خاص العهد
المصارف والقضاء.. الإنذار بالإنذار و"البادي" أظلم
فاطمة سلامة
بات الحديث عن ملف المصارف -كأي ملف آخر في لبنان- مكررًا، وأشبه بمسلسل طويل لم تنته حلقاته بعد. سُخرية القدر التي جعلت المنظومة المصرفية حاكمة بأمرها، جعلت المواطن الضحية الأولى والأخيرة. والحق يُقال، لو أننا في بلد آخر لكانت لغة المصارف بالتأكيد لا تشبه لغة اليوم. تتعامل المصارف مع من حولها على قاعدة "ضربني وبكى سبقني واشتكى". تشتكي "ظلم" القضاء وتتهمه بالعمل ضد مصلحة المودعين.
تستقوي بالسياسيين فترفض الامتثال لأحكام القانون، تتهرّب من حقوق المودعين وتحيل القضية الى الدولة، وعندما يصل "الموس" الى رقبة المصارف، تستخدم المودعين كورقة ضغط. هي تعلم جيدًا أنّ المودع بأمس الحاجة الى "ليرة من غيمة" كما يُقال، وعندما يأتي الحساب، تعمد الى "تدفيع" المودعين الثمن، تمامًا كما فعلت خلال اليومين الأخيرين، فعندما تسارعت وتيرة القرارات القضائية بحق كبار البنوك والمصرفيين، نفّذت المصارف اضرابًا ليومين متتاليين، والهدف إظهار حاجة الناس اليها واتخاذ المواطنين ومصالح السوق "رهينة" في مشهد من الدونية والابتزاز. فهل سيُكمل القضاء في معركة "كسر العظم" ضد المصارف؟.
المعركة صعبة لكننا سنكمل..
لا تُخفي مصادر قضائية فاعلة على خط الملاحقات والتحقيقات صعوبة المعركة مع المصارف. المعركة مع المصارف تعني باختصار المعركة مع سياسيين نافذين. أولئك لهم اليد الطولى في مراكز قضائية حساسة. أولئك يقفون سدًا منيعًا في وجه أي قرار قضائي على قاعدة "حاميها حراميها". لكنّ المصادر تؤكّد أنّ القضاء لن يستسلم فهو الأمل الوحيد المتبقي للناس، ومهما ضغطت جهات سياسية كبرى لمنع تنفيذ القرارات، ثمّة قضاة نزيهون لا يعيرون اهتمامًا لكل المظلات السياسية المفردة فوق رؤوس مصرف هنا ورئيس مجلس إدارة هناك. تُعطي المصادر مثالًا على ما جرى في الأيام الأخيرة وكيف لا يزال شقيق حاكم مصرف لبنان رجا سلامة موقوفًا لدى القضاء رغم كل المحاولات والاتصالات السياسية لتمييع الملف.
عزو: إنذار الإقفال الشامل مقابل إنذار الإفلاس التقصيري
أمام ما يحصل، تسعى المصارف سعيها لرمي كرة النار في ملعب القضاء. منسّق الدائرة القانونية لمجموعة "رواد العدالة" المحامي هيثم عزو يشدد في حديث لموقع "العهد" الإخباري على أن ثمّة ابتزازا يمارس من المصارف والسلطة الحاكمة لتأليب الرأي العام ضد القضاء للإيحاء بأنّ القضاء يُضر بالمودعين في الوقت الذي يطبّق فيه الأحكام لمصلحة المودعين. ويشدّد عزو على أنّ كل صاحب حق مهدور يمكنه قانونًا أن يتظلّم قضائيًا، فالمصارف أهدرت حقوق المودعين ومن حق هؤلاء إقامة الدعاوى عليها سواء مدنية أم جنائية. وعليه، يطبّق القضاء النص القانوني ولا اجتهاد في معرض النص القانوني، لكن المصارف تحاول الايحاء بأن قرارات القضاء تعسفية في الوقت الذي هي فيه قانونية بحتة.
