خاص العهد
بعد ارتفاع الدولار الجمركي 10 أضعاف.. هل "ستحلّق" الأسعار؟
إيمان مصطفى
تحاول الحكومة اللبنانية جاهدةً أن تجد سبيلًا يرفع من واردات خزينتها أمام الانهيار الاقتصادي الكبير. وأولى الخطوات كان احتساب الدولار الجمركي بقيمة 15 ألف ليرة لبنانية خلال إقرار المجلس النيابي في لبنان قانون الموازنة العامة لعام 2022. الدولار الجمركي، عبارة عن الرسوم المفروضة على السلع والبضائع المستوردة، التي تحتسب وفقًا لقيمة المستوردات والعملة المعتمدة في فاتورة استيرادها، ومعظمها بالدولار الأميركي.
وقد رُفعت قيمة الدولار الجمركي المستوفى، من 1500 ليرة لبنانية إلى 15 ألف ليرة للدولار، أي 10 أضعاف عما هو مستوفى اليوم، فكيف ستتأثر أسعار السلع والمواد الاستهلاكية في لبنان؟ وهل ستبقى أموال في جيب المواطن بعد رفع رواتب موظفي القطاع العام بقيمة ضعفين، أم سيقبض بيد ويدفعها بالأخرى؟!
الخبير الاقتصادي الدكتور عماد عكوش، يؤكد لموقع "العهد" الإخباري، أنه، وبحسب التصنيف الجمركي، فإن هناك سلعًا تخضع للرسم الجمركي بنسب مئوية مختلفة، تُحتسب وفقًا لأهميتها، وفي المقابل هناك سلع مُعفاة، فأغلب السلع الأساسية من بقوليات، سكر، مواد غذائية، خضار وفاكهة، واللحوم الطازجة، لن تخضع للرسم الجديد، اذ إنها معفاة، وفقًا لعكوش، وتداعيات سعر الدولار الجمركي الجديد على أسعار هذه السلع ستكون ضئيلة جدًا.
وإذ يلفت إلى أن الذي سيؤثر بأسعار السلع الأساسية هو كلفة النقل لأن أسعار المحروقات غير مدعومة وتخضع لدولار السوق السوداء، يوضح في المقابل أن أسعارها لن ترتفع أكثر من 3 % بالحد الأقصى، لأنها لا تخضع للرسوم الجمركية ولا لضريبة القيمة المضافة.
من ضمن النقاط الإيجابية التي تحملها الموازنة الحالية، وفق عكوش، أنها تعيد بالحد الأدنى إحياء القطاع العام والوزارات، ما يخدم بالدرجة الأولى الفقراء وذوي الدخل المحدود. ويوضح لـ "العهد" أن رفع الدولار الجمركي سيطال الطبقة الغنية بشكل أساسي، لأنه يطال السلع "الكمالية"، معتبرًا أن السيارات والأدوات الكهربائية والألعاب الإلكترونية من أكثر القطاعات تأثرًا برفع الدولار الجمركي، ويعتبر أن استهلاك الأغنياء في لبنان هو ما يضغط على سعر صرف الدولار، وليس الفقراء الذين يعيشون على الأساسيات.
وعلى سبيل المثال، يشير عكوش إلى أنه إذا رُفع رقم تسجيل العقارات، ورسوم إجازات العمل للعمال للأجانب، التي باتت حكرًا على الأغنياء، سيستفيد الفقراء منها، لأن الرسوم، والتعديلات الضريبية، ستؤمن واردات للإدارات العامة والجامعة اللبنانية، وللوزارات الخدماتية مثال: الصحة، التعليم، والشؤون الاجتماعية، والتي يستفيد منها محدودو الدخل.
"الدولار الجمركي هو أفضل الأدوات لتقييد نزف الدولارات من لبنان"، يقول عكوش، وكان بإمكان مجلس النواب إعادة صياغة بنود الموازنة، وإصلاح الرسوم، والتعديلات الضريبة، بطريقة تراعي الفقراء أكثر، عبر اعتماد الضريبة التصاعدية -على سبيل المثال- مما يزيد إيرادات الدولة.
يتابع عكوش، أنه عادة ما تتضمن الموازنات تعديلات ضريبية وقوانين جديدة لتحصيل واردات جديدة، وبالتالي هذه الموازنة وبنودها التعديلية، هي بداية لإعداد موازنة العام 2023 لكي تكون قريبة من الواقع، بعكس الميزانية الحالية التي تبعد عن الواقع وقد لا تتحقق أرقامها.
ويعتبر في هذا السياق أن الموازنة الحالية أُنشئت بطريقة خاطئة، إذ لم تلحظ الأرقام المحققة من الموازنة السابقة، ولم تعطِ افتراضات علمية وموضوعية، وبالتالي حاليًا، لا يمكن الحديث عن عجز، أو أي شيء آخر، بانتظار الدراسات الواضحة لأثرها وانعكاساتها على الواقع الاقتصادي المتأزم في البلاد. يعود عكوش ويشدد على أن الموازنة هي نقطة انطلاقة لعمل تصحيحي أشمل لإنشاء خطة شاملة لإعداد موازنة عام 2023، والبناء عليها بخطة التعافي.
عكوش يتطرق إلى زيادة رواتب موظفي القطاع العام المدنيين والعسكريين والمتقاعدين والمتعاقدين وكافة الأجراء في الدولة ضعفين على الراتب الأساسي، على ألا تقل الزيادة عن 5 ملايين ليرة لبنانية ولا تزيد عن 12 مليون ليرة، معتبرًا أنها خطوة جيدة كنقطة انطلاق، وبداية للحلّ، إذ يجب تعديل الرواتب بطريقة مدروسة، ومتابعة تأثيرات هذه الزيادة على القطاع العام، بالتزامن مع تأثير الدولار الجمركي على الواردات، من خلال لجنة المؤشر. وعلى أساس هذه المراقبة، يتم تعديل الرواتب والدولار الجمركي، وفقًا للتوازن بين النفقات والإيرادات، لأن أي خلل في هذا الميزان، سينعكس سلبًا على راتب الموظفين مجددًا.
ويختم الخبير الاقتصادي حديثه متمنيًا أن يتحلى المعنيون بالإرادة والجرأة لاتخاذ القرارات، لأنه السبيل الوحيد لإنقاذ لبنان، مشددًا على أننا قادرون على النهوض اقتصاديًا بالعمل الجاد.