خاص العهد
آل خليفة يناورون دون جدوى: استدراجات فاشلة
لطيفة الحسيني
كلّ شيء في البحرين يشي بمزيد من التأزّم والجمود. السلطة في وادٍ والشعب ومطالبه في وادٍ مُختلف تمامًا. محاولات إيجاد مخرج لكلّ النوائب المتفاقمة قد تكون معدومة. آل خليفة قرّروا العدم وليس الحلّ. رموز المُعارضة يقضون مؤبّداتهم في السجون، والشعب يصرخ من أجل حقوقه، أمّا الحكام فارتأوا تركيز اهتماماتهم على الحلفاء الجدد أو القُدامى: الصهاينة.
أكثر من موقف أطلق المرجع الوطني الكبير في البحرين آية الله الشيخ عيسى قاسم ممّا يُصيب المملكة. برأيه، الحلّ بالحوار مع المُعارضة ومن يمثّلها فعليًا وليس شكليًا، وعن طريق ما يُحقّق العدل ويضمن الاستقرار ولا يُصادر رأي الشعب. رسالةٌ جليّة يُخاطب فيها البحرينيين الأصيلين بلغةٍ مباشرة، لكي لا يقعوا في شُبهة أو تهتزّ ثوابتهم. الغاية المنشودة رغم تعنّت النظام الحفاظ على صلابة حراكهم بوجه جوْر آل خليفة.
استدراجات بالجملة بلا فائدة
المتغيّرات الوحيدة في المشهد البحريني الداخلي هي مناورات السلطة بوجه كلّ مناهضٍ لها. هذا ما لمّح إليه آية الله قاسم عندما تحدّث عن عمل جارٍ يستهدف خلخلة صفوف المعارضة وتفكيكها. مدير المكتب السياسي لائتلاف ثورة 14 شباط/فبراير الدكتور ابراهيم العرادي يكشف لموقع "العهد الإخباري" أن "حكّام آل خليفة يحاولون أن يأخذوا نصرًا إعلاميًا وهميًا على المعارضة لضربها، عبر إعطاء وعود وضمانات كاذبة لبعض الشخصيات التي لا تمثّل أحدًا من الشعب"، ويجزم بأنهم "لم يستطيعوا أن يحصلوا على أيّة شخصية نافذة من المُعارضة من أصحاب الكفاءة رغم الاغراءات التي قدّموها.. الرفض السياسي الشعبي هو الجامع، والكلّ ملتفٌّ وراء توصيات الشيخ عيسى".
العرادي يشير الى أن "السفارة البحرينية في لندن تلعب دورًا أساسيًا في هذه المحاولات وهناك بعض من يعمل في الخفاء لصالح النظام لاستدراج المُعارضة عبر علاقات شخصية واغراءات مادية وغير مادية وإيحاءات مُعيّنة وإرسال وفود خاصة حتى"، وهنا يضرب مثلًا الكمين الذي تعرّض له النائب السابق خالد عبد العال الذي ذهب الى المغرب وتونس ثمّ عاد الى المنامة بعد أن استُدرج بالاحتيال، وما لبثَ أن سُجن واختفى أثره ولا أحد يعرف عنه شيئًا اليوم".
ويؤكد العرادي لـ"العهد" أن "السلطة وبعد عجزها بالسياسة والقوة والترهيب والسلاح، تُريد عبر اغراءات أخرى أن تُثبت للمجتمع الدولي أنها صاحبة حوار وتسامح بالاستشهاد بمن رجعوا الى الوطن والزعم بأنهم لم يتعرّضوا لشيء".
من موقعه كقيادي في ائتلاف ثورة 14 شباط/فبراير، يجزم العرادي بـ"أننا لن نكون رخيصين أمام هذه السلطة التي ترمي الى تحويل هذه الشخصيات البسيطة في المُعارضة الى مُطبّعين مع الصهاينة، على قاعدة أن من يهن يسهل الهوان عليه".
ولأن مدرسة آل خليفة مُتطابقة مع نهج آل سعود، لا يستبعد العرادي تكرار سيناريو جمال خاشقجي مع إحدى شخصيات المعارضة، فالوحشية واحدة.
أمام هذا الأسلوب المتشدّد والغليظ، لا يرى القيادي المعارض أملًا في أن تُبدّل السلطة سياستها باتجاه حلحلة الوضع أو التجاوب مع مبادرة آية الله قاسم، غير أنه يشير الى أن "آل خليفة يعرفون مكانة سماحته لدى البحرينيين، وهم لا يتحمّلون مواقفه، بل يُصرّون على رفض كلّ ما يطرحه أو يتقدّم به".
