معركة أولي البأس

خاص العهد

هل تستثمر دمشق في صراع روسيا مع الغرب؟
26/02/2022

هل تستثمر دمشق في صراع روسيا مع الغرب؟

محمد عيد

يبدو الباحث السوري المتخصص في الجيوبوليتيك والدراسات الاستراتيجية الدكتور حسن حسن انطلاقاً من أبحاثه المستفيضة عن الأزمة السورية بمختلف وجوهها وأبعادها الإستراتيجية وتداعياتها المحلية والإقليمية معنيًا أكثر من غيره ربما في الإجابة عن الأسئلة التي طرحها عليه موقع "العهد" الإخباري بخصوص انعكاسات ما يجري في أوكرانيا على سوريا، وتداعيات الأزمة على رغبة دمشق في الإفادة من هذا الصراع لمصلحتها في تحرير أرضها واستكمال معاني سيادتها سيما وأنها لم تتردد أبدًا في تظهير موقفها الداعم لموسكو لوجستيًا ودبلوماسيًا وإعلاميًا.

ـ ما هي انعكاسات ما يجري في أوكرانيا على الوضع في سوريا؟ وما رمزية ضم بوتين للإقليمين في الشرق الأوكراني أثناء وجود وزير الخارجية السوري في موسكو؟

إذا كان العالم بكليته قد تحول إلى "قرية كونية" في ظل ثورة الاتصالات والمعلومات، فمن السذاجة الحديث عن انفصال ما يجري في هذه المنطقة بتداعياته المحتملة وتأثيراته عن بقية المناطق، وبخاصة عندما تكون الأطراف المنخرطة في الاشتباك تتمتع بفاعلية وحضور على مسرح الأحداث في بقية المناطق، وهذا ما ينطبق على ما يجري في أوكرانيا وانعكاساته المحتملة على الوضع في سوريا. فالعامل الروسي رئيسي وفاعل في كلا الجغرافيتين، وكذلك العامل الأمريكي بخاصة والأطلسي بعامة. وبالتالي فإن مسارح العمليات لم تعد مقتصرة على بقعة جغرافية محددة، بل مترابطة بشكل أو بآخر ببقية الجغرافيا الكونية.

النقطة الأخرى التي يجب أن تبقى حاضرة في معرض الجواب عن مثل هذا السؤال تتعلق بالمنزلة المتقدمة التي يحتلها البعد الجيوبولتيكي في العلاقات الدولية وتجاوزه بأشواط كبيرة كل ما له علاقة بالجغرافيا السياسية التي تهتم بالدول كوحدات سياسية مستقلة. وفي ضوء هذا يمكن فهم انتشار القواعد العسكرية الأمريكية في شتى أصقاع الكون لضمان النفوذ والهيمنة والتدخل المباشر في الشؤون الداخلية للدول المستقلة، فضلاً عن الاحتلال الأمريكي المباشر لجزء من الجغرافيا السورية. ولا شك أن إعلان الرئيس الروسي الاعتراف باستقلال الإقليمين "دونتسيك وغلانسك" في الشرق الأوكراني بالتزامن مع وجود وزير الخارجية السوري الدكتور فيصل المقداد  في موسكو بزيارة رسمية يحمل دلالات ورسائل لها علاقة مباشرة بازدياد حدة الاشتباك بين الروسي والأمريكي من جهة، وبين الأمريكي الأطلسي ومحور المقاومة ممثلاً بسوريا واسطة عقد المقاومة من جهة أخرى، والدليل على ذلك زيارة وزير الدفاع الروسي لدمشق، وإشرافه المباشر على المناورات العسكرية التي شاركت فيها البحرية الروسية الموجودة في شرق المتوسط، وما رافقها من انتشار أخبار عن وصول أسلحة روسية إستراتيجية قادرة على تثبيت قواعد اشتباك جديدة، وتوجيه الصراع في مسارات حتمية لضمان عدم الانزلاق بذريعة سوء التقدير أو الأخطاء في قراءة الموقف  الضبابي المعقد المتشكل في هذه المنطقة الجيوستراتيجية من العالم.

