خاص العهد
هل تصطدم خطة الكهرباء بمعضلة التمويل؟
فاطمة سلامة
لا يخفى حجم المعاناة التي يرزح تحتها اللبنانيون جراء أزمة الكهرباء. تُعد هذه الأزمة بمثابة قصّة إبريق الزيت التي لا تنتهي فصولها. يدفع المواطن فاتورتي كهرباء تُرهقان جيبه، وسط وعود بتحسُن التغذية في القادم من الأيام. تلك الوعود التي لا تزال منذ أكثر من عقد بمثابة "وعود في الهواء" فيما تسير التغذية الكهربائية يومًا بعد يوم الى الوراء ليُصبح معها مجيء الكهرباء بمثابة حُلم لدى كثيرين لم يتمكنوا من اللجوء الى خيار المُولّد.
وعلى مدى سنوات خلت، أُعدّت الخطط لحل مشكلة الكهرباء المزمنة. إلا أنّ تلك الخطط لم تُبصر النور لأسباب عدّة. تارةً كان يُقال بسبب نقص في التمويل، وتارةً أخرى يتم ربط المسألة بـ"التجاذبات السياسية" ليبقى المواطن رهين "اللاتنفيذ". أمس الجمعة، أقرّت الحكومة "موافقة مبدئية" على خطّة الكهرباء التي تقدّم بها الوزير وليد فياض تحت عنوان "الخطة الوطنية للنهوض المستدام في لبنان" وسط وعود بتحسن التغذية الكهربائية. فما لهذه الخطة وما عليها؟ هل يُكتب لها هذه المرة الحياة والنجاح وتتحوّل البنود المكتوبة بموجبها الى واقع ملموس أم أنها ستصطدم بعقبات ليتكرّر سيناريو الخطط السابقة؟.
العبرة في التطبيق
مصادر متابعة لملف خطة الكهرباء تلفت في حديث لموقع "العهد" الإخباري الى أنّ الخطة التي تقع بحوالى 40 صفحة فيها الكثير من الوعود الجيدة من حيث الشكل لكن العبرة تبقى في التطبيق. هي خطّة لا تختلف كثيرًا عمّا سبقها من خطط لكن ثمّة عقبة أساسية تواجهها تتمثّل بالتمويل. تنفيذ الخطة كما هو وارد في بنودها يتطلّب حوالى المليار دولار سنويًا، وكلنا يعلم حجم الأزمة المالية والنقدية التي يتخبّط فيها لبنان.
من معضلة التمويل تنطلق المصادر الى ما هو مكتوب ومدرج في الخطة لتُبيّن أنّ ثمة وعودا بزيادة التغذية الكهربائية من 8 الى 10 ساعات كمرحلة أولى في عام 2022.
هذه الزيادة مرهونة -وفق الخطة- باستجرار الكهرباء من الأردن عبر سوريا والغاز من مصر. من الناحية التقنية تلفت المصادر الى أنه يتم وضع اللمسات الأخيرة في هذا الملف بانتظار الضوء الأخضر الأميركي الذي لا يزال حتى اللحظة مبدئيًا وسط مخاوف من أن تكون هذه الموافقة المبدئية بمثابة تقطيع للوقت لا أكثر خاصة أنّ الجانب الأميركي غير جدي.
وبحسب المصادر، فإنّ هذه المرحلة الانتقالية وفي حال سارت فيها الأمور على ما يُرام وفق ما هو مرسوم سنصل الى إنتاج يتراوح بين 900 و1000 ميغاوات ما يؤمّن 8 الى 10 ساعات يوميًا، لينتقل بعدها الحديث عن رفع التعرفة، وهو ما اشترطه داخل الجلسة وزراء حزب الله مشددين على ضرورة أن لا تكون مسألة رفع التعرفة قبل رفع الانتاج ما أدى الى التوصل للصيغة الآتية: "رفع التعرفة بعد تحسين التغذية ابتداء من 8 الى 10 ساعات يوميًا مع مراعاة وضع ذوي الدخل المحدود ووضع القطاعات الصناعية والزراعية بحيث يستفيد جميع هؤلاء من تعرفة خاصة (مخفّضة). وفي هذا السياق تلتزم الحكومة بتعديل التعرفة بشكل تدريجي وعلى مراحل من سنتين الى 4 سنوات بالتزامن مع تحسين التغذية بالشروط عينها المشار اليها آنفًا بما يسمح بتغطية التكاليف".
ووفق الخطة، سيعمد الوزير الى إجراء مناقضات لثلاثة معامل عام 2022 كل واحد منها يوفر 825 ميغاوات؛ أوّل في الزهراني، ثان في دير عمار والثالث في سلعاتا. ووفق المصادر، جرى في هذا السياق خلاف داخل جلسة مجلس الوزراء حيال المعمل الأخير جرى الاتفاق عقبه على إقرار المعامل الثلاثة شرط السير بهم تدريجيًا ليصبح معمل سلعاتا في آخر القائمة.
