ابناؤك الاشداء

خاص العهد

20/08/2021

"وساطة" الغاز الأميركية.. "الغيرة" من إيران لا "الغيرة" على لبنان

فاطمة سلامة

ما إن أنهى الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله خطابه "التاريخي" يوم العاشر من محرّم معلنًا فيه أنّ سفينة المحروقات ستُبحر من إيران خلال ساعات، حتى بلغ الغيظ الأميركي مستوياته القصوى. السفيرة "الشمطاء" دوروثي شيا التي لم تستطع الإمساك بأعصابها أمسكت هاتفها لإبلاغ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قرار إدارتها بـ"مساعدة" لبنان لاستجرار الطاقة الكهربائية من الأردن عبر سوريا عن طريق توفير كميات من الغاز المصري الى الأردن. "الغيرة" من إيران لا "الغيرة" على لبنان دفعت أميركا للتحرك في ملف جُمّد لسنوات بسبب العقوبات الأميركية. نعم، حرمت أميركا لبنان لسنوات من الاستفادة من هذا الخيار بذريعة العقوبات على سوريا وتأتي اليوم لتسوّق نفسها الوسيط في حل أزمة الطاقة الكهربائية. فلماذا الآن وأين كانت "الوساطة" الأميركية قبل كلام السيد نصرالله؟. 

أكثر من ذلك، أبلغت شيا الرئيس عون أنّ المفاوضات مع البنك الدولي جارية لتأمين تمويل ثمن الغاز المصري. ماذا يعني ذلك؟ يعني إغراق لبنان بالمزيد من الديون على قاعدة "الإقتصاد الريعي" وللبنان تجربة تمتد لعقود في هذا الإطار. وعليه، لا يحتاج تفسير التصرف الأميركي لاختراع الذرة. القضية واضحة وضوح الشمس. جنّ جنون أميركا عندما سمعت بالسفينة التي ستكسر الآحادية الغربية في لبنان، فوضعت كل ثقلها للتشويش على المبادرة الإيرانية التاريخية. للتشويش على مبادرة "مُربحة" للبنان بكل المقاييس، والسعي لتوريطه بالمزيد من القروض والديون، بينما العرض الإيراني القائم بالليرة اللبنانية. جنّ جنون أميركا فسوّقت نفسها على أنها "المنقذ" وهي التي تمارس عدوانًا وحصارًا اقتصاديًا غير مسبوق على لبنان. 
    
عكوش: العقوبات الأميركية عطّلت الحل عن لبنان لسنوات 

الخبير الإقتصادي الدكتور عماد عكوش يقرأ في تحرك السفيرة الأميركية المشبوه في التوقيت والمضمون، فيوضح أنّ لبنان سبق وأن وقّع اتفاقية لشراء الغاز من مصر قبل سنوات، لكن للأسف اتخذت القضية منحى سياسي ورفضت حكومة سعد الحريري آنذاك دفع المبالغ المستحقة للشراء لتستخدم مصر هذه النقطة كحجة لإلغاء الاتفاقية من جانب واحد، ما أدى الى خسارة لبنان لكمية من الغاز كان يمكن أن يستفيد منها لناحية إنتاج الطاقة وتوفير العملة الصعبة. وفق حسابات عكوش، فإنّ إنتاج الكهرباء على الغاز يوفّر 30 الى 40 بالمئة من الكلفة في المعامل التي تستخدم الغاز لا سيما معمل دير عمار.

"وساطة" الغاز الأميركية.. "الغيرة" من إيران لا "الغيرة" على لبنان

يتحدّث عكوش عن موانع السير بالاتفاقية المصرية سابقًا، لافتًا الى أنّ قضية استجرار الغاز عبر أنبوب في سوريا عطّلتها عقوبات قانون "قيصر" الأميركي. الأنبوب كان يفرض مفاوضات مع الحكومة السورية لتمرير الغاز فوق الأراضي السورية الا أنّ قانون "قيصر" كان يمنع أي تعاون مع سوريا. وعليه، وضعت واشنطن "فيتو" على مد الغاز الى لبنان عبر هذا الأنبوب. وهنا يسأل عكوش عن سبب التغير المفاجئ في الموقف الأميركي وكلام شيا عن السماح للبنان باستعمال هذا الأنبوب مجددًا، وتوليها التحدث مع مصر لمد لبنان بالغاز. 

