خاص العهد
اللجوء السوري تحوّل عبئًا على الغرب.. ماذا عن لبنان؟
دمشق ـ محمد عيد
لم يعد ملف اللجوء السوري إلى الغرب ودول الإقليم صالحاً للاستهلاك السياسي بعدما فقد الكثير من رصيده إثر طرح دول أوروبية فكرة إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم التي باتت "آمنة"، وتحويل تركيا هذا الطرح إلى واقع عملي بعدما أبعدت قهراً سوريين لديها إلى الشمال السوري حيث تبسط "هيئة تحرير الشام" الإرهابية نفوذها.
ملف اللجوء السوري بات أكثر تعقيداً بالنسبة لأوروبا بعد تدفق ملايين الاوكرانيين إليها، وهو الأمر الذي أثار عنصرية ضد السوريين الذين اعتُبِروا لاجئيين من درجة عاشرة قياساً بأصحاب البشرة البيضاء والعيون الملونة.
ملف ينطوي على أهداف خبيثة
في هذا الإطار، يرى عضو مجلس الشعب السوري مهند الحاج علي أن ملف المهجرين هو من الملفات التي تستثمر للضغط على الدولة السورية سياسيًا وإعلاميًا، وفي حديثه الخاص بموقع "العهد" الإخباري شرح الحاج علي الأهداف الرئيسية التي حضر لأجلها هذا الملف وهي:
أولاً: شيطنة الدولة السورية والجيش العربي السوري. واستثمار كل من يفر من الحرب ولو كان من مؤيدي الدولة السورية لمصلحة ما يسمى "المعارضة"، فقد رسم في الاعلام الغربي أن كل من خرج من سوريا هو رافض للدولة السورية وبدأوا يتحدثون عن أعداد بالملايين.
علماً أن من خرج قد خرج لأسباب أخرى تتعلق بعوامل الخوف على الاموال، وخاصة فئة التجار والصناعيين بعد ما تعرضوا له من تهديدات، أو خوف على الحياة نتيجة العمليات العسكرية وارهاب الجماعات الارهابية التي كانت تنكل في القرى والارياف والمدن السورية لبث حالة من الذعر لدى المواطنين، ورسم صورة أن الجيش السوري غير قادر على ضبط الأمور، وبالتالي دفعهم للهجرة خارج القطر.
ثانياً: افراغ سوريا من مقدراتها البشرية. أي القوة الشبابية العاملة لديها والتي كانت قبل الحرب تعادل أكثر من ٧٠ بالمائة من عدد السكان، وهذه القوة تحتاج اليها اوروبا وامريكا خصوصاً، بالإضافة إلى تهجير العقول والخبرات ورؤوس الأموال، لأن قوة أي دولة تأتي من قوة شعبها.
ولفت عضو مجلس الشعب السوري في حديثه لموقعنا إلى أنه تم الإعداد لهذا الموضوع قبل بداية العدوان على سوريا وتم نصب المخيمات على الحدود السورية التركية لهذا الغرض، وتلاها نصب مخيمات في الشمال اللبناني على الحدود لنفس الغرض، وبعدها قامت الولايات المتحدة بإنشاء مخيمات على الحدود السورية العراقية.
في حين اقتصر دور بعض الدول والأنظمة السياسية على استثمار هؤلاء المهجرين كأداة لكسب بعض الأموال من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، بحجة أنها ترعى هؤلاء المهجرين.
أما تركيا والولايات المتحدة فقد حولت هذه المخيمات إلى منتجعات لإنتاج "جبهة النصرة" فرع تنظيم "القاعدة" الإرهابي في بلاد الشام، وتنظيم "داعش" الارهابي ودفعهما للقتال في سوريا خاصة في المنطقة الشمالية في منطقة غازي عنتاب وغيرها من المناطق الحدودية، ومخيم الهول في الغرب.
يقظة وحيطة
وأضاف الحاج علي أن الدولة السورية أيقنت منذ الايام الأولى للعدوان أن ملف المهجرين هو سلاح يستخدم للتصويب عليها.
لذلك ومن منطلق حرصها على مواطنيها اتخذت عدة اجراءات لعودة هؤلاء المواطنين، وهذه الإجراءات بدأت من الناحية الميدانية، عندما بدأ الجيش العربي السوري وحلفاؤه عملية تحرير الأرض في بدايات عام ٢٠١٣، وبسبب بيئة القتال ضمن المدن والقرى، وتحصن الارهابيين بين المدنيين، كانت هناك تعليمات صارمة للجيش وقادته بعدم استخدام الاسلحة الثقيلة في بعض مفاصل الحرب، كحلب مثلاً، حرصًا على حياة المدنيين، رغم أن ذلك كلف الجيش وحلفاءه الكثير من الشهداء والجرحى، ولكن الحفاظ على حياة المدنيين والبنى التحتية التي بناها السوريون بأموالهم وعرقهم على مدى عقود كان لها الاولوية.
بعد تحرير كل منطقة كانت فرق إعادة الاعمار السورية تدخل فورا لإعادة الحياة للمناطق التي حدثت فيها اشتباكات، نزع الالغام التي كان يتركها الإرهابيون خلفهم، رفع الانقاض، فتح الطرقات، إعادة المياه والكهرباء والمدارس والمستشفيات للعمل لإعادة السكان الأصليين لهذه المناطق.
