خاص العهد
شتاء قطبي هذا العام: هل دخل لبنان سباق التطرف المناخي؟
يمنى المقداد
ضربت العاصفة الثلجية "هبة HIBA" لبنان الأسبوع المنصرم، ولعلّها ضربة مستحبّة -رغم بردها القارس- كونها تحمل الخير، كما تختلف عن الضربات التي يتلقاها لبنان منذ نحو عامين ولا يزال.
الضربة المسدّدة قطبية، ووفق دائرة التقديرات في مصلحة الأرصاد الجوية فإنّ لبنان والحوض الشّرقي للمتوسّط لا يزالان تحت تأثير منخفض جوّي متمركز فوق تركيا، يحمل معه أمطارًا وثلوجًا.
ما يلفت دائمًا تسمية العواصف، فهل من دلالات لذلك؟
رئيس مصلحة الأرصاد الجوية في مطار بيروت الدولي مارك وهيبة أشار لموقع "العهد" إلى أنّ العواصف لا تسمى عادة بل الأعاصير، وهذا على صعيد دولي، إنّما بدأت بعض المؤسسات في لبنان منذ حوالي 8 سنوات بإطلاق أسماء عشوائية كلما تساقطت الأمطار الغزيرة والثلوج على جبالنا، لافتًا إلى أنّ مصلحة الأرصاد الجوية هي الوحيدة المخولة رسميا التعاطي بشؤون الرصد الجوي، وأنّها تطلق أسماء اذا كانت هناك ظروف استثنائية تؤثر في حسن سير نشاط الناس تبعا لعنصرين: اولا إذا كانت سرعة الرياح ستتجاوز 80 أو 90 كلم بالساعة، وثانيا، اذا كانت الثلوج ستتساقط إلى ما دون الـ 1000 متر.
إلى ذلك، كان اللافت إطلاق اسم "هبة" على هذه العاصفة، ما استدعى تساؤلات كثيرة عن سبب التسمية، ليظهر وفق وهيبة أنّ المصلحة وضعت جدولا بالأسماء، من دون أن يكون هناك سبب محدد للتسميات عموما.
نظرا لبردها القارس، تداول الناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي أنّ لبنان لم يشهد مطلقا عاصفة بهذه القساوة، فيما نفى وهيبة ذلك، قائلا إنّنا سبق وشهدنا عدة عواصف كانت توازي هذه العاصفة وتتخطاها أحيانا كما في العام 2012، وأخرى أقوى منها في العام 2015 بعد رأس السنة مباشرة وكانت تسمّى "زينة".
تحدّد المنخفضات ضمن عشرة أيام فقط
لم تكن "هبة" أولى العواصف ولن تكون آخرها هذا العام، فقد سبقها بالوصول منخفض جوي نهاية الأسبوع الماضي، فهل هذا يدلّ على أنّ شتاءنا قاس هذا العام؟
يجيب وهيبة أنّ هذا ليس لنا سيطرة عليه، وإن كنّا شهدنا منذ بداية السنة المطرية، (أوائل أيلول) عدة منخفضات جوية قويّة وخفيفة، مؤكدا أنّه بالإمكان تحديد حركة المنخفضات الجويّة لحوالي عشرة أيام فقط، ونأخذ التوجه العام، فيما يصبح هامش الخطأ أكبر بعد هذه المدة، فالمعلومة تكون صادقة ضمن أربعة أيام إلى حدود الأسبوع.
أمّا إن أردنا أن نعرف من حيث الفترة طويلة الأمد، أو النظرة الموسميّة، على ما يقول وهيبة، فإنّ الدراسات التي تنجز وفق الموسم لا تعنى بعدد المنخفضات، إنّما تعطينا فكرة عامة، حول معدّل أمطار هذا العام، كاشفا أنّ التقدير الموسمي لهذه السنة هو احتمال 50% أن تكون أمطارنا دون المعدل، و30% أن تكون ضمن المعدل، و20% فقط أن تكون أكثر من المعدل.
لا يمكن تحديد عدد العواصف
برأي وهيبة، لا أحد يستطيع أن يحدد عدد وطبيعة العواصف القادمة إلى لبنان، في المقابل يجزم بأنّه مقارنة مع السنوات الماضية، هذه أقل سنة يتمتع فيها الناس بجهوزية لاستقبال أي نوع من أنواع الظروف، فالوضع الاقتصادي والمالي صعب، والظروف الإنسانية والمعيشية ضيقة جدا.
وحول أهميّة المتساقطات من أمطار وثلوج في فصل الشتاء، يشير وهيبة إلى ضرورتها منعًا لأي معاناة صيفًا، وإلّا لن تكون لدينا تغذية لمياهنا الجوفية، وسيكون هناك شح كبير في فصل الصيف، متمنيًا أن يكفينا الشتاء حاجتنا من المياه والثلوج، للوصول إلى صيف تكون فيه ظروفنا مقبولة تسمح لنا بأن نتخطى أزمات المياه دون صعوبات.
تحذيرات
يولي وهيبة أهمية للتحذيرات في هذه الأوقات من السنة، والتي تنقسم إلى أربعة عناصر، أولها يتعلق بكمية المتساقطات (أمطار أو ثلوج)، وخطر تشكل السيول أو الفيضانات أو انجرافات التربة، موصيًا الناس بالابتعاد عن مجاري الأنهار وأي مسلك مائي، يمكن أن يرتفع منسوب المياه فيه.
