المشافي التابعة لها وبكميات وافية. ونحن لدينا خطة لمقاربة واستقبال كل الحالات مهما كان عدد المصابين. ومهما تطورت الحالات، ولا يوجد أي نقص، السوائل متوفرة والحالات الشديدة قد تسمح بإضافة بعض العلاجات الدوائية الأخرى وكلها متوفرة في جميع مشافي الدولة السورية".
نجاح رغم العقوبات
مدير مشفى المواساة شدد على أن "القطاع الصحي، ورغم كل ظروف الأزمة وظروف الحرب عانى من عقوبات جائرة وظالمة على سورية خارج كل شرعة دولية، فشرعة الأمم المتحدة تقول إن الغذاء والدواء محيدان عن كل الصراعات سواء الداخلية أو الخارجية، ولكن في الحرب على سورية كنا محاصرين بالغذاء والدواء وعانينا كثيراً بموضوع قطع تبديل الأجهزة الطبية، فحتى قطع التبديل البسيطة كان هناك معاناة في استيرادها وكان ذلك يتم بصورة غير مباشرة، عبر طريق طويل على خلفية الحصار على سورية ورغم كل هذه الظروف بقي القطاع الصحي في سورية صامداً".
ولفت مدير مشفى المواساة إلى "وصول مرض "الكوفيد" بالتزامن مع وجود الإرهاب ومع ذلك بقي القطاع الصحي في سورية صامداً، ونحن ابتدعنا حلولا وطورنا بعض الاستراتيجيات وقامت الدولة السورية بتحييد القطاع الصحي عن كل تأثير سلبي، واستمر نظامنا الصحي بتقديم الخدمة خلافاً لدول عظمى انهار نظامها الصحي".
وأشار الدكتور الأمين إلى أنه "في مرحلة الكوفيد كان هناك ضغط على أسرة العناية المركزة، ولكن السوريين لم يصلوا إلى المتلازمة الايطالية التي تفاضل بين مريض شاب وآخر عمره ستون عاماً، بحيث يوضع الشاب في العناية المركزة ويترك الآخر لمصيره، فيما بقيت سورية محافظة على تأدية الخدمة ومحافظة كذلك على الجانب المجاني للعلاج وفي نفس الوقت كان هناك مشاريع تنموية قائمة في فترة الأزمة".
وختم الدكتور الأمين: "وزارة الصحة تقوم بترصد كامل لـ"الكوليرا" وكذلك يدخل دور الإعلام والتثقيف الخاص بالناس لجهة غسل الخضار والفواكه والعناية بالنظافة الشخصية، والدولة كذلك اتخذت إجراءات في المطاعم بحيث منعت المأكولات التي تحتوي على الخضار بشكل وقائي. وحتى الآن موضوع مرض الكوليرا محاصر في سورية، ولم نشهد تمددا له، وأنا كمدير لمشفى المواساة والذي هو أكبر مشفى وأكبر منظومة إسعافية في سورية أعلن أنه لا يوجد عندنا لا حالة مشتبهة ولا حالة مثبتة، نحن ومثل سنوات وباء "الكوفيد"، دائما الدولة السورية تعلن الحقيقة وتتعامل مع الواقع ولا تستخدم التهويل لأنه يسبب الهلع، فالمنظومة الصحية مع الخوف المبرر وليس مع التهويل".