كما يعتزم الوزير -بموجب الخطة- في عام 2023 استئجار معمل مؤقت من مصر بحيث يتم وضعه في دير عمار للاستفادة أكثر من الغاز المصري، بموازاة وضع محطة تغويز عائمة في الزهراني لتشغيل معمل الزهراني، ما يمكّننا من الوصول الى إنتاج ما يفوق الـ2000 ميغاوات أي ما يتراوح بين 16 الى 18 ساعة تغذية يوميًا.
وبحسب الخطة من المفترض أن نصل الى إنتاج كهرباء 24/24 في عام 2026 بعدما يتم الانتهاء من المعامل في أعوام 2024، 2025، 2026. لكن المصادر تعود وتؤكّد في نهاية حديثها أنّ ما هو مدرج في الخطة "جميل" لكنّه يحتاج الى تمويل، والأخير غير موجود حاليًا للأسف ما قد يُصعّب مهمة التنفيذ.
بيضون: خطة "مكانك راوح" والتمويل عقدة أساسية
المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة والمياه الدكتور غسان بيضون يرى في حديث لموقعنا أنّ الخطة كما وردت وشرحها وزير الطاقة هي خطة "مكانك راوح" مبنية -وفق قناعاته- على الكثير من "الأوهام" ومعلّقة على العديد من الشروط المرتبطة بعدة مرجعيات منهم: البنك الدولي، مصر، الأردن، السفيرة الأميركية في لبنان. وفق قناعاته، ينقص الخطة المذكورة الكثير من إمكانيات النجاح خاصة من الناحية المالية التي تشكّل نقطة ضعف أساسية فيها.
وبحسب بيضون، فإنّ أكثر ما يُضعف نجاح الخطة هو ارتباطها بعدة شروط منها استمرار النفط العراقي، استجرار الغاز المصري، الحصول على كهرباء من الأردن، إقرار سلفة الخزينة والدعم من الموازنة العامة. كل هذه الشروط لا بد أن تجتمع ليتوفر لدينا تغذية كهربائية تتراوح ما بين 8 الى 10 ساعات. وبرأي بيضون، من الصعب أن تجتمع هذه الشروط خاصة أن وزير الطاقة قال "بعظمة لسانه" في مقابلة تلفزيونية: "لا أستطيع أن أعد"، ما يعني أن لا أحد بإمكانه أن يحسم في هذا الملف.
ويرى بيضون أنه في حال نجحت الخطة وجرى توفير الـ10 ساعات من التغذية، فثمة سؤالان لا بد من الإجابة عنهما؛ أولًا من سيغطي التكلفة المالية التي تبلغ حوالى المليار دولار سنويًا؟ خاصة أن تعويل المعنيين على رفع التعرفة غير منطقي، فهذه القضية معقدة جدًا وسط الهدر الحاصل على الشبكة والذي يبلغ 40 بالمئة. وثانيًا؛ في حال تأمن للمواطن الـ 10 ساعات فمن أين سيؤمن الـ14 ساعة المتبقية؟. بالتأكيد من المولد الذي سترتفع أسعار الفواتير فيه -يقول بيضون- مع ارتفاع أسعار النفط العالمي والتلاعب الحاصل بسعر صرف الدولار، وبالتالي في حال وفّر المواطن في فاتورة لـ10 ساعات سوف يدفع لاحقًا الفارق بفاتورة المولدات.
الخطة ولدت "ميتة"
وفق قناعات المتحدّث، فالخطة تعطّلت اذا ما قاربناها من الناحية المالية التي تحتاج الى تكاليف لتغطية المرحلة الأولى، وعليه، فالخطة ولدت "ميتة"، لأنّ الواقع لا يُعطيها فرصًا للنجاح. ما الحل اذًا؟ يلفت بيضون الى أنّ الحل يكمن في عدة خيارات عبر استغلال الامكانات المتوافرة حاليًا للتخفيف من حدة الأزمة في ظل عجز الدولة والخزينة وعدم الاستعداد الدولي لحل أزمة لبنان الا بشروط سياسية صعبة جدًا ومعقدة.
وعليه، يرى بيضون أن الحل يكمن في مستويين:
أولاً، السماح للناس على المستوى الفردي بتركيب طاقة شمسية وتطبيق القانون 462/2002 والذي ينص على أنّ انتاج الطاقة للاستخدام الخاص لا يحتاج الى اذن أو ترخيص بل فقط الالتزام بالشروط البيئية والصحية والسلامة العامة عبر تكريس شروط معينة بقرار توكل مهمة تطبيقه للبلديات.
ثانيًا، تملك الدولة ملايين الأمتار المربعة بدءًا من البقاع والجنوب بإمكانها أن تضعها في تصرف الراغبين بالاستثمار في الطاقة الشمسية. وفق بيضون ثمة أكثر من مستثمر وصناعي راغبين بالاستفادة من هذه الأراضي. وهنا يلفت المتحدّث الى أنّ ميزة الطاقة الشمسية تكمن في سرعة بنائها وتدني كلفة إنتاجها ما يوفّر أقله 500 ميغاوات يضاف اليها الغاز المصري.