خاص العهد
زعفران البقاع.. نافذة أمل زراعية فهل تُعمّم؟
لطيفة الحسيني
الأمل بالزراعة المحلية ليس دُعابة. في خضمّ كلّ الكوارث، هناك من لا يزال يثق بالإنتاج اللبناني وأرضه. إيمانٌ بقدرات وسواعد عانت أزمات شتّى، وعاشت إهمالًا وحصارًا لعقود، يبعث على التفاؤل مجدّدًا.
قد تكون الزراعات البديلة اليوم خلاصًا للاقتصاد الوطني. بينها ما لم يألفه اللبنانيون: الزعفران. عند البحث عن مُبادرات خاصّة بهذه النبتة، يتبيّن أن أكثر من تجربة عُمّمت في السنوات الماضية، لكنّ الحديث عنها غائب تمامًا.
يعود أصل الزعفران البيولوجي الى الحوض الشمالي الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وعلميًا هي نبتة مُعمّرة من عائلة السوسنيات، تحتوي على جهاز تكاثري.
عشرات المناطق شهدت تجارب زراعة الزعفران في لبنان. بحسب رصد دقيق حصل عليه موقع "العهد الإخباري" من مؤسّسة جهاد البناء، يظهر أن أكثرها جديّة واستمرارية كان في الهرمل مع السيدة مريم مرتضى (2000)، وفي بلدة القاع البقاعية مع المزارع خليل وهبي وابنه يوسف (2000 أيضًا)، وفي بعلبك مع مركز الشهيد السيد عباس الموسوي للتنمية والإرشاد الزراعي (2011)، الى جانب تجارب أصغر في بلدات بقاعية وجنوبية.
المناطق التي شهدت زراعة زعفران في لبنان
زعفران القاع
تُعتبر تجربة القاع مميّزة من حيث ضخامتها على مستوى لبنان. يوسف خليل وهبي، صاحب المشروع هناك، تحدّث لـ"العهد" عن نشاطه في زراعة الزعفران وبيعه. وعلى الرغم من أنه لا يعتمد عليه وحده كمصدر دخل أساسي، إلّا أنه يعتبره متميزًا عن غيره من المشاريع.
يقول وهبي إنه بدأ ووالده بهذه الزارعة عام 2000، حين أخذا 250 بصلة ضمن مشروع مشترك بين وزارتي الزراعة والداخلية وزّعتا خلاله بصلات على نحو 200 مزارع كمشروع زراعات بديلة، لكن آل وهبي استمروا بنشاطهم الى اليوم.
وفق وهبي، في البداية كانت المساحة المزروعة بـ250 بصلة تغطّي متريْن مربّعيْن، أمّا اليوم فنحن أمام 10 آلاف متر مزروعة بنبتة الزعفران، "مع العلم أن لدينا بصل زعفران يستطيع أن يغطّي مساحة أكبر، لكن ليس لدينا أراضٍ لذلك ولا حتى قدرة مادية".
ويضيف "عندما أعطتنا الدولة بصلات الزعفران لم تكن تُصدّق أنه أصبح هناك زعفران في لبنان. والمعنيون في وزارة الزراعة كانوا يصرّون على أن الزعفران فقط يأتي من الخارج ويُزرع في دول أخرى. ومع الوقت، بدأ الناس بفعل الحديث المتكرر والمتواتر عن الموضوع يثقون بأن هناك زراعة زعفران في المنطقة".
وعن التكلفة المالية للمشروع، يشير وهبي الى أنها تكمن في شراء البصل، فمثلًا زراعة الدونم تحتاج الى 5000$ كتكلفة بصلات زعفران. أمّا أسعاره كشعيرات فتختلف عمّا كانت عليه قبل الأزمة، وقتها كان غرام الزعفران بـ10$ أمّا اليوم فبثلاثة دولارات.
التحدّي الأهمّ بالنسبة لوهبي هو في تصريف الإنتاج، إلّا أنه يلفت الى أن "الوضع تبدّل بعدما كان الاعتماد والطلب على الزعفران الخارجي وحده بسبب أسعاره الرخيصة، فغلاء الدولار وتراجع الاستيراد وأزمة "كورونا" انعكست إيجابًا على منتجنا وصرنا نبيعه للمحلات التجارية الكبيرة".
وعليه، يصف الإقبال على الزعفران اللبناني المُنتج في القاع بالجيّد على الرغم من أنه لا يعدّ سلعةً شعبية للاستهلاك، ولا سيّما بعد أن خضع لفحوصات وتجارب مخبرية أثبتت أن جودته ممتازة وتُضاهي المستورد.
ولأنّ الطلبات على شراء بصل الزعفران الى تزايد، يدعو وهبي جميع المُزارعين لاعتماد هذه الزراعة اليوم.
الزعفران ينجح في لبنان
علميًا، يشرح المهندس الزراعي في مؤسّسة جهاد البناء حسن سماحة لـ"العهد" أن "الموعد الأنسب لزراعة نبتة الزعفران يمتدّ من 15 آب حتى آخر أيلول، وأزهاره تبدأ بالظهور مع أول "شتوة" في أيلول وتستمرّ حتى كانون الأول، لكن بسبب التغيّرات المناخية، فترة الإزهار أصبحت تتأخّر الى كانون الثاني، ثمّ تستمرّ بإعطاء ورق أخضر وصولًا الى نيسان ليذبل".
يقول سماحة: يُفضَّل أن تقطف الزهرة في الصباح الباكر لتُحافظ على خواصّها، على أن الزراعة ككلّ تنجح في الأماكن التي ترتفع عن سطح البحر 500 متر وما فوق، وفي التربة التي تُصرّف المياه ولا تُخزّنها. والبصلة تُزرع لمرة واحدة فقط، ثمّ بعد 4 سنوات تُعطي بمعدّل وسطي من 10 الى 20 بصلة جديدة.
"جهاد البناء" عملت على توزيع كميّات من بصل الزعفران كي يخوض المزارعون اللبنانيون هذه التجربة. وحسب كلام سماحة لـ"العهد"، جرى توزيع بصلات في أكثر من منطقة بدءًا من شبعا وصولًا الى عكار.
وبحكم خبرته في هذا المجال، يرى سماحة أن زراعة الزعفران ليست مُتعبة وكلفتها الأساسية تتركّز في اليد العاملة أكثر من غيرها ولا سيّما على صعيد التعشيب والقطاف، خاصة أنها لا تحتاج الى ريّ إلّا في حال تأخّر موسم الأمطار.
ويخلص الى أن هذه الزارعة قادرة على أن تنجح في لبنان، لكن التحدّي الرئيسي لها يقوم على تصريف الإنتاج في الأسواق المحلية والدولية.