فيما يتعلّق المجال الثاني بالرياح، فإذا اشتدت سرعتها إلى ما فوق 80 أو 90 كلم بالساعة، يبرز خطر تطاير اللوحات الإعلانية وألواح الطاقة الشمسية التي انتشرت مؤخرًا على أسطح المباني، وهي عرضة لأن تقتلعها الرياح الشديدة أو تكسرها، وهناك خطر اقتلاع الأشجار، موصيًا بعدم الوقوف أو ركن السيارات تحتها. وأشار الى "ما تسببه الرياح الشديدة بحال البحر من ارتفاع للموج، ما يؤدي إلى مشاكل على صعيد الأنشطة البحرية"، ونصح من يملك زوارق صغيرة بربطها أو رفعها من المياه لحمايتها.
والتحذير التالي خاص بالجليد، فقد شهدنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي حوادث متكررة في المناطق الجبلية بسبب الانزلاقات، وفي هذا الاطار، شرح وهيبة أنّ الأمطار الغزيرة والرياح العاصفة تخلّف وراءها طقسًا مشمسًا وجليديًا، وطلب من الناس توخي الحذر اتجاه الانزلاقات التي يمكن أن تحصل على الطرقات الجبلية بسبب تكون الجليد، وحثهم على عدم سلوك الطرقات الجبلية في فترات الصباح الباكر، إذ يكون الجليد متكونا ولم يذب بعد، مضيفًا تحذيرًا متعلقًا بالرؤية التي تصبح سيئة جدًا عند تساقط الثلوج ما يعرض السائقين لخطر حوادث السير أو الاحتجاز تحت الثلج.
التغير المناخي في لبنان: لن نرى اعتدالًا
شهد العالم في العام المنصرم تسارع شدة الكوارث الطبيعية، فهل دخل لبنان سباق التطرف المناخي؟ وهل ما نشهده من عواصف ثلجية وبرد قارس هو من علامات التغيّر المناخي في لبنان؟
رغم كل ذلك، لا يزال لبنان وفق وهيبة من المناطق الأكثر اعتدالا بسبب موقعه على الكرة الأرضية، فهو موجود تقريبا على 33 أو 34 درجة شمالا، ليس حارًا وليس باردًا كثيرًا، هو منطقة معتدلة جدًا، ومن أفضل ما يوجد على الكرة الأرضية، موضحًا أنّه لهذا السبب فإنّ انعكاسات التغير المناخي عليه ليست كبيرة جدًا ولا ملموسة مقارنة مع بلدان ومناطق أخرى، ولكن هذا لا ينفي بحسب وهيبة أننا نتأثر بهذا التغير المناخي، الذي لا يترجم في ما نراه من طقس قارس فهذا طبيعي وليس استثنائيا.
ولفت إلى أنّ السيناريوهات المطروحة كتغير مناخي تأثيرها مغاير لما يظنّه الناس من أنها "رح تخرب الدنيا بشكل ما منتصورو فعليا"، فالتغير المناخي سيجعل من الظروف القصوى أكثر تطرفًا وقساوة، على سبيل المثال إذا كانت في الماضي تمطر باعتدال على فترة أسبوع، فسيناريو التغيّر المناخي يقول إنّ نفس الكمية من الامطار ستتساقط في ثلاثة أيام وبغزارة، مؤكدًا أنّ هذا هو السيناريو المطروح للمستقبل، لن نرى اعتدالًا بل ظروفًا ربما تكون قصيرة زمنيًا إنّما قوية بالكميات التي ستحملها.
كما أعطى مثالًا حول فصل الصيف أنّه يمكن أن نشهد زيادة في عدد ايام الحر، إنّما ليس بالضرورة أن نسجل ارقاما قياسية في درجات الحرارة، فإذا كنا نشهد على سبيل المثال، يومين من الحر الشديد في فصل الصيف فربما نشهد 8 أو 10 أيّام، ويمكن أن تزيد تدريجيًا حتى 20 أو 40 يومًا.
التغيّر الحراري وذوبان الثلوج
استغرب وهيبة التداول بشأن أن درجات الحرارة المتغيرة تتسبب بذوبان الثلوج سريعا في لبنان وكأنه تحصيل حاصل على حد تعبيره، موضحًا أنّ هذا غير مؤكد، فهناك ثلوج تساقطت، وسيليها درجات حرارة باردة نسبيًا، وستتبعها ثلوج أخرى وتتراكم، كاشفًا أنّ هذا السيناريو المتداول لا يحدث دائما، إذ يجب أن نراقب لفترة زمنية طويلة للتأكد من أن لدينا "تراند" بهذا الاتجاه، ولا بدّ أن نحدد أثر تغيرات الحرارة على نسب الثلوج الموجودة ونسبة المياه التي تمتصها الأرض والنسبة التي تجري على وجه الارض وتنتهي في البحر.
من المتوقع أن يستمر شتاء العام 2022 قاسيًا ومتطرفًا، فيما لا يمكن تحديد حركة المنخفضات الجويّة إلّا بحدود 10 أيّام كحد أقصى، إنّما ما يمكن تأكيده هو عدم جهوزية الناس، فالدفء مكلف ومهدّد بالاحتكار، لا سيّما مع التذبذب المتواصل في سعر صرف الدولار.