هل تستثمر دمشق في صراع روسيا مع الغرب؟

ـ كيف تقرأ اعتراف سوريا بالإقليمين في شرق أوكرانيا؟ وما هي المكاسب السياسية التي يمكن أن تحصل عليها دمشق جراء هذا الاعتراف؟

الأمر الطبيعي أن تستند قراءة مثل هذه المواقف إلى مفرزات الصراع الدائر في المنطقة بعامة، وإلى تداعيات الحرب بالإرهاب المفروضة على الدولة السورية منذ عام 2011م.

روسيا الاتحادية اليوم ترفع الصوت في وجه الأمريكي والأطلسي وتؤكد بالأفعال قبل الأقوال أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست قدراً محتوماً لا يمكن مواجهته أو الوقوف أمام قطاره على سكته، بل يمكن إرغام أصحاب الرؤوس الحامية على إعادة الحسابات قبل التفكير بعربدات غير مضمونة النتائج، وهذا العنوان جزء مركب ومهم في ثقافة محور المقاومة ككل.

باختصار يمكن القول: إذا كانت السياسة في غالبية الدول عادة تقوم على المصالح فقط، فالسياسة السورية كما هو معروف عنها تستند ـ إضافة إلى ذلك ـ إلى المبادئ، ولا تسقط الجانب الأخلاقي من حساباتها قط، والإعلان عن استقلالية الإقليمين في شرق أوكرانيا هو حق مشروع لأبناء الدونباس الذين يتعرضون للاعتداء والاضطهاد ومحاولات التصفية من قبل السلطات في "كييف"، ومنذ 2014م. وهم يطالبون بالاستقلال بعد "الثورة البرتقالية" التي مكَّنت أتباع واشنطن من تغيير الاتجاه الرئيس لدفة السياسة الأوكرانية والاصطفاف في نسق حراس المصالح الأمريكية والأطلسية في شرق أوروبا.

 إن الإصرار على توسيع الحلف ووصوله إلى جغرافية تمكّنه من إيصال صواريخه النووية إلى قلب موسكو في غضون دقائق قليلة يمنح الدولة الروسية حق اتخاذ أية إجراءات سريعة وحاسمة للحفاظ على أمنها القومي بعد أن رفضت واشنطن والغرب الأطلسي مقاربة كل ما له علاقة بالضمانات الأمنية المطلوبة، متوهمين أنهم يستطيعون حشر روسيا في الزاوية الضيقة، وغير عابئين بتعريض الأمن والاستقرار في كامل شرق أوروبا إلى ارتجاجات قد تخرج عن السيطرة.

ـ ما أهمية الموقع الجيوسياسي لسوريا بالنسبة لروسيا في صراعها مع الغرب؟ وكيف يمكن للقواعد الروسية في سوريا دعم المجهود العسكري الروسي في المعركة؟

الجواب عن هذا السؤال يتطلب مزج معطيات "الجغرافيا السياسية" كفرع علمي يهتم بالبحث في عوامل قوة الدولة داخل حدودها السياسية مع "الجيوبولتيك" الذي يركز اهتمامه على زيادة عوامل قوة الدولة داخل حدودها السياسية وخارجها، وفي كلا الأمرين يحتل الموقع الجيوسياسي أهمية ذاتية، وعندما نتحدث عن جغرافية سوريا فهذا يعني النافذة الشرقية للبحر المتوسط، ولا يخفى على مطلع مهتم أن أحد أحلام القادة الروس منذ عهد القياصرة الوصول إلى المياه الدافئة التي تعني الانفتاح على العالم برمته.

الأمر الآخر الذي يمكن التوقف عنده يتعلق بما يشكله الموقع الجغرافي للدولة السورية من ميزة ترتبط بكل ما له علاقة بخطوط نقل روافع الطاقة في المنطقة، والكثير من الدراسات تؤكد أن أحد أسباب استهداف سوريا يكمن في رفضها تمديد خطوط الغاز القطري ليصل إلى تركيا، ومنها إلى أوروبا.

