خاص العهد
الجامعة اللبنانية.. هل يكون العام الدراسي أسير تحقيق مطالب الأساتذة؟
فاطمة سلامة
أشهرٌ عجاف يعيشها أساتذة الجامعة اللبنانية الذين باتت أوضاعهم المالية والمعيشية في الدرك الأسفل. رواتب هؤلاء خسرت نحو 80% من قدرتها الشرائية، فمن كان راتبه 3000 دولار بات 150 دولارًا. مبلغ يكاد لا يكفي بدل تنقل للوصول الى الجامعة، فما بالنا بمتطلبات الحياة اليومية والشهرية الأخرى؟ واذا ما اضطر أحدهم للدخول الى المستشفى، فتلك هي الطامة الكبرى. يُروى في هذا الصدد قصص عن اضطرار أساتذة جامعيين لبيع ممتلكاتهم والاستدانة للخضوع لعملية جراحية في المستشفى جراء غياب الدعم اللازم لصندوق التعاضد.
شكاوى بالجملة يبثها الأساتذة الذين وجدوا أنفسهم فجأة بلا أمان اجتماعي ولا صحي يكفيهم ذل العيش.، وهو الأمر الذي دفع أساتذة الجامعة اللبنانية الى بدء إضراب مفتوح قبل نحو أسبوعين في كافة الكليات والفروع. المطلوب تحصيل حقوق الأساتذة وتحسين أوضاع الجامعة التي لطالما وُصفت بـ"أم الفقراء". وعليه، تعيش هذه الجامعة بين أزمتين؛ أولى تتمثّل بواقع مزرٍي للأساتذة، وثانية بمستقبل مجهول لطلاب لم يتمكنوا من إنهاء عامهم الدراسي جراء الإضراب ما يضع مصير نحو 80 ألف طالب على المحك، وسط مخاوف من عدم انعقاد العام الدراسي المقبل اذا لم تُلبّ مطالب الأساتذة.
بدران: راتب الأساتذة بالكاد يكفي أول خمسة أيام من الشهر
يتوقّف رئيس الجامعة اللبنانية البروفسور بسام بدران في حديث لموقع "العهد" الإخباري عند أوضاع الأستاذ الجامعي الصعبة. راتب الأساتذة الجامعيين بالكاد يكفي أول خمسة أيام من الشهر؛ فمن يبلغ راتبه الشهري خمسة ملايين ليرة، سيتبخّر لمجرد دفع فاتورة المولد الكهربائي ليجد نفسه عاجزًا عن تأمين احتياجات عائلته من الطعام. أمام هذا الواقع، يرى بدران أنّ المطلوب أمران؛ تأمين الحد الأدنى من العيش الكريم للأستاذ الجامعي من جهة، وتأمين مستقبل الطالب من جهة أخرى. وهنا تكمن الصعوبة - يقول بدران - فمن جهة يجب أن ننهي العام الدراسي حفاظًا على مستقبل الطلاب، ومن جهة أخرى يجب تأمين الحد الأدنى للأستاذ الجامعي والموظف.
ما أقر من وعود لم يجر تسييله
يأسف بدران لعدم تنفيذ الدولة وعودها حيال الأساتذة والموظفين الجامعيين. ما أقر من راتب تحفيزي إضافي و95 ألف بدل نقل للتحفيز على الحضور لم يجر تسييله حتى الساعة من الناحية المادية رغم أنه قد يعالج جزءًا من المشكلة. وفق بدران، لا تزال مساعدة "نصف الراتب" التي تم إقرارها منذ فترة طويلة معلّقة، فرغم صدور مرسوم حيالها لم يتم تسييل الأموال لدفعها عن الأشهر الستة الأولى من السنة الحالية.
هذا السلوك يصعّب الأمور -يقول بدران- الذي يوضح أنّ السيناريو يتكرّر اليوم أيضًا حيث أقر مبلغ 50 مليار ليرة كتحفيز وراتب إضافي، لكن لم يجر تسييل الأموال أيضًا. وهنا يشدّد بدران على أنه اذا بقيت الوعود بدون صرف فنحن أمام مشكلة. برأيه، يجب أن يتم تسييل الأموال على أرض الواقع ليقتنع الموظف والأستاذ معًا بوجود حلحلة، والا كيف سنطلب من شخص لا يتقاضى بدل نقل أن يأتي كل يوم الى الجامعة؟!.