بحسب العرادي، السلطة تقرأ جيّدًا بيانات الشيخ عيسى وتُدار بين أروقتها حروفها ومفرداتها، ولذلك ليس لديها نيّة لإعطائها مساحة في الإعلام أو الردّ، بل تذهب الى صُحفها لمُهاجتمها، ما يعني أنها على بيّنة من كلّ ما يحصل غير أنها تُكابر بإرادتها وتتغاضى عمدًا مع كلّ قضية تخصّ الشعب.
اذا كان الملك وأعوانه لا ينوون التقدّم بأيّة خطوة باتجاه الشعب، فلماذا استقبل قبل أشهر عديدة عالم الدين البارز السيد عبد الله الغريفي وهل قد يعقبه اجتماعات مُماثلة؟ هنا يجيب العرادي في حديثه لـ"العهد": "السيد عبد الله شخصية علمائية محترمة وواجهة مقدّرة في الداخل والخارج وشخصٌ يملك من الوطنية الكثير وهو مدرِّس لذلك، غير أنه هو خرج من اللقاء ليؤكد أنه لا يمثّل أحدًا، وعليه ومنذ ذلك الوقت ليس هناك أيّة مؤشرات إيجابية لإمكانية حلّ يبينه النظام أو أن يتقارب به مع المعارضة"، ويتابع "الحلّ الشامل يعتمد على المعارضة ورأي الشعب في المملكة لا شيء آخر، الملك حمد استقبل السيد عبد الله ثمّ أخذ يستغلّ هذه الصورة الإعلامية وبدأت بعدها الانتهاكات العاشورائية.. هدف النظام فقط استثمار الصور لوجهاء البلد للاستهلاك الاعلامي، ليُكمل بعد ذلك مسلسل التعذيب والتنكيل".
التنسيق مع الصهاينة في أوجّه
ولأنّ المسألة في البحرين تعقّدت أكثر مع دخول الصهاينة على الخطّ وفرض التطبيع رسميًا، ينبّه العرادي الى خطورة جسيمة تنعكس على المواطنين في المملكة، إذ أن "مستوى التنسيق الصهيوني البحريني عالٍ جدًا اليوم ويتعدّى فتح سفارات لدى الجانبيْن". ما يحصل وفق العرادي، تنسيق تجسّسي والكتروني يُنذر بأمور كارثية قادمة لاحقًا، خاصة أن آل خليفة يريدون بأية طريقة اختراق صفوف المعارضة وشقّها.
من وجهة نظر القيادي في ائتلاف ثورة 14 شباط/فبراير، أساسُ التطبيع مع كيان العدو جاء لإنقاذ آل خليفة من الأزمة السياسية، حتى يُصبح الصهاينة حكّامًا في المملكة، بعد أن خذلتهم الولايات المتحدة.
ويلفت في هذا السياق الى أن آل خليفة ليسوا أصحاب قرار وبعيدون عن الحلّ وهم يعوّلون على الحضور الاسرائيلي على أراضيهم للتصعيد أكثر بوجه المعارضة والمحافظة على مناصبهم في الحكم.
وماذا عن الدور السعودي أو الإماراتي في البحرين؟ يُجيب العرادي هنا أن "الدولتيْن الخليجيتيْن تستخدمان المنامة كمسرح اختبار لكلّ سياساتهما القذرة ومنها التطبيع مع المحتلّين، إلّا أن السعودية اليوم برهنت أنها لا تكترث لآل خلفية، حتى أنها رفعت أسعار المواد الغذائية التي تدخل الى البحرين"، ويضيف "الخليفيون يعيشون على فُتات هذه الأنظمة وما يصلهم منها من مبالغ لسرقتها وليس لصرفها على الشعب".
لا تجاوب شعبي مع أيّ استدراج خليفية
في المحصّلة، يخلص العرادي الى أن بيانات الشيخ عيسى قاسم هي للشعب وليس للنظام، بهدف توحيد وتركيز جبهة معارضته والدعوة لأخذ كلّ الحقوق، فسماحته أصدر حرمة شرعية بوقف الحراك المطلبي"، ويختم قائلًا "أيّ مُعارضٍ بحريني شريف لن يتجاوب مع أية دعوة خليفية للرجوع أو الوثوق بالنظام ولن يخضع لأيّ اغراءات ولا أيّ ترغيب مفضوح".