معركة أولي البأس

خاص العهد

هل يشرعن بيان "التربية" "الفريش الدولار" في المدراس الخاصة؟
14/04/2022

هل يشرعن بيان "التربية" "الفريش الدولار" في المدراس الخاصة؟

يمنى المقداد

بين مدراس تفرض على الأهل مبلغًا مقطوعًا بالدولار وأخرى تشترط عليهم دفع القسط أو جزء منه بالدولار، أصبحت الدولرة أمر واقعًا في معظم مدارس لبنان في مخالفة فاضحة وواضحة للقانون، وفي ظلّ عجز رسمي عن وضع حد لهذه الجريمة التي ترتكب بحق طلاب التعليم الخاص في لبنان، بل وبحقّ القطاع برمّته.

لم تعد صرخة الأهل تقتصر على الزيادة المرعبة للأقساط بل تمتد لتشمل بندًا جزائيًا من صنع المدارس ليس بمقدورهم تنفيذه، وحتى إن جربوا فعليهم الخضوع لابتزاز السوق السوداء وشراء الدولارات للمدراس التي تخلت عن رسالة التعليم وامتهنت المتاجرة بمستقبل أبنائهم.

في المقابل، جرّاء تحديد بعض المدارس جزءًا من أقساطها بالدولار الأميركي وإلزام أهالي التلامذة بدفعها نقدًا، أوضحت وزارة التربية والتعليم العالي في لبنان في بيان صادر عن مكتبها الإعلامي، أنّ "الموازنة المدرسية، نفقات وإيرادات، وأقساطًا أيضًا لا تكون إلا بالعملة الوطنية، ولا يجوز أن تعتمد أيّ عملة أخرى لتحديد أي من عناصرها" وتفاصيل أخرى تضمنها البيان كاملا.

لمن توجه الوزارة هذا البيان ولم الآن تحديدًا؟

بيان "التربية" وفق رئيسة إتحاد لجان الأهل في المدارس الخاصة لمى الطويل في حديثها لموقع "العهد"، موجه لإدارات المدراس ولجان الأهل في آن، مشيرة إلى أنّه لا يخلو من الإيجابية حين أقر بأنّ تحديد القسط المدرسي شأن يعود للإدارة ولجنة الأهل معا، لافتة في المقابل إلى  ما أسمتها بـ"الفقرة الملغومة" في البند (ه) من البيان والتي تشرع للمدارس القبض بـ"الفريش دولار" وهذا كلام خطير إذ يفتح لإدارات المدارس باب تجاوز القانون، فالدولرة ليست فقط مخالفة للقانون 515 باعتبار أن القسط المدرسي محدد بالليرة اللبنانية، بل تتعارض أيضًا مع قانون النقد والتسليف، وهناك مذكرة واضحة من وزير التربية السابق الدكتور طارق المجذوب تحظر تحديد القسط بالدولار رقمها 23/220.

أساليب إحتيالية

تحاول بعض المدارس التحايل على القوانين بشتى الطرق كي تحقق أرباحًا خيالية وتستعيد عهدها الذهبي السابق، هذا ما أكدّته الطويل معتبرة أنّ هناك أساليب متعددة تلجأ إليها بعض المدارس، فالبعض منها يصر علانية على طلب "الدولار الفريش" غير آبه لا بوزارة ولا بقانون، وهذا البعض هو من كبريات المدارس  التابعة إمّا لأحزاب أو إرساليات أو مدعومين من سلطات سياسية في البلاد، فيما البعض الآخر يتحايل على الفكرة عبر إنشاء صناديق منفصلة عن الموازنة، وهذا أمر غير قانوني وبدعة جديدة تظهر في العلن وفي أغلب الأحيان بأنّها غير ملزمة للأهل، ولكن ضمنًا فإنّ المدراس تمارس شتى أنواع الضغوطات على الأهل لدفع ما يسمونها "مساعدات".

الطويل توضح أنّ ترجمة الضغوطات على الأهل تحصل بأشكال عديدة: إما عبر حرمان الطلاب من أوراق العلامات، أو بالإمتناع عن إعطائهم إفادات خاصة لتلاميذ "الترمينال" الذين يريدون التقديم للجامعات، وفي حال اعترض الأهل تخبرهم المدرسة بعدم رغبتها في قبول أبنائهم السنة القادمة، فهناك أنواع كبيرة من الضغوطات  تمارس بحقّ الأهل كي يضطروا للدفع في النهاية، لافتة إلى أنّ بعض المدراس تفرض جزءًا بـ"الفريش دولار" وجزءًا بـ"العملة الوطنية"، فيما المشهد العام للسنة القادمة لا "يبشر بالخير". وتضيف أنّه نتيجة هذه  الممارسات كان من المفروض إقرار مشروع مرسوم القانون الخاص بالموازنات المدرسيّة، ولكن حصلت عملية تسويف ومماطلة لإقراره خوفًا من التدقيق ووضع سقف معين، لذا ماطلت إدارات المدارس في الموافقة على هذا القانون حتى انتهت المدة القانونية لتقديم الموازنات، بعد ذلك أصبحت إدارات المدارس تتصرف كما يحلو لها، لذلك أصدر الوزير هذا البيان ولكن الفقرة الملغومة كانت جدا واضحة.

أين المدراس من الخضوع للقانون 515 ومن المسؤول عن تطبيقه، وما الموانع؟

تجيب الطويل على هذا السؤال بالإشارة إلى أنّ المادة 13 من القانون 515 التي تجيز للوزارة تحديد القسط وتعيين مدققين ومحاسبين ماليين واضحة، والنص واضح جدًا وصريح حول دور الوزارة لجهة تحديد القسط في حال العثور على أي خلل بالموازنة، وهذا الأمر لا يحتاج إلى شكوى من الأهل أو لجان الأهل، فالوزارة عليها أن تستخدم صلاحياتها بعيدًا عن أي ضغوطات سياسية خاصة أننا نشهد بكثير من المدارس ضغوطات سياسية على الأهل إن كان بانتخابات اللجان أو بموضوع دفع القسط، والتي وصلت في بعضها إلى إقفال المدرسة أوالتهديد بإقفالها وهذا حصل في مناطق عدّة. وأضافت إنّ التهديد بإقفال المدرسة يوجب على الوزارة أن تتأكد ما إذا كانت هذه المدرسة متعثرة فعليًا، وتستطيع أن تحوّل الحالة على التدقيق المالي وتتحقق ما إذا كانت هذه المدرسة تراكم أرباحًا؟

تعطيل تشكيل المجالس التحكيميّة

تحدّث بيان "التربية" عن دور المجالس التحكيمية وأنّها المتخصصة في الفصل بالنزاعات بين الأهل والمدارس، فأين هذه المجالس اليوم؟ وما الذي يعطل دورها؟

الطويل أكدت أنّ الأهل يوضعون مجددًا في الحلقة المفرغة، فهم يتعرضون لضغوطات ويقدمون الشكاوى في الوزارة وتتحرك مصلحة التعليم الخاص، ولكن في النهاية تحوّل الملفات الى المجالس التحكيمية غير المشكّلة منذ أكثر من عشر سنوات، لافتة إلى أنّ غياب هذه المجالس يمكّن المدارس من الإستفحال في ممارسة كل الأساليب غير القانونية بحق الأهل، ومؤكدة أنّ المجالس مغيّبة قسرًا من قبل أصحاب المدارس النافذين في البلاد، والذين يمنعون تشكيلها، والدليل أن الوزير الحلبي أرسل المرسوم الى وزير العدل منذ أكثر من أربعة أشهر ولغاية اليوم لم يتمكن وزير العدل من تسمية ثمانية قضاة. وتلفت إلى أنّه إذا لم تشكل المجالس التحكيمية، وبقيت الفوضى في الأقساط، واستمرت المدارس في فرض زيادات تفوق الـ 100%،  وفرض الـ"فريش دولار"، سنشهد عامًا دراسيًا قادمًا كارثيًا، يؤدي الى إنهيار قطاع التعليم، لافتة إلى أنّ نسبة التسرب المدرسي حسب تقارير "الأونيسكو" إرتفعت من 43 الى 60%، وبالتالي سيكون التلاميذ غير قادرين على التعلّم، خاصة في الوضع الصعب للمدراس الرسمية، وسنذهب نحو كارثة تربوية.

الوزير يستطيع وضع حدّ إذا أراد

بعيدًا عن هذه الآلية المعطّلة ألا يستطيع وزير التربية وضع حدّ لهذه الفوضى؟

بحسب الطويل فإنّه إذا أراد الوزير تنفيذ القانون يستطيع أن يلزم المدارس، ذلك أن القانون واضح جدًا، وحين يكون القانون صريحًا فإنّه لا يحتمل تشريعًا ثانيًا، ووفق القانون يحقّ للوزارة أن تتخذ إجرءات قانونية بحق إدارات المدارس، ولكن في بلد الفوضى والفساد والتدخلات السياسيّة ـ فإنّ أغلبية المدراس ضربت القانون والوزارة وقراراتها بعرض الحائط. وتمنّت الطويل على وزير التربية بما أنّ هناك لقاءات دائمة مع الدول المانحة والجهات التي تقدم مساعدات للوزارة، أن يحصل كالعام 2019-2020 حين استقدم الوزير المجذوب شركة تدقيق، موضحة أنّ الوزير الحالي يستطيع أن يطلب من هذه الدول والجهات أن تؤمن شركة تعمل على التدقيق بالموازنات المخالفة.

بالنتيجة..

بيان "التربية"، ذلك التوضيح الذي صدر بغرض وضع حدّ لفوضى الزيادات وعملتها من قبل بعض المدراس الخاصة، لا يزال ملتبسًا لا سيّما في البند اللغم كما يسمّيه لجان الأهل، مخافة أن تستغل بعض المدارس  هذه الثغرة وتشرعن الدولرة بزعمها أنّها تمّت بموافقة الأهل الصورية أو تلك التي قد تحدث نتيجة الضغط.
نعم كان البيان بمثابة رسالة تحذيرية إلى المدارس بوجوب الإلتزام بالقانون، ولكنّ ماذا لو كانت الوزارة قد أقدمت على القيام بإجراءات عملية بحقّ المدارس المخالفة؟ فلغة "التمنّي" التي تحدثّت بها الوزارة في بيانها لا تنفع مع "حيتان التعليم" الذين جعلوا الأهل يتمنون لو لم يولدوا في هذا البلد الذي يتسرب فيه أبناؤهم من التعليم وبعضهم من الحياة!

وزارة التربية والتعليم العالي في لبنانالمدارس

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة

خبر عاجل