خاص العهد
مسلحون سوريون مستقيلون من إثمهم: كنا أداة العدوان على وطننا لثماني سنوات
محمد عيد
حين تسألهم عن حالهم اليوم يقفز الأسف إلى قسمات الوجوه وتعبر الذكرى إلى ذلك اليوم المطمئن الذي سبق العاصفة في آذار/ مارس من العام 2011. لم يدر بخلد أحدهم أن الأمور ستتراخى إلى ما هي عليه اليوم لدرجة أن بعضهم لم يستوعب حتى اللحظة ما جرى. "كان وطنا مطمئنا أضعناه بأيدينا " يهتف مسلح مستقيل من إثمه. "كان وطنا عزيزا أمسكنا به كي لا يضيع" يصيح جندي سوري لم يلق سلاحه بعد. "كان أحرى بنا جميعا أن نتحلى بالحكمة والصبر"، يصرخ عجوز طاعن في العمر والخبرة. تمنى السوريون ألا تكون العبرة التي وصلوا إليها قد احتاجت إلى كل هذه الدماء ولكنهم مع ذلك لا زالوا يفتخرون "بدمائنا أوقفنا الجحيم الذي كان يعدّ للمنطقة".
ولات حين مندم
يلوم خالد نفسه بشدة. يصوب على سلوكه يومها بشتائم لا سبيل إلى ذكرها اليوم "لم أتخرج معلما في صف لأهتف للحرية وراء بائع المازوت الذي كان يبيعنا إياه مغشوشا. لقد غشنا في الحالتين"، هكذا تحدث خالد لموقع "العهد" الإخباري وهو يشتم بائع المازوت الذي تحول بقدرة قادر إلى أمير حرب جمع ثروة طائلة على حساب آلاف الذين غرر بهم قبل أن يستقر في تركيا "ثائرا من طراز خمس نجوم"، يختم خالد حديثه لموقعنا: "يبدو أنني أنا من كنت الأمي وليس هو".
قصة خالد تطابقت مع قصص الكثيرين ممن التقيناهم، ممن غادروا حياة الاستقرار الهانئة التي عاشوها في بلداتهم وقراهم وتحولوا إلى "وقود في ثورة تدخل فيها من هب ودب".
الغصة الكبرى لدى هؤلاء تمثلت في من خسروهم من أبناء وأشقاء قتلوا في معارك جانبية بين الفصائل المسلحة نفسها. يذكر محمود المقاتل السابق في فيلق الرحمن كيف قتل رفاقه في السلاح أخاه عمر المنضوي ضمن ميليشيا " جيش الإسلام " التي كان يقودها الإرهابي زهران علوش. خبرة محمود الشبه الأمي في الحياة جعلته يتحدث بالسياسة بفصاحة "خلاف سعودي قطري جعل صديقي السابق يقتل أخي". الدم المسفوح على تراب الغوطة سهل عملية الفهم على محمود الذي صدّق "شيخ الفتنة" حين قال لهم إن الحوريات قاب قوسين أو أدنى. راكم الأخوة الأعداء الأحقاد فيما بينهم وتحولوا بشكل شبه عفوي إلى رفع اللوم عن الدولة السورية. "كل دولة ستدافع عن نفسها وعن شعبها بالقوة وغيرها، وهذا ما لم نستطع أن نفهمه إلا بعد مدة طويلة" يصرخ محمد الذي قفز من الباص الأخضر في اللحظة الأخيرة مع ابنته الصغيرة مسويا وضعه وواضعا حدا "لهذه المهزلة".
اعتدينا على وطننا
لا يجد أحد قادة الفصائل الذي قام بتسوية وضعه قبيل دخول الجيش السوري إلى الغوطة حرجا في الحديث لموقع "العهد" الإخباري عن "أمر العمليات" الذي كان يأتيه من الدوحة "كنا نحرك الميدان بأمر ونتوقف بأمر، وكان أمر العمليات يأتينا على الشكل التالي: حركولنا الجو شوي"، مضيفا: "كنا نصدع بما نؤمر، فوصول الدولارات لن يتأخر".
أحد المقاتلين المنضوين سابقا تحت جناح الفصائل المقاتلة تحدث لموقع "العهد" الإخباري عن عمليات السرقة الموصوفة "لرواتب الثوار"، ويردف: "كنا نعلم بأن أموالا طائلة كانت تصل من الرياض وقطر وتركيا وكان قادة الفصائل يأخذونها كلها ويعطوننا منها النزر اليسير، لا بل إنهم كانوا يقومون باستغلال صعود وهبوط قيمة الدولار ويقبّضوننا الأموال بالليرة السورية، إنها عمليات سرقة موصوفة".
في لقاءاتنا الكثيرة مع كل السوريين الواقفين على عتبة الذكرى الثامنة للجحيم الذي ضرب بلادهم، وهم من جل الأطياف والبلدات والقرى، لم نعثر على أحد ممن عادت عليهم هذه الذكرى الأليمة بخير، حتى أولائك الذين تاجروا بدماء من غرروا بهم واستقروا في فنادق المعارضة الأثيرة استقرت أحلامهم السوداء عند هذا الحد فوقفوا على أعتاب وطن لا يملكون العودة إليه وقد سفكوا من الدماء ما باتوا معها يخشون على أنفسهم من غضبة من حرضوهم يوما على الفتنة وتركوهم لمصيرهم في معتركها.