ويلفت عكوش الى أنّ السفيرة الأميركية في لبنان ذهبت أبعد من ذلك. تحدّثت عن استجرار الطاقة من الأردن أيضًا، فيما كانت عقوبات "قيصر" تعرقل هذا الأمر الذي عرض سابقًا لكن الأميركي كان يعطّل الحل، ما جعلنا ندفع كلفة إضافية، فاستجرار الطاقة من الأردن كانت كفيلة بالتعويض على لبنان الذي تحولت معامله الى "خردة" بسبب عدم صيانتها. 

المطلوب أميركيًا أن يظل لبنان تحت رحمة البنك الدولي بمزيد من الديون

بعد عرض هذه الوقائع، يشدّد عكوش على أنّ الحكومة الأميركية عطّلت كل هذه الخيارات السابقة لحل أزمة الطاقة في لبنان، واللافت -بحسب عكوش- أنّ أميركا تسعى لحصول لبنان على قرض من البنك الدولي، ونحن في المقابل غير مضطرين لأخذ القروض ودفع أكلاف إضافية، بينما عندما نحصل على النفط الإيراني فنحن ندفع بالليرة اللبنانية ومقابل بعض الخدمات. وفق قناعات عكوش، فإنّ المطلوب أميركيًا أن يظل لبنان تحت رحمة البنك الدولي بمزيد من الديون. وفي هذا السياق، لا يرى عكوش أي مشكلة بحصول لبنان على قروض خارجية شرط أن تكون لأهداف منتجة وأعمال تؤدي الى زيادة الإنتاج ويستفيد من خلالها الشعب اللبناني بأكمله لأنّ من يدفع القرض هو الشعب اللبناني بأكمله، بينما في الواقع فإن توزيع الكهرباء يتم الآن بشكل شبه مجاني وبطريقة غير متساوية أو عادلة بين المناطق، وعليه يشدّد عكوش على ضرورة أن تقوم مؤسسة كهرباء لبنان برفع التعرفة على الشطر الثالث والرابع والخامس وتوزيع الكهرباء بعدالة على المستهلكين. 

وفي معرض حديثه، يشدّد عكوش على أنّ لسفينة المحروقات الإيرانية مفاعيل إيجابية جدًا على الوضع اللبناني ومن نواح مختلفة شعبيًا وسياسيًا واقتصاديًا. أولى المفاعيل كانت موافقة أميركا على إعفاء لبنان من الكثير من العقوبات الواردة ضمن قانون "قيصر"، وقد رأينا كيف تحركت شيا سريعًا لإجراء "وساطة" مع مصر لتغذية لبنان بالغاز المصري وإجبار مصر على الموافقة بالسرعة الممكنة وأيضًا التحدث مع الأردن في الوقت الذي لا تزال فيه هذه القضية مجمّدة بتوقيع العقوبات الأميركية منذ 5 سنوات. 

ومن الآثار المهمة للسفينة -يقول عكوش- أنها تساهم في كسر احتكار "كارتيلات" النفط في لبنان، وقد رأينا كيف أعلن البعض عن فتح المحطات بعد إعلانه الإقفال سابقًا. الأمر ذاته ينطبق على مصرف لبنان الذي ذهب حاكمه بعيدًا في "عناده" بعدم فتح الاعتمادات اللازمة بحجة أنّ الاحتياطي الإلزامي لا يسمح بهذا الأمر بينما بادر لفتح الاعتمادات بسحر ساحر. 

ويشدّد عكوش على أنّه سيؤرخ لهذه السفينة أنها نقطة مفصلية بموضوع "فسخ" العقوبات على لبنان، ومفصلية من الناحية الإقليمية حيث سيكون لها الأثر الكبير على الدول التي تعاني من العقوبات الأميركية لتشجيعها على التعاطي بجرأة أكبر مع العقوبات لمصلحة شعوبها. أما ما بعد وصول السفينة فالكلام سيطول حول آثارها وتداعياتها المهمة جدًا على الإقتصاد اللبناني، يختم عكوش حديثه. 
 

واشنطن

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة