خاص العهد
العنصرية التركية تتفاقم ضد السوريين: الأسباب والخلفيات
محمد عيد
يرتفع الخطاب العنصري التركي ضد اللاجئين السوريين في تركيا. الاعتداءات على ممتلكاتهم التي بدأت فردية أصبحت أكثر اتساعاً وباتت ممنهجة على وقع التجاذبات السياسية داخل البلد الذي يتحمل قادته المسؤولية الكبرى في الحال الذي وصلت إليه سوريا بعدما فتح حدوده أمام كل إرهابيي العالم للوصول إلى أراضيها.
اليوم تجاوز بعض العنصريين الأتراك مسألة إحراق أملاك السوريين إلى الشروع بالقتل "على أهون سبب"، الأمر الذي يدفع للبحث عن الدوافع والمآلات ويطرح السؤال المشروع: هل سقطت ورقة اللاجئين السوريين في تركيا وآن أوان إحراقها؟
عام ٢٠١٢ دخل الطفل السوري فارس العلي مع أمه واخوته الخمسة إلى تركيا التي كانت قد نصبت "مخيمات لجوء" للسوريين على حدودها مع سوريا وبدأت بـ"استقبالهم".
قبل أيام وقبيل خطوة من تحقيقه حلم الحصول على شهادة الطب، قُتِل الشاب فارس العلي على يد عنصريين أتراك طعنوه عدة طعنات وشق جثمانه معبر باب الهوى ليدفن في مسقط رأسه في إحدى قرى إدلب.
وقبل ثلاثة أشهر شهدت مدينة اسطنبول التركية حادثة مشابهة حين قتل الشاب شريف خالد الأحمد متأثرًا برصاصات أطلقها عليه شبان أتراك بدوافع عنصرية أيضًا.
هاتان الحادثتان لا تشكلان سوى النزر اليسير من حوادث القتل والتعدي التي تقترفها السياسة التركية بشقيها الحاكم والمعارض تجاه اللاجئين السوريين، سواء بـ"القتل المعنوي" كما فعل حزب العدالة والتنمية الذي أغرى السوريين بالخروج من ديارهم لاستعمالهم كورقة ضغط ضد حكومتهم الشرعية، أو عبر تيارات عنصرية داخل تركيا امتهنت قتل السوريين وحرق ممتلكاتهم واستعمالهم في المناكفات السياسية، وإلصاق علّة التدهور الاقتصادي داخل تركيا بهم، رغم أن الواقع يقول إنهم يعملون بعرق جبينهم وليسوا عالة على أحد، لا بل إنهم يحملون معهم الكثير من جوانب الإبداع في مختلف المجالات بما فيها الاقتصادية.
اللاجئون ورقة تاريخية للاستخدام
يرى الباحث السياسي حسام طالب أن الدول دأبت تاريخيًا على الاستثمار في ورقة اللاجئين لغايات عدّة، وخير مثال على ذلك الدول الغربية التي تعمل على مسألة الاستثمرار باللاجئين منذ عقود وليس من الآن، من خلال تهجير الفلسطينيين والتضييق عليهم والعبث بمستقبلهم ثم تأتي بالمنظمات الدولية لتحركهم وتوطنهم في أوطان غير أوطانهم، ليبقى هذا الاستثمار في كل دولة شهدت صراعات أو نزاعات أو حروب.
وفي حديث خاص بموقع "العهد" الإخباري، أشار طالب إلى مشهد اللبنانيين وهم يتحدون كل من حاول إعاقة عودتهم لمدنهم وبلداتهم الجنوبية بعد حرب تموز/ يوليو 2006، مشيراً إلى أن واقع السوريين النازحين واللاجئبن لا يختلف عن محاولة استثمارهم ضد دولتهم وجعلهم ورقة صغط على سوريا.
فمنذ بداية الحرب على سوريا بدأ اللاجئون يتدفقون إلى دول الجوار بمغريات كبيرة من هذه الدول والمنظمات وبترهيب وإرهاب خطير من الجماعات المسلحة التي دخلت المدن والبلدان الريفية في سوريا.
ويلفت طالب الى أن "هذا الوضع استمر سنوات حتى بدأت تتكشف المؤامرة على الشعب السوري ليجد السوريون أنفسهم في مخيمات غير إنسانية وواقع مأساوي في دول الجوار، وسقط القناع بعد توقف الدعم عن كل من غُرّر بهم لترك بلدهم قبل أن يتخلوا عنهم لاحقاً ويبدأوا بمضايقتهم بشكل كبير.
وشدد الباحث السياسي على أن ذلك تزامن مع منع عودتهم لبلدهم بسبب الضغوط الأمريكية المعروفة للجميع في لبنان والأردن، مشيراً إلى أن هذا الأمر ينطبق على اللاجئبن في تركيا الذين استثمر بهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في حروب ليبيا وناغورني كراباخ وتهديد أوروبا بهم وجلب المليارات مقابل بقائهم في تركيا وعدم إرسالهم لأوروبا.
عواقب الحرب في أوكرانيا على اللاجئين
وأضاف طالب في حديثه لموقعنا أن "اللاجئين السوريين بقوا تحت ما يسمى "حماية" حكومة العدالة والتنمية التي لم تسمح لأحد بالاقتراب منهم أو التعرض لهم للأسباب السياسية الآنفة الذكر وبسبب العوائد المادية الكبيرة التي تحصل عليها تركيا على خلفية وجودهم على أراضيها مع كل ما قامت به أنقرة من التلاعب بثبوتياتهم وتزوير وثائقهم بغية الحصول على أموال أكثر بشأنهم والتهويل على أوروبا بشأن موجات الهجرة التي تشعر الغرب بالقشعريرة".
وشدد طالب على أنه "مع بدء الحرب الأوكرانية وانهيار الاقتصاد الأوروبي توقف تدفق المليارات الأوروبية للحكومة التركية وأغلق الباب أمام هذا الاستثمار وصارت الانتخابات التركية على الأبواب الأمر الذي جعل وجود اللاجئين السوريين في تركيا ورقة ضغط بيد المعارضة ضد الرئيس أردوغان وفتح الباب على تجاذب داخلي بين الحكومة والمعارضة ما زاد حدة التحريض ضدهم من كافة الأطراف السياسية التركية. فهم باتوا في نظر الجميع ـ من جهر بذلك ومن أخفى ـ عبئا على الحكومة التركية اقتصادياً وسياسياً ما جعلهم خارج نطاق الحماية فيما تسبب عامل الضغط من المعارضة في جعلهم ضمن دائرة العنصرية والتطرف القومي التركي.