خاص العهد
بين سعر الصرف الرسمي والموازنة.. "الوفاء" للناس
لطيفة الحسيني
عبر وكالة "رويترز"، أُبلغ اللبنانيون أن سعر الصرف الرسمي للدولار رُفع من 1507 الى 15000 ليرة. باغت وزير المال يوسف خليل المواطنين بالقرار المُعدّل للمرة الأولى منذ 37 عامًا. هكذا اعتبروا، فراحوا يُحلّلون ويُفصّلون التداعيات المباشرة وغير المباشرة. هل كان لا بدّ من هذه الخطوة أم كان يمكن البقاء على الوضع السائد الذي بدأ بعد التدهور الاقتصادي المتدحرج تباعًا منذ عام 2019؟ هل لهذا الإعلان ارتباطٌ بمشروع موازنة 2022 الذي أُقرّ نهاية أيلول الفائت؟ وأين الإيجابية في كلّ هذا السجال الدائر؟
تعديل سعر الصرف الرسمي قرار في محلّه لكن..
الخبير الاقتصادي لويس حبيقة يؤكد لموقع "العهد الإخباري" أن "قرار تثبيت سعر الصرف الرسمي عند حدود 15000 ليرة كان يجب أن يحصل حُكمًا، إلّا أن الطريقة التي "زفّ" فيها الى اللبنانيين خاطئة، والأجدى كان إعلانها عبر مؤتمر صحافي لعموم الشعب، ما يعني أن الأمر لم يدرس بما يكفي، ما يُشير الى فوضى وافتقار الى المهنية.
بحسب حبيقة، الأفضل كان أن يُعرض القرار على مجلس الوزراء مُجتمعًا ليوافق عليه ثمّ يُحال الى مجلس النواب لأنه سيدخل في الموازنة.
ويرى حبيقة أن "تحديد الرقم على 15000 يحتاج الى تفسير"، وهنا يسأل "لماذا لا يكون 16000 أو 17000؟"، ويُرجّح أن "الخيار وقع على هذا الرقم حتى يكون وسطيًا بين السعر القديم وسعر صرف السوق السوداء"، ويعتبر أن" المنطق الاقتصادي يفرض أن يصبح السعر الرسمي للصرف مساويًا لسعر صرف السوق السوداء، لكن في حال تطبيق ذلك حرفيًا نُصبح أمام كارثة حقيقية".
يُفهم من كلام حبيقة أن "التعديل من حيث المبدأ قرارٌ صائب على اعتبار أن الدولة بحاجة الى إيرادات جديدة يجب أن تُحصَّل عبر رسوم الجمارك والضريبة على القيمة المضافة، لكي تُرفع الرواتب أو تتضاعف، على الرغم من استحالة ضربها بعشرة أضعاف ما كانت عليه".
اذًا رفع الدولار الجمركي والرسوم في محلّه، يلفت حبيقة، ويشرح لمن يخشى تداعياته على القروض السكنية وغيرها المأخوذة في المرحلة الماضية أن "هذا القرار يُطبّق على المستقبل وليس على ما سلف، إذ إن القروض المأخوذة سابقًا تُسدّد حسب سعر الصرف القديم أي 1507، أمّا الجديدة فتسدّد وفقًا للسعر المُعدّل وهذا ينسّق مع مصرف لبنان ويسري أيضًا على السحوبات بالدولار من المصارف، فلن يكون صحيحًا بعد الآن اعتماد سعر الـ8000 ليرة على هذه السحوبات".
بتقدير حبيقة، بدء تطبيق سعر الصرف الجديد أي الـ15000 سيؤجّل في الحدّ الأدنى الى بداية تشرين الثاني المقبل، والأمر مُرتبط بالاتفاق على رئيس جديد للجمهورية وتشكيل الحكومة العتيدة ضمن سلّة متكاملة.
كتلة الوفاء مع الناس في الموازنة
ولأنّ القرار أعقب مُصادقة مجلس النواب على مشروع الموازنة، ذهب البعض الى ربط الخطوتيْن ببعضهما بعضًا وتحميل عددٍ من القوى مسؤولية تراكم الأعباء عليهم. لم يتنبّه هؤلاء الى أن الموازنة أقرّت، ثمّ بعد أيّام أعلن وزير المال تعديل سعر الصرف الرسمي في مقابلة صحافية.
في خضمّ هذا السجال، برز جهدُ كتلة الوفاء للمقاومة لتخفيض الضرائب في الموازنة، مع تحصيل زيادة على رواتب القطاع العام، وإدخال دعمٍ إضافي في المشروع على الموازنة التشغيلية للجامعة اللبنانية ورواتب الأساتذة والموظفين، الى جانب تأمين تغطية أدوية السرطان والأمراض المستعصية الأخرى بنسبة 100 %.
الكتلة ركّزت في أيّام الموازنة الطويلة على مبدأ ثابت لديها: الضرائب لا يجب أن تُفرض على الفقراء وذوي الدخل المحدود، بل على المصارف والشركات الكبرى والتجار المُستغلّين، أمّا قضية الدولار الجمركي الذي يُعدّ رسمًا وليس ضريبة - أي يُقرّ من قبل الحكومة وليس مجلس النواب- فكان محسومًا لديها أن تعديل سعر الصرف يجب أن يطال البضائع المستوردة، فيما المُستثنى منها هو الأدوية والمشتقات النفطية والمواد الغذائية والمواد التي تدخل في الصناعة والزراعة.
وكي لا تبقى تعديلات كتلة الوفاء على مشروع الموازنة حبرًا على ورق، كان لا بدّ من إيرادات أو مداخيل تُموّلها كي تُطبّق فعليًا. المهمّة لم تكن صعبة في ظلّ النشاط الواضح لوزارة الأشغال العامة والنقل المحسوبة على حزب الله. وزارةٌ واحدة استطاعت أن ترفد الخزينة العامة بأكثر من 5 آلاف مليار ليرة.
بلغةِ الأرقام، تمكّنت وزارة الأشغال من خلال تفعيل مرافق الدولة العامة من المساهمة في تخفيض العجز في الموازنة بما يفوق مبلغ الـ5 آلاف مليار ليرة، ومن دون المساس بجيوب المواطنين.
من 1/1/2022 الى 12/8/2022، حصّلت الوزارة إيرادات تفوق الـ5 مليارات ليرة من خلال رسوم مطار بيروت الدولي وأرباح مرفأ بيروت ورسوم خروج المسافرين والموانئ والأملاك البحرية، بموازاة إيرادات إضافية جرى تأمينها من وزارة الاتصالات، ما أدّى الى خفض مستوى العجز من 17 ألف مليار الى ما يُقارب 10 آلاف مليار و800 مليون ليرة.
الموازنةالدولارالليرة اللبنانية