مراسيم العفو الصادرة عن السيد رئيس الجمهورية والخاصة بالمخالفين أو الفارين من الخدمة الالزامية أو الاحتياطية أو المتورطين مع الارهابيين ممن لم تتلطخ أيديهم بالدماء، ومسار التسويات الذي اتبعته الدولة السورية كوسيلة لترغيب هؤلاء للعودة لوطنهم.
مرسوم صادر من السيد الرئيس بشار الاسد بإلغاء كل عقود البيوع والأجار التي تتم في فترة سيطرة الارهابيين على بعض المناطق وعدم اعتمادها، وهذا من شأنه أن يحفظ الحقوق للمهجرين ويحفظ املاكهم، وخاصة أن معظمهم قد سرقت أراضيهم ومنازلهم من قبل الارهابيين، وتحت تهديد السلاح، ولكي لا يستغل ذلك كوسيلة للتغيير الديموغرافي في سوريا، وخاصة في منطقة الجزيرة السورية، لأن قوات "قسد" الارهابية على سبيل المثال تعتمد أسلوب الترهيب من أجل شراء اراضي ومنازل وتوطين ارهابييها وعوائلهم فيها.
حفظ هذا المرسوم حقوق الناس فبعد تحرير المنطقة تعتبر كل العقود التي تمت خارج اطار الدولة لاغية ويعود المالك الاصلي لملكيته.
كما عملت الدولة السورية على تأمين السكن البديل ومستلزمات الحياة الاساسية مجانًا لمن تضرر منزله، هذا على الصعيد الداخلي.
أما على الصعيد الدولى والاقليمي، فلم تأل الدولة السورية جهداً ولم تفوت أي فرصة للعمل على عودة اللاجئين، وشاهد العالم عودة عشرات الآلاف من لبنان على سبيل المثال، عندما تعاون الامن الوطني اللبناني مع الحكومة السورية، ومن العراق ومن أوروبا ومصر والعديد من الدول.
وشدد الحاج علي على أن أمريكا وتركيا استمرتا في رهن هؤلاء وخاصة في مخيم الهول للأسباب التي ذكرت سابقًا وللاستثمار السياسي في المحافل الدولية ضد الدولة السورية.
الدول الاوروبية ايضا استثمرت ملف المهجرين ضد الدولة السورية لشيطنة الجيش العربي السوري وحلفائه أمام المجتمع الغربي.
اللجوء الأوكراني غيّر المخططات
وأشار عضو مجلس الشعب السوري إلى أن الحرب في أوكرانيا وتدفق مئات آلاف اللاجئين الاوكرانيين إلى أوروبا التي عانت إقتصاديا بعد جائحة كورونا بالإضافة إلى فشل الاستثمار السياسي في ملف اللاجئين السوريين، دفع الغرب إلى إعادة النظر في آلية التعاطي بخصوص هذا الملف فألزم تركيا بعدم إرسال المهجرين إلى أوروبا مقابل رشوتها بالمال في حين خرجت أصوات في الغرب تدعو لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بعدما باتت "آمنة" كحال اللاجئين في الدنمارك وألمانيا التي طرحت فكرة ترحيل من وصفتهم بـ "السوريين الخطرين" في حين فتحت أبوابها لللاجئين الاوكرانيبن وأعطتهم إقامة دائمة لمدة ثلاث سنوات وتصاريح عمل فيما اشتغلت وسائل الإعلام على التركيز عنصريا على الفرق بين اللاجئين الاوكرانيبن وغيرهم من طالبي اللجوء في سورية والعراق واليمن وغيرها من بلدان الشرق.
أما تركيا التي سجلت فشلا ذريعاً في استثمار ملف اللجوء السوري فلم يجد حزب العدالة والتنمية على ضوء تدني شعبيته قبيل الانتخابات المقبلة بدا من ترحيل السوريين في تركيا إلى الشمال السوري حيث تبسط هيئة تحرير الشام الإرهابية سلطتها هناك وقد شرعت في هذا الأمر بعد إجبار اعداد كبيرة من السوريين على التوقيع على وثيقة "عودة طوعية" في تمثيلية باهتة لا تنطلي على أحد.
سوريا جاهزة
الحاج علي أضاف في حديثه لموقعنا بأن سوريا جاهزة لاستقبال مواطنيها وهي أقوى من ذي قبل، ولكن سياسية الكيل بمكيالين من أجل استهداف الدولة السورية أصبحت واضحة، كما أن هؤلاء المهجرين أصبحوا عبئا على بعض الدول التي تعاني من كوارث اقتصادية كلبنان مثلاً.
وتساءل الحاج علي ماذا يمنع الحكومة اللبنانية من الجلوس على الطاولة وتنسيق الحلول مع الحكومة السورية لعودتهم؟ فنتيجة الجهوزية العالية للدولة السورية لن تستغرق العملية سوى جلسة واحدة وارادة صلبة لرفض الاملاءات الغربية من قبل الحكومات المضيفة.
ويؤكد الحاج علي أنه لا وجود حل لهذه المشكلة سوى" التنسيق المباشر مع الحكومة السورية" خاصة أن هذا السلاح لم يعد فعالاً ضد الدولة والجيش بالتعاون مع الحلفاء في مجلس الامن، ولكي لا تتحول هذه المخيمات لبؤر لانتاج إرهابيين جدد يهددون امن المنطقة بالمجمل، يجب معالجة هذا الموضوع مع الحكومة المعنية بهذا.