العلاجات يجب أن لا تكون مؤقتة
وعمّا اذا كان العام الدراسي الجديد مهدّدًا، يقول بدران: "البلد كلّه مهدّد..الأزمة لا تتعلّق فقط بالجامعة بل بالبلد بأكمله". برأيه، يجب أن يكون هناك علاجات جدية لكل شيء. وعلى صعيد الجامعة يجب أن لا تكون العلاجات مؤقتة كما حصل عبر إعطاء التحفيز لشهرين فقط. المطلوب جهد كبير جدًا لمعالجة شقين؛ أول يتعلق بتأمين الحد الادنى لمقومات عيش الأستاذ والموظّف الجامعي، وثان لإنهاء العام الدراسي للطلاب بشكل سليم وتأمين بداية عام دراسي جديد للطلاب الجدد بشكل سليم أيضًا، يختم بدران.
معاوية: قيمة رواتب الأساتذة الجامعيين تدنّت بشكل كبير
ما يقوله الدكتور بدران يؤكّد عليه نائب رئيس الهيئة التنفيذيّة في رابطة الأساتذة المتفرّغين في الجامعة اللبنانيّة الدكتور حسين معاوية. يلفت الى أنّ أوضاع الأساتذة الجامعيين كوضع كل موظفي الدولة بشكل عام. أوضاعهم سيّئة اذ يعانون من تدني قيمة الرواتب بشكل كبير. 1500 أستاذ جامعي ما بين تفرغ وملاك يتقاضون كراتب وسطي 150 دولارًا بعد أن كان الراتب يتراوح ما بين 3000 و3500 دولار. يعاني هؤلاء من غلاء البنزين وبالتالي صعوبة التنقل، كما يعانون من ضعف الإنترنت وغلائه ما ينعكس على قضية "التعليم أونلاين"، عدا عن أزمة الجامعة اللبنانية بحد ذاتها وموازنتها التي بقيت كما هي رغم ارتفاع سعر صرف الدولار ما أدى الى نقص كبير في المقومات الأساسية للجامعة من الحبر والأوراق والكهرباء التي لم تعد موجودة في بعض الفروع رغم أنها عنصر أساسي في الكليات.
لتحسين وضع الأساتذة وتأمين الأرضية اللازمة للتعلم الحضوري
وحول المطالب، يشدّد معاوية لموقعنا على ضرورة تحسين وضع الأستاذ الجامعي وتأمين الحضور، فتجربة التعلم عن بعد تركت أثرًا كبيرًا على المستوى الأكاديمي والعلمي للطلاب. ثمّة كليات تطبيقية كالصحة والهندسة والطب يجب أن يكون الطالب حاضرًا فيها بسبب طبيعة المقررات التي تتطلّب التعلم عن قرب. وهنا يشدّد معاوية على ضرورة أن تؤمّن الدولة موازنة جيدة للجامعة تمكّنها من العودة حضوريًا، موازنة تتناسب مع وضع الدولار والأوضاع الاقتصادية في البلد. كما يطالب بضرورة تأمين مقوّمات الحد الأدنى للعيش الكريم ليتمكن الأستاذ الجامعي من القيام بواجبه الأكاديمي والعائلي. وفق معاوية، غالبية الأساتذة لم تعد تشعر بالاستقرار من ناحية صندوق التعاضد الجهة الضامنة ما أثّر على الطبابة والتعليم لتسقط كل هذه الحقوق رغم أن وجودها ضروري ليشعر الأستاذ الجامعي بالاستقرار ويُعطي كما يجب.
ماذا لو لم تلبّ المطالب؟ يُجيب معاوية عن السؤال بالإشارة الى أنّ "اللجنة الوزارية أعطت وعودًا نتمنى أن تُترجم. جرى إقرار 50 مليار ليرة مؤقتة للجامعة اللبنانية بدل حضور ومساعدات. عندما تترجم الوعود على أرض الواقع، ستوجّه دعوة للهيئة العامة نقرّر على إثرها إما فك الإضراب أو إعادة النظر".
مقابل تأكيد معاوية على ضرورة تلبية المطالب، يشدّد على أننا لن نقبل بأن تُقفل الجامعة اللبنانية ويبقى طلابنا بلا علم. مبرّر وجود الجامعة هو تعليم الطلاب. طبعًا نحن ضد الحلول الترقيعية -يقول معاوية- ولكن في حال جرى الاتفاق على حل مؤقّت لتسيير الأمور من الآن حتى إقرار الموازنة فلا أعتقد أنّ الأساتذة سيستمرون بالإضراب.
وفي الختام، يتمنى معاوية على القيّمين وعلى الحكومة إعطاء الأولوية والاهتمام بالجامعة اللبنانية لأنها مؤسسة الجيش الثاني في لبنان. إنها مؤسسة مسؤولة عن تعليم كافة فئات الشعب اللبناني، وعليه، لا بد من إعطائها القليل من الأولوية والأهمية لاستمراريتها.