معركة أولي البأس

خاص العهد

أحمد جبريل.. شيخ المجاهدين الذي لم يبدل تبديلًا
22/07/2022

أحمد جبريل.. شيخ المجاهدين الذي لم يبدل تبديلًا

محمد عيد

في ذكرى رحيل القائد التاريخي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة "أحمد جبريل" نستحضر الكثير من مراحل حياة "شيخ المجاهدين" الذي كان علامة فارقة في النضال الوطني الفلسطيني وبقي على نهجه ومبادئه لم تغيره الأيام كما غيرت البعض من رفاق السلاح.

في الذكرى الأولى لرحيل جبريل التقى موقع "العهد" الإخباري مع ابنه بدر جبريل القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة الذي عرض لبعض المراحل الهامة في تاريخ والده الحافل بالنضال.

بحسب بدر جبريل فإن جبريل الأب: "ليس أول الثائرين والمضحين بدمائهم على درب فلسطين ولن يكون الأخير. والملفت للنظر والجميل في الأيام الأخيرة من حياته موقف فيه عبرة جميلة ولطيفة اختصرت الماضي والحاضر، وكان لها أثرها الكبير في نفسه، فبعد انتصار معركة "سيف القدس" الأخيرة جاء وفد من القيادات وكان يريد أن يضعه وهو في أيامه الأخيرة في صورة ما جرى من مباحثات ومن أحداث وهو يتابع على شاشة التلفاز كل ما يجري في فلسطين. في خضم الحديث بدأت عيناه تدمعان، سألناه عن حاله فقال "بلشنا نشوف فلسطين". كان رفيقنا الغالي الرفيق طلال ناجي موجودًا فقال له إن الشيء الذي بذلت حياتك لأجله والذي قصصت الشريط من أجله بدأ يثمر وهذه الدموع التي تسقط من عينيك هي نتائج ما أنت سعيت الى صنعه وتحقيقه، في يوم من الأيام حين بدأتَ بالمسير كنت تقول إن طريق فلسطين طويل، والآن أنت تقول إننا بدأنا نرى فلسطين قريبة، هذه القصة اختصرت الماضي والحاضر وألقت نظرة الى المستقبل".
 
الذين اختلفوا حول خيارات جبريل في حياتهم اجتمعوا على العزاء بعد رحيله، فكانت اتصالات العزاء ترد من الجهات من فلسطين ولبنان واليمن وايران والعراق ومن غانا والسنغال وكل من يتبنى القضية الفلسطينية، وأجمع المعزّون على أن الراحل كان شخصية قيادية فذة.

أحمد جبريل.. شيخ المجاهدين الذي لم يبدل تبديلًا

ويلفت بدر جبريل الى احتضان سوريا لهذا المناضل: "جميع المسؤولين السوريين في الظرف الصعب الذي تعيشه سوريا قدموا بعد الوفاة كل التسهيلات المطلوبة وأبدوا جهوزيتهم لأي طلب نطلبه منهم، وأكبر شرف لأي مناضل أو مقاوم حر أن تحتضنه أرض من أراضي محور المقاومة، فما بالكم إذا كانت هذه الأرض هي واسطة العقد (سوريا) على اعتبار أن فلسطين هي درة العقد؟".

وحول العلاقة مع الجمهورية الاسلامية الايرانية، يلفت جبريل الابن الى أن الراحل لم يسبق أن اختلف مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية حول الطريق إلى فلسطين ولا مع سوريا، وكان يكرر أن إيران تعنيه كما تعنيه سوريا وفلسطين لأنها جزء من المحور.

أحمد جبريل.. شيخ المجاهدين الذي لم يبدل تبديلًا

عندما كانت سوريا في أوج الأزمة، كان لأحمد جبريل موقف وكان يدرك ببصيرته النافذة أن الفلسطينيين إذا ما هُجّروا من مخيم اليرموك لن يجدوا مكاناً آخر يلجؤون إليه. في هذا السياق، يلفت بدر جبريل الى الاتهامات التي كانت توجه الى أحمد جبريل والقيادة العامة والتنظيم بأن الهدف هو الاصطفاف والتبعية لسوريا، وسأل: "إذا سقطت سوريا لا سمح الله وهزمت وهي من حلف المقاومة، هل كنا لنسمع بعدها بفلسطين؟"، وتابع: "كانت ذهبت فلسطين وضاع الأمل باستعادتها، بعد معركة "سيف القدس" وهذا الزخم والقوة التي شاهدناها لو أن محور المقاومة كسر في سوريا ما كان لنا أن نرى الزخم الذي شاهدناه في "سيف القدس ". وهذه هي النظرة التي كان يتبناها من أول يوم للأحداث في سوريا.. لم تكن القضية في بال جبريل قضية حزب البعث أو شخص الرئيس السوري بل القضية أعمق من ذلك والقصة أبعد من ذلك، لأن المراد هو تدمير سوريا ككيان واقتصاد وكدولة وجعلها متناحرة فيما بينها لخدمة أهداف العدو الصهيوني".