إضافة إلى ما ذكر، الوجود العسكري الروسي المباشر على الجغرافيا السورية وشواطئ المتوسط له أهميته في وضع حد للأحادية القطبية والانتقال إلى نظام عالمي جديد، لا تستطيع فيه أمريكا فرض أجندتها الخاصة على الآخرين.  

ـ إلى أي درجة يمكن لأنقرة أن تتورط في هذا الصراع؟ وماذا لو لعبت لعبة المضائق؟ وكيف ستسفيد دمشق من هذا التناقض الروسي ـ التركي لو حصل؟

 تركيا أولًا وأخيرًا ما تزال رأس حربة حلف شمال الأطلسي في المنطقة، والحارس الرئيس لحدود "الناتو" الجنوبية، وعندما تقدم تركيا على اتخاذ مواقف تبدو أنها غير منسجمة مع السياسة الأمريكية، فالأمر لا يعدو أن يكون لأحد السببين التاليين:

تكامل الأدوار وإسناد المهام المتنوعة لمنفذين متعددين، وتركيا أردوغان أحدهم.

سياسة الكذب والنفاق والتمثيل التي يبرع بها أردوغان.

قد يطيب لأردوغان اللعب على الحبال المتعددة فتارة يتحدث عن صفقة صواريخ "S400" مع روسيا، وأخرى يتماهى مع تفاصيل السياسة الأمريكية متوهمًا أنه يستطيع استغلال التناقضات القائمة بين روسيا وأمريكا، والواضح أن واشنطن وموسكو تدركان أنه ينافق، وهو يعلم أنه مكشوف.

الأمر الآخر الذي يجب التوقف عنده في هذا السياق يتعلق بالمشغل الأمريكي، فبعد مرور أكثر من عامين على تعهد الإدارة الأمريكية السابقة بفصل المجموعات الإرهابية المسلحة التي أسموها متشددة عن الأخرى التي منحوها وسام "المعارضة المسلحة المعتدلة" ووصول الأمور إلى حائط مسدود، كان المخرج بتكفل تركيا بتنفيذ ذلك عبر منصات "أستانا" و"سوتشي"، وما تزال الحكومة التركية تناور وتحافظ على الإرهابيين المسلحين المنتشرين في الغرب والشمال الغربي برعاية تركية مباشرة، وبالتالي الدور التركي اليوم ه.

الموقف التركي المناوئ للسياسة الروسية تجاه أوكرانيا لم يولد بعد التصعيد الأخير للأحداث، ولا هو منحصر بالتنديد العلني بما أسموه "الغزو الروسي لأوكرانيا" بل هو سياسة تركية معلنة منذ سنوات، لكن منطق العلاقات الدولية يفرض معطياته على الجميع، ولا شك أن هذا الموقف العلني التركي الجديد سيترك ارتداداته على السياسة الروسية، لكن قد لا يكون بشكل آني ومباشر.

موقف الأصدقاء الروس من المماطلة التركية والتهرب من تنفيذ ما تعهدت به أنقرة ليس جديدًا، وقد يرتفع الصوت الروسي أكثر، لكنه لن يصل ـ وفق قراءتي الذاتية ـ حدود التصعيد الميداني ضد الوجود العسكري التركي المباشر على الأراضي السورية، مع العلم أن موسكو توصف الوجود التركي والأميركي بالاحتلال الذي يجب وضع نهاية له بأسرع ما يمكن.

أما ما يتعلق بموضوع استعادة الدولة السورية إدلب إلى كنف الوطن فهذا أمر حتمي بغض النظر عن مواقف تركيا المساندة للسلطات في العاصمة الأوكرانية كييف، مع الأخذ بالحسبان موضوع التعاون والتنسيق مع الأصدقاء الإيرانيين والروس لإعطاء الفرصة كاملة للتفاهمات السياسية.

إقرأ المزيد في: خاص العهد

خبر عاجل