يتطرّق المتحدّث الى خطوة المصارف التي وجّهت فيها إنذارًا للمودعين أقفلت فيه كافة فروعها ليومين للضغط على السلطة السياسية، مع الإشارة الى أنّ كثرًا من السلطة السياسية هم مصرفيون. داتا المصارف تبيّن أن سياسيين هم رؤوساء وأعضاء مجالس إدارة مصارف وبعضهم يستخدم أسماء مستعارة للتمويه. وهنا يؤكّد عزو أننا في المقابل سنوجه كقضاء إنذارًا للمصارف نحذّرها بأنه في حال أقدمت على إقفال مستمر وشامل سنعمد الى إعلان إفلاسها. المعادلة تقول إنّ توقف المصارف عن الدفع يعني أنها تثبت بيديها أنها طبّقت على نفسها أحكام قانون الإفلاس الذي يقول إنّ توقف المصارف عن الدفع يخوّل إعلان إفلاسها من قبل المحكة المختصة سواء المصرفية المختصة أو المدنية المختصة.
ماذا بعد إعلان الإفلاس التقصيري؟
وبحسب عزو يستتبع هذه الخطوة ما يلي:
-كف يد أعضاء ورؤساء مجالس إدارة المصارف وتعيين وكيل إدارة من قبل الدولة مكانه، ووكيل لـ"تفليس" المصرف.
-الحجز تلقائيًا على كل ممتلكات رؤساء وأعضاء مجالس ادارات المصارف المنقولة وغير المنقولة في لبنان والخارج.
-الحجز على كافة أصول المصرف ومحفظته الاستثمارية وكل أمواله.
ويشدّد عزو على أنّ المواجهة مع المصارف لن تتوقّف، معتبرًا أنّ أي خطة تعافٍ هي بمثابة تعويم للمصارف مجددًا على حساب المودعين. وهنا، يكرّر عزو غير مرة أن لا شأن للمودعين بما حصل بكل هذه الأزمة لعدة أسباب أبرزها أنّ المودع لم يكن يتعاطى لا مع الدولة ولا المصرف المركزي لنحمله نتائج تعاقداته غير المبرمة. ويعتبر المتحدّث أنّ الأزمة المصرفية محصورة بين الثالوث المرتكب (الدولة اللبنانية-المصرف المركزي- المصارف). الأخيرة توهم المودعين -كذبًا وزورًا- بأن حقهم لدى الدولة، والحقيقة أنّ حقهم لدى المصارف فهم لم يتعاقدوا مع الدولة، ويوجد عقد وديعة بينهم وبين المصارف، فيما يلزم القانون المصرف برد الوديعة
كمًا ونوعًا.
ويوضح عزو أنّ المصارف تبحث عن طريقة لتحميل المودع الخسارة، لكن القانون يمنع ذلك، فلا يمكن تحميل المودع الخسارة بناء على قاعدة "الغنم بالغرم" القانونية أي أن الذي انتفع بالشيء يتحمل هو الخسارة. الدولة استفادت من أموال المصارف والأخيرة استغلت أموال المودعين واستفادت في المقابل من المصرف المركزي، وبالتالي فإنّ المودع وضع أمانته لدى المصارف وهو متضرر من عدم رد الوديعة كمًا ونوعًا وبتوقيتها. وفي هذه الحالة ينص القانون على أنّ المودع يستحق تعويضًا جبرًا للضرر الذي لحق به ولا يتحمل خسارة.
لا مناص من مواجهة المصارف
هل ستذهبون الى خطوات أكثر تصعيدية؟ يجيب منسق الدائرة القانونية لمجموعة "رواد العدالة" بالإشارة الى أننا نواجه منظومة مصرفية، وهي في الوقت ذاته منظومة سياسية ولها أذرع قضائية وسط تمرد على القضاء، لكنّ التحرك لن يقف ولا مناص من مواجهة المصارف. المصارف اعتدت على الأمن القومي المالي فهل يقتضي الرضوخ الى المعتدين والمجرمين؟ يسأل عزو الذي يشدّد على أن مسؤولي المصارف يجب أن يكونوا في السجن لأنهم ارتكبوا جرائم كثيرة منها الاحتيال، النيل من مكانة الدولة، المضاربة بالعملة، تبييض الأموال وغيرها الكثير من الجرائم. أكثر من ذلك، اقترض هؤلاء ما بين عام 2019 حتى أوائل عام 2021 ثمانية مليارات فريش دولار، وذلك في عز الأزمة المالية وبتوقيع من حاكم البنك المركزي ليعيدوها وفقًا لدولار 1500 ليرة.