خاص العهد
ما بعد المناورات.. الصين تربح جولة جديدة في "صراع الهيمنة"
مصطفى عواضة
نفّذت الصين مناوراتها قرب مضيق تايوان، وذلك في إطار أهم مناورات عسكرية في تاريخ الجيش الصيني حول تايبيه، ردًا على زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي للجزيرة التي تعتبرها بكين جزءًا لا يتجزأ من أراضيها.
هذه المناورات الصينية العسكرية والتي جاءت ردًا "على القوات الانفصالية التايوانية والتدخل الخارجي"، بحسب وزارة الخارجية الصينية، لا يبدو أنّها الرد الأخير على الاستفزازات الأميركية، خاصة أن لدى بكين تاريخ من الجولات والصولات في الرد على كل ما يمسّ بسيادة البلاد.
وبالفعل، يواصل المارد الصيني تهديداته وعقوباته وردود فعله المختلفة، وجديدها بعد انتهاء المناورات ما أعلنته وزارة الخارجية الصينية عن عقوبات فرضتها على بيلوسي، معتبرة أن الأخيرة وجهت "ضربة قاسية" لمبدأ "الصين الواحدة"، مما يعرض السلام والاستقرار في مضيق تايوان للخطر.
إذًا، المشكلة لدى الصين تتمحور حول مبدأ "الصين الواحدة"، وكل من يحاول أن يزعزع أسس هذا المبدأ سيتعرض لضربات قاسية، فما أهم رسائل هذه الضربات، بما فيها المناورات؟
عن هذا الموضوع، كان الحديث مع الباحث في العلاقات الدولية الدكتور علي بيضون، حيث لفت إلى أنّ "الولايات المتحدة الأمريكية ترسم مسارًا جديدًا في العلاقات الدولية، وخصوصًا بعد تراجع "هيبتها" و"عظمتها"، وإخفاقها في التفرّد بقيادة العالم، وظهور منافسين لها كروسيا والصين، والتهديد الكبير الذي يطالها من قبل الصين، من الناحيتين الاقتصادية والتكنولوجية".
بيضون أشار إلى أنّ "أمريكا خططت لموضوع المواجهة الأساسية مع الصين، والتراجع عن كلّ الحروب والأزمات الجزٸية للتفرغ للمواجهة مع القطبين الصيني والروسي، وخصوصًا أنها تعتبر أنّ المسارين الصيني والروسي سيضرّان بـ "الهيبة" الأميركية".
وبيّن بيضون أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تسعى حاليًّا إلى توريط الصين في تايوان، تمامًا كما سبق لها وأن فعلت بروسيا، حينما أشغلتها بأوكرانيا، وخلقت لها أعداء لدودين. تحاول أميركا جاهدةً أن تكرر نفس التجربة مع الصين في ما يخص تايوان، ومن هنا جاءت زيارة رٸيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلی تايوان. فالهدف على ما يبدو إيجاد موطٸ قدم أمريكي، والعمل على تحريض تايوان ضد الصين، أملًا في فصلها عن بكين علی المستويات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية".
ولفت بيضون إلى أنّ "بيلوسي صرّحت أنّه لا يمكن الوقوف مكتوفي الأيدي، فيما تتعرض تايوان لتهديد الصين". فهي تتعرّض للمحاذير والخطوط الحمر التي وضعتها الصين تجاه أمريكا في ما يخص اللعب في الحديقة الخلفية للصين والتواجد علی مستوی الدور الأميركي العسكري والاقتصادي والتحالفات في منطقة بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشمالي.
بعد هذا التقديم، شدّد الدكتور بيضون على أنّ "المناورات الصينية تأتي في إطار الردّ علی التحركات الأميركية لإثباث وجودها وجهوزيتها"، وأوضح "هذه المناورات الصينية اليوم هي مقدمة لعمل العسكري، فيما لو استمرّت الضغوط الأميركية والتحركات الأميركية في المنطقة ولا سيما في جزيرة تايوان".
وحول الرسائل التي تريد أن توجهها الصين إلى الولايات المتحدة من خلال هذه المناورات، قال الباحث في العلاقات الدولية "إن بكين بطبيعة الحال لن تقف مكتوفة الأيدي في ظلّ التمدد الأميركي في المنطقة وتحريض الدول على الصين لإيجاد حالة من التوتر والمشاكل والحروب"، مبيّنًا في تصريحه لـ"العهد" أنّ " الصين لديها أوراق قوة تلعبها في هذا الموضوع، ليس فقط في المجال الاقتصادي، إنّما أيضًا في المجال العسكري والأمني، والمناورات والتجارب النووية وتجارب الصواريخ الباليستية أيضًا، فهذه المناورات هي "لهجة قاسية" تريد أن ترسل من خلالها رسالة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بغرض إيقاف استفزازاتها وعدم تكرار ضغوطها وتحريضها لتايوان ضد الصين".
واستطرد بيضون حديثه بالقول "إنّ المناورات العسكرية البحرية والجوية هي ردود فعل طبيعية، لأنّ أمريكا تجاوزت الخطوط الحمراء، وبالتالي تطلّب الأمر ردًّا كبيرًا وواسعًا من قِبل الصين في هذه المرحلة من أجل دفع واشنطن للتراجع وعدم تكرار مثل هذه الأعمال والسلوكيات ولمنعها من التمدد على المستوى الدولي"، ونوّه إلى أنّ "الصين اليوم منفعلة في إطار هذه المناورات لتوجد نوعًا من التوازن وتقوم بمعادلة اشتباك في هذا الموضوع، وإذا تعدّت الولايات المتحدة الامركية الأصول، وتعدّت مصالح الصين في هذه المنطقة، من الممكن أن نشهد توترًا أكبر، وتحويل هذه المناورات إلى أعمال عسكرية قد توصل إلى حرب شاملة في هذا الإطار".
وأشار بيضون في حديثه إلى أنّ "الدور الأساسي لأمريكا هو تغيير الأوضاع، خصوصًا أنّ الرئيس "جو بايدن" بالأمس القريب زار اليابان وكوريا الجنوبية واستراليا في جولة تهدف إلى تفعيل دور الرباعية الدولية من أجل القيام بأدوار عسكرية أو خلق "ناتو" شرق آسيوي من شأنه أن يكون سدًّا منيعًا، يقف بوجه الصين وطموحاتها، ويمارس أدوارًا عسكرية لأجل إحراج بكين ودفعها إلى المواجهة على غرار الحرب الروسية الأوكرانية".
وأضاف "إذا ما استمرّت أميركا بتكرار أعمالها المستفزّة للصين، فمن الممكن أن تتدحرج الأمور للوصول إلى مشاكل وحروب يتفرّج فيها الأميركي على الصين كيف تنزلق إليها وكيف تضرّ باقتصادها"، لكن "الصين أكثر عقلانية من الانزلاق في أيّ منزلق".
وختم الدكتور علي بيضون قائلًا "شهدنا محاولات ضغط اقتصادية أمريكية فاشلة على الصين، لذا لجأت اليوم الى الأدوار العسكرية والأمنية للتضييق عليها، وجعلها تنجرّ إلى معارك تستنزف الاقتصاد الصيني، ومحاولة توريطها في حروب ومعارك هامشية لتتخلّى عن أدوارها العالمية، وتلجأ الى الاهتمام بمشاكلها الداخلية ومشاكل المنطقة ودول الجوار".