خاص العهد
تقدير موقف لعمليات الجيش الروسي – اليوم السادس عشر
عمر معربوني | باحث في الشؤون السياسيّة والعسكريّة
مواضيع العرض: (مقدمة - مراسيم رئاسية روسية مرتبطة بالعملية - الجبهات).
أوّلًا: مقدمة
تدخل العمليّة العسكريّة الروسيّة الخاصة يومها السادس عشر في ظلّ مزيد من الهستيريا في الموقف الأميركي والأوروبي وهو أمر مفهوم للإستراتيجيين الذين يعرفون حقيقة ما يحدث انطلاقاً من فهم طبيعة المواجهة.
فما يحصل ليس مجرد عملية عسكرية بأهداف مباشرة ومحدودة. فنظرة تمعّن بسلّة الأهداف الروسيّة نُدرك تمامًا أنّ القضية بالنسبة لروسيا هي قضيّة وجود وليست مجرّد عمل عسكري عابر.
أنّ مطالبة روسيا بمنع عسكرة أوكرانيا ونزع أسلحتها يرتبط في الحقيقة بالتهديد الأميركي – الأوروبي وليس التهديد الأوكراني، فمنذ سنوات تسعى أميركا إلى تحويل أوكرانيا إلى قاعدة متقدّمة لـ "الناتو" دون الإعلان بشكل مباشر عن انضمامها لهذا الحلف، والهدف هو تحقيق التماس مع روسيا عبر الحدود الروسيّة – الأوكرانيّة وتثبيت مبدأ التفوّق والردع باستهداف موسكو والمدن الروسيّة بالصواريخ الأميركية أو حتّى عبر الصواريخ الأوكرانيّة بعد تزويدها برؤوسٍ نوويّة صغيرة قادرة على محو موسكو والمدن الروسيّة الكبيرة وقواعد الصواريخ الإستراتيجية بضربة واحدة مفاجئة حتى قبل أن تتمكّن منظومة الإنذار الروسيّة الإستجابة للتعامل مع الصواريخ المنطلقة من أوكرانيا بالنظر إلى عامل المسافة القريب والوقت القصير المطلوب لبلوغ الصواريخ أهدافها.
هذا الأمر موضوع على طاولة المخططين الغربيين منذ فترة طويلة ويتم العمل عليه بوتيرة متسارعة ويشمل إلى جانب القواعد الصاروخيّة مختبرات للحرب البيولوجية تهدف لنقل الفيروسات إلى روسيا عبر الطيور المهاجرة، والحشرات والخفافيش، وقد تم إنشاء 30 مركزاً للحرب البيولوجية حتى لحظة انطلاق العمليّة الروسيّة.
أمّا لماذا هذه المقدمة بعد مرور 16 يومًا على العمليّة العسكريّة الروسيّة الخاصة في أوكرانيا؟،
فالجواب هو: لأنّ روسيا لم تعد تستطيع التغاضي عن مستوى التهديد المتنامي، ولأنّ المعلومات الإستخباراتية أكّدت نيّة أوكرانيا مهاجمة إقليم الدونباس وجمهورية بيلوروسيا أيضاً.
اذن نحن أمام مرحلة مختلفة من المواجهة سينتج عنها بالتأكيد متغيّرات جيوسياسيّة كبيرة بحيث يمكن القول أنّ العمليّة الروسيّة هي بمثابة هندسة لمعالم المنطقة والعالم، وهذا ما يفسّر هذه الهيستيريا الغربية غير المسبوقة في مواجهة روسيا.
ثانيًا: مراسيم رئاسيّة روسيّة مرتبطة بالعملية
بتاريخ 11 آذار 2022، وبناء على اقتراح وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، وافق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على:
- مساعدة المتطوعين من الشرق الأوسط في الوصول إلى منطقة دونباس بغية المشاركة في الأعمال القتاليّة إلى جانب روسيا.
- تسليم المعدّات القتاليّة التي تم انتزاعها من القوات الأوكرانية خلال العملية إلى قوات جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين.
- تعزيز أمن الحدود الغربيّة للدولة الروسيّة بما يشمل نشر قوّات إضافيّة ومنظومات دفاعيّة متطوّرة هناك.
ووافق بوتين على المسألتين الأوليتين وطلب من شويغو إعداد تقرير منفصل بخصوص المسألة الثالثة بغية مناقشتها وتبنّي الإجراء المناسب.
ثالثًا: الجبهات
- استناداً إلى المتابعات المرتبطة بالجبهات في أوكرانيا، وبعد تمكّن القوّات الروسيّة من السيطرة على بلدات "ستيبنو"، "كرابفنيتسكو"، "كريمتشيك الصغرى"، "نوفو بيتريوكوفا" و"يالينسكويه""، وهي بلدات في شمال جنوب أوكرانيا في مقاطعة زابوروجيا بات واضحاً أنّ الجيش الروسي يسعى إلى بناء منطقة سيطرة واسعة على غرار المنطقة التي يعمل عليها شمال شرق وشمال غرب العاصمة كييف في الجنوب الأوكراني.
- الهدف من بناء هذه المنطقة هو بالضبط ما يحصل في محيط كييف القريب والبعيد الممتد حتى الحدود الغربيّة لروسيا.
- في الجنوب، تهدف العمليّة الحاليّة إلى السيطرة على كامل المنطقة الشرقيّة لنهر الدينبر وربطها بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين كخطوة ضروريّة لتوسيع قاعدة التموضع وتحسين شروط الإندفاعات الروسيّة اللاحقة.
- هذه الخطوة في الجنوب بالتوازي مع ما يحصل في الشمال ستسهّل للقوّات الروسيّة مستقبلاً الإندفاع من الشمال إلى الجنوب ومن الجنوب إلى الشمال بهدف السيطرة على الجزء الشرقي من أوكرانيا الذي يقع شرق نهر الدينبر.
- تقتصر العمليّات في الجانب الغربي من نهر الدينبر في الجنوب على توسيع بقعة السيطرة من خلال تحضيرات تنجزها القوّات الروسيّة حاليًّا في قطاعي ميكولاييف وباشتانكا وفي الشمال من خلال توسيع نطاق التموضع في قطاعي اربين وماكاريف غرب العاصمة كييف.
- من المؤكد أنّ القوّات الروسيّة واستنادًا إلى تجربة الإندفاع السريع في الأيّام الأولى للعمليّة باتت أكثر إدراكاً لضرورة تنظيم قواعد الدعم في المناطق التي سيطرت عليها داخل أوكرانيا وهو ما نستدلّ عليه من خلال خطوط الإمداد الطويلة التي تعمل ليل نهار منذ خمسة أيام من الداخل الروسي إلى مناطق السيطرة داخل أوكرانيا بحيث يمكن الجزم بأنّ انطلاق العمليات بزخمٍ كبير سيكون سمة المرحلة المقبلة.