معركة أولي البأس

خاص العهد

منصة
08/07/2021

منصة "صيرفة".. نموذج عن الإدارة النقدية "الفاشلة"

يومًا تلو آخر، يدفع السوق النقدي في لبنان ثمن تعاميم حاكم البنك المركزي. يظهر حاكم البنك المركزي رياض سلامة مع كل تعميم وكأنه يُدوّر الزوايا تفاديًا للأسوأ. إلا أنّ الواقع يشي بأنّ سلامة يُغامر بسلامة النقد بدل أن يحافظ عليها. ثمّة إدارة فاشلة للملف النقدي في لبنان يرأسها حاكم مصرف لبنان قد لا تحتاج الى شرح وإثبات. يكفي أن نرصد سعر صرف الدولار وانهيار الليرة إثر كل تعميم لنعرف مستوى الفشل الذي وصلت اليه إدارة الملف النقدي.

تعاميم بالجملة، بعضها لم يكن في محله وبعضها الآخر لم يُطبّق كما يجب. تعميم إنشاء منصة "صيرفة" واحد من التعاميم الذي أثبت مصرف لبنان فشله في إدارته. وفي هذا السياق، يُحكى عن توقف مصرف لبنان عن الموافقة على تحويل الأموال للتجار على سعر منصة "صيرفة" بحجة أنّهم يشترون الدولار بنحو 12 ألف ليرة من المنصة ويبيعون السلع المستوردة وفقًا لسعر السوق السوداء، ما يؤكّد بما لا يقبل الشك حجم "الدعسات الناقصة" التي يخطوها مصرف لبنان والتي يكون لها في كل مرّة تداعيات سلبية تنعكس مزيدا من التدهور في العملة الوطنية. 

عكوش: إدارة مصرف لبنان لمنصة "صيرفة" فاشلة تمامًا

الخبير الاقتصادي الدكتور عماد عكوش يلفت في حديث لموقع "العهد" الإخباري الى أنّ إدارة مصرف لبنان لمنصة "صيرفة" كانت فاشلة تمامًا وبكل ما تعنيه كلمة فشل من معان. وفق عكوش، لو التزم مصرف لبنان بالشروط الأساسية الموجودة داخل التعميم لكان من المرجّح أن تكون انعكاساتها إيجابية، إلا أنّ الواقع بيّن أن المصرف المركزي لم يقم بواجباته فلا مراقبة ولا محاسبة ولا متابعة. واللافت أن سلامة أعلن أنّه سيتم تحويل الصرافين على الهيئة المصرفية العليا ولكن لم يحصل شيء. ويوضح عكوش أنّ من استفاد من هذه المنصة هم الصيارفة والتجار، فيما المتضرر الكبير هم المودعون لأنّ مصرف لبنان كان يبيع الدولارات لهذه الجهات من الاحتياطي الموجود لديه وبالتالي من أموال المودعين. وبحسب عكوش، شهد هذا الملف هدرًا كبيرًا اذ صرف مصرف لبنان خلال شهر ونصف ما بين الـ150 الى 200 مليون دولار من احتياطي المودعين. 

منصة "صيرفة".. نموذج عن الإدارة النقدية "الفاشلة"

لم يلتزم أحد بمتطلبات التعميم 149

ويوضح عكوش أنّ الهدف الأساسي لمنصة "صيرفة" كان العمل على تقريب أسعار الصرف ما بين السوق السوداء والسعر الرسمي وسعر المنصة القديم، إلا أنّ هذا الهدف لم يتحقق لأن أحدًا من الأطراف الثلاثة لم يلتزم به (مصرف لبنان، الصيارفة والمصارف، المستوردون). لم يلتزم أحد بمتطلبات التعميم 149 الذي أنشئت بموجبه المنصة وتلاه التعميم التطبيقي 157. بالنسبة لعكوش، كان المفترض بحسب التعميم أن يعمل مصرف لبنان على أن يكون السعر متحرّكا وقريبا من سعر السوق، بينما ما حصل هو أنّ مصرف لبنان قام بتثبيت سعر الصرف على المنصة بحدود الـ12 ألف ليرة واستمر لأكثر من شهر ونصف بذلك، مع العلم أن الأسعار في السوق السوداء كانت ترتفع بشكل كبير جدًا، وبالتالي تحولت المنصة الى منصة لدعم التجار والصيارفة الذين كانوا يشترون الدولار على سعر المنصة ويبيعون الدولارات (الصيارفة)، والسلع (المستوردون) وفقًا لسعر السوق السوداء ما كان يعطيهم أرباحًا هائلة ومضاعفة.

وعليