ابناؤك الاشداء

خاص العهد

أساتذة يتركون التعليم.. فمن يملأ الفراغ؟
27/08/2021

أساتذة يتركون التعليم.. فمن يملأ الفراغ؟

فاطمة سلامة

لم تترك الأزمة الحالية قطاعًا الا وأنهكته. انسحبت على كل شيء في لبنان وطالت بقساوتها قطاع التعليم. الأخير وعلى أهميته وحساسيته مهدّد بفقدان كوادر تعليمية جراء الحال التي وصل اليها الأستاذ في لبنان. الحديث مع عدد من الأساتذة سواء في الجامعات أو المدارس يبيّن كيف انقلبت حياتهم رأسًا على عقب. راتبهم الشهري بالكاد يكفي بعض الحاجات الأساسية كفاتورة الغذاء والنقل. فماذا عن الفواتير الأخرى الأساسية؟ في الواقع، ثمّة معضلة حقيقية تجتاح القطاع التعليمي في لبنان وعلى الصعد كافة ستؤثر حكمًا على جودة التعليم. ثمّة حماسة لدى الكثير من الأساتذة للهجرة الى الخارج على غرار ما قام به عدد من الأطباء والممرضين لتحسين أوضاعهم التي وصلت الى الدرك الأسفل. هذا بالتزامن مع غياب مقوّمات التعليم الأساسية في الكثير من الأحيان. وعليه، يحكى في هذا الصدد عن أساتذة تقدّموا بطلبات لإنهاء خدماتهم، وعندما طلبت منهم المؤسسات التعليمية التريث ريثما ينجلي غبار الأزمة، سارعوا الى الحديث عن التزامات مطالبين بها في الوقت الذي تآكلت فيه قدرتهم الشرائية بما يفوق الـ90 بالمائة. 
 
أيوب: لا نستطيع أن نحصي الأعداد الفعلية للأساتذة الراغبين بترك التعليم قبل البدء بالعام الدراسي

لا ينكر رئيس الجامعة اللبنانية البروفسور فؤاد أيوب أنّ ثمّة طلبات تُقدم من قبل بعض الأساتذة في الجامعة اللبنانية للتوقف عن التدريس فيها، لكنه في الوقت نفسه يشير الى أننا لا نستطيع أن نحصي الأعداد الفعلية لهؤلاء الأساتذة قبل البدء بالعام الدراسي. وفق أيوب، فالكثير من الأساتذة لا يُبلغون مسبقًا عن هذا التوجه. وهنا يلفت أيوب الى أنّ بعض الأساتذة كان لديهم الرغبة في الانتقال للتعليم في مكان آخر العام الماضي وهذا أمر طبيعي في ظل الأزمة الموجودة في البلد. 

وضع الأستاذ في الجامعة اللبنانية سيئ جدًا كوضع أي مواطن لبناني

وفي حديث لموقع "العهد" الإخباري، يشدّد أيوب على أنّ وضع الأستاذ في الجامعة اللبنانية سيئ جدًا كوضع أي مواطن لبناني. القدرة الشرائية متدنية جدًا والأستاذ كما المواطن لا يتمكّن من الحصول على البنزين للتنقل ولا الإنترنت كما يجب، وحتى الحصول على الكهرباء في المنزل بات يكلّف ثلث راتب الأستاذ الشهري. 

أساتذة يتركون التعليم.. فمن يملأ الفراغ؟

ولا يُخفي أيوب أنّ الأوضاع السائدة ستؤثّر بالتأكيد وبشكل كبير على جودة التعليم اللبناني، لذلك لا بد من اجتراح حلول، وهذا الأمر من مسؤولية الحكومة لتأمين الحد الأدنى من المقومات البديهية والأساسية للتعليم عن بعد. وهنا يعرب أيوب عن اعتقاده أنه وفي ظل جائحة "كورونا" والأوضاع الحالية -التي نتمنى أن تنتهي- ذاهبون نحو التعليم المدمج بين "حضوري" و"أونلاين". الدروس النظرية قد تكون عن بعد، أما الدروس التطبيقية فسيكون الحضور فيها بنسبة 50 بالمئة لذلك من المفترض أن يعمل المختبر لفترات طويلة لأنّ الحضور سيقسّم على مجموعتين وبالتالي سيتم تشغيل المختبر لساعات إضافية ما يجعلنا بحاجة لكهرباء أكثر وأكثر. 

ثمة أشخاص لن يتمكنوا من الوصول الى الجامعة 

أما المعوقات التي تواجه التعليم فلا تزال على حالها جراء الوضع الاقتصادي الذي لا يزال موجودًا. وفق أيوب، تتطلب هذه المعوقات العمل على خطة شاملة على مستوى الحكومة سواء في الجامعات أو المدارس. قضية المحروقات على رأس تلك المعوقات. وهنا يسأل أيوب كيف ستصمد المدارس اذا لم تؤمَّن لها المحروقات بشكل مستمر ومستدام؟. على المستوى الجامعي مثلًا اذا كان من الصعب على الأستاذ التنقل للوصول الى الجامعة، فكيف سيصل التلميذ؟ ونحن هنا نتحدّث عن الجامعة اللبنانية التي تمثل كل طبقات المجتمع الغنية والفقيرة والتي تقبع دون خط الفقر. وفق أيوب، ثمة أشخاص قد يكون بإمكانهم الوصول الى الجامعة وأشخاص بالتأكيد لن يتمكنوا لأنّ راتب أهلهم لا يكفي بدل مواصلات. 

موازنتنا لم تعد تحتمل 

وفي معرض حديثه، لا يخفي أيوب أننا نعمل على حل بعض المعوقات ولكن ليس من موازنتنا. الأخيرة لم تعد تحتمل ولا تكفي لشيء. تلك الموازنة كانت تساوي 260 مليون دولار لتغطية 50 ألف طالب، أما اليوم فقد أضحت 20 مليون دولار وتعمل على تغطية 87 ألف طالب. يتحدّث أيوب في هذا الصدد عن معاناة، فكل المشتريات باتت على أساس الدولار وفقًا لسعر صرف السوق. وعلى هذا الأساس لا تشارك الشركات والمؤسسات في المناقصات كي لا تخسر 11 ضعفًا. ويوضح أيوب أننا حتى لو لجأنا لطرق ثانية فسعر السوق هو الطاغي ولا يحق لنا بالقانون الشراء سوى بالسعر الرسمي، مع الإشارة الى أنّ بعض الكليات لم تتمكن  من الشراء سوى بما يفوق السعر الرسمي لاستمرارية المرفق العام. 

نعمل على حل عبر البلديات لإيصال الطلاب الى الجامعة 

يشير أيوب الى أننا نعمل كجامعة لبنانية على حل للطلاب عبر البلديات. برأيه، يجب التركيز على دور البلديات لأنها مسؤولة عن المجتمع. وفق تقديرات أيوب، فإنّ الخطة التي نعمل عليها قد لا تنجح في المدن كبيروت وصيدا وطرابلس، لكنّها قد تؤتي أكلها في القرى لأنّ ثمة إمكانية كبيرة لضبط  المجتمع نظرًا لأن الناس تعرف بعضها البعض. يُعوّل أيوب على نجاح هذه الخطوة من قبل البلديات كحل سريع شرط أن يدفعوا لها مستحقاتها. وفي هذا الإطار، تأخذ البلدية على عاتقها نقل الطلاب القاطنين بالقرية التابعة لها من خلال استئجار وسائل نقل من القرية وهي بهذه الطريقة تشجع وتشغّل مواطنيها من جهة، وتؤمن على الطلاب للوصول الى الجامعات بالمناطق المختلفة من جهة أخرى. وهنا يوضح أيوب أنّ ثمّة مراسلة من هذا النوع ستُرسل من قبلنا على أمل أن تؤتي الخطوة أكلها لأنّنا جزء من البلد وعلينا التعامل بمسؤولية لاجتراح الحلول، مع الإشارة الى أننا مهما عملنا لا نستطيع أن نحل مكان الدولة.  

جباوي: ثمة مشاريع سفر خارج البلاد لأساتذة هروبًا من الواقع الذي نعيشه

من جهته، رئيس رابطة أساتذة ​التعليم الثانوي الرسمي​ ​نزيه جباوي يوضح في حديث لموقعنا أنّ الكثير من الأساتذة قدّموا طلبات إجازات بدون راتب، إجازات صحية وطلبات استيداع. وفق جباوي، ثمة مشاريع سفر خارج البلاد لأساتذة هروبًا من الواقع الذي نعيشه. يوضح جباوي أن لا رقم محددا حتى الآن، ولكن هناك طلبات يقدّمها الأساتذة في عدد من المدارس. برأيه، فإنّ الواقع المؤلم دفعهم الى هذا الخيار، فبعض الأساتذة يلتزمون بأقساط سكن وسيارة وغيرها الكثير، كما أنّ بعض الأساتذة يعلمون أولادهم في الخارج وهؤلاء لا يستطيعون ترك أولادهم في منتصف الطريق. 

أساتذة يتركون التعليم.. فمن يملأ الفراغ؟

يؤكّد جباوي أنّ هجرة الأساتذة وترك البعض منهم المؤسسات التعليمية سيؤثر على جودة التعليم. يلفت الى أنّ المدارس كانت تحتاج لأساتذة قبل الأزمة فكيف الآن؟ على مستوى الثانويات، لدينا بحدود أكثر من 6000 أستاذ على 270 ثانوية في لبنان. يُطلب من هؤلاء تغطية كل الصفوف. ثمّة 1300 أستاذ يتقاعدون سنويًا في المدارس الرسمية ما بين ابتدائي ومتوسط وثانوي. هؤلاء لا بديل عنهم وسط منع أي طلبات تعاقد جديدة أو زيادة لعدد ساعات الأساتذة الموجودين. وعليه، كيف سيستمر التعليم في الصفوف خاصة بعد النزوح من المدارس الخاصة الى الرسمية نتيجة الوضع الاقتصادي؟. برأي جباوي، سنشهد المزيد من النزوح لأنّ الكثير من المدارس الخاصة ستضطر الى رفع أقساطها لتلبية حاجات الأساتذة لديها.  

ويوضح جباوي أنّ متوسط راتب الأستاذ الثانوي شهريًا مليونان ونصف أي 125 دولار شهريا، وهذا لا يكفي بدل طعام فكيف بالتنقل والدواء والأمور الطارئة؟ ونسأل لماذا الأساتذة سيتركون القطاع التعليمي في لبنان؟ يقول جباوي الذي يوضح أنه يتم وضع خطط تربوية لا تلحظ أوضاع الأساتذة مع العلم أن الأستاذ هو الأساس.

وفي الختام، يقول جباوي: "لن نعود الى التعليم قبل تصحيح الرواتب. لدينا موقف صارم من هذا الموضوع"، مشددًا على ضرورة أن يتحسّن الوضع بتأمين مقومات التعليم ومستلزماته لينجح وإلا لا معنى للخطط التي تنجز.
 

إقرأ المزيد في: خاص العهد