أحمد جبريل.. شيخ المجاهدين الذي لم يبدل تبديلًا

وأضاف: "عندما بدأت الأحداث تطال أهالينا وشعبنا في المخيمات وبدأت بمخيم اليرموك حاولنا بشتى الطرق أن نمنع الفتنة. وأذكر عندما كنا موجودين في المخيم كانت التعليمات توجه لنا بأننا يجب أن نعمل على نزع فتيل أي فتنة داخل المخيم وعدم جر المخيم إلى أي معركة لا تحمد عقباها، وهناك من اتهمنا بأننا قمنا بعملية تسليح ولكن ذلك جرى بعدما كان المسلحون يدخلون إلى المخيم ويستبيحون المحلات وحرمات الناس.. حاولنا كثيرًا إبرام اتفاقات تقوم على قاعدة أن لا نخرج نحن من داخل المخيم مقابل ألا يدخل المسلحون إليه.. وسأتكلم بكل صراحة لأقول إن كل الشخصيات من جانب المسلحين التي كانت تحترم هذه الاتفاقيات وكانت متفقة مع أحمد جبريل على ضرورة أن لا ندخل الشأن الفلسطيني في الشأن السوري خلال الأزمة السورية تمت تصفيتها من قبل المسلحين أنفسهم".
 
ويروي بدر جبريل أن "أحد الشخصيات في يوم من الأيام تركهم وذهب، وسألت أحد المقربين منه عنه فقال لي إنهم حين سمعوه يقول بضرورة أن لا نقحم  الشأن الفلسطيني في الشأن السوري جاءته رسالة شديدة من غرفة العمليات في الأردن تقول له بصريح العبارة إن هذا الأمر "لا يناسبنا، نحن نريد للمنطقة أن تحترق"، ولذلك كان المراد إقحام الدم الفلسطيني في المعادلة وتدمير مخيم اليرموك وتشريد أهله، ونحن حاولنا قدر المستطاع حماية شعبنا ولكن اليد الواحدة لا تصفق وكان المخطط أكبر من ذلك".

يلقب البعض أحمد جبريل بـ "جيفارا فلسطين"، يقول بدر جبريل، ويتابع: "أنا أحب هذا اللقب صراحة لأسباب عديدة، أحمد جبريل خرج من أسرة ميسورة ووالده كان يعتبر على أيام فلسطين سابقًا من كبار الملاك للأراضي. هذا من طرف والده، أما من طرف والدته فهي سليلة واحدة من كبار العائلات الدمشقية المعروفة التي جاء منها خاله كواحد من رؤساء وزراء سوريا، فأحمد جبريل ينتمي إلى أسرة ميسورة الحال وعندما انتهى من الدراسة الثانوية كان بإمكانه أن يتابع دراسته في أي مكان في العالم وفي أرقى الجامعات العالمية نتيجة ظروف عائلته المادية الممتازة لكنه رفض كل ذلك وأصرّ على أن يعتنق السلاح. كان يقول إن الحياة فانية ولن يخرج أحد من هذه الدنيا بأي مكسب مادي والمكسب هو الإرث الذي يحمله المرء معه إلى الآخرة. ونحن نعتبر أن التركة التي تركها لنا الوالد كبيرة جداً وقدرنا الله على حفظها وهي الاسم والسمعة الحسنة والنهج فليس سهلاً في زمن الانبطاح وزمن التطبيع تحت عناوين براقة اقتصادية سياسية سياحية دينية أيضا أن تبقى محافظا على مبادئك وقيمك وأن تسبح عكس التيار".

وردّا على سؤال حول صورة الإمام روح الله الخميني(قدس) مع طفل في المكتب، يقول بدر جبريل: "كنا نقول للوالد إن هذه الصورة باتت قديمة بفعل العوامل الجوية وأنت لا تزال متمسكاً بها ولا تسمح لأحد بأن يغيّر مكانها، دعنا نأتي بصورة جديدة للإمام تكون جديدة ونضعها مكان هذه الصورة، فقال لنا إن هذه الصورة لها معان عظيمة، وإنه يشعر بالامام الخميني من خلال هذه الصورة يقبل هذا الفتى الصغير الذي لم يتجاوز السنوات الست من العمر ويقول له إن لديه دورًا ورسالة وأيامًا قادمة سيحمل فيها الرسالة تجاه هذه الأمة. هذا معنى الصورة التي كان ينظر اليها بالكثير من القداسة.

أحمد جبريل.. شيخ المجاهدين الذي لم يبدل تبديلًا

 

إقرأ المزيد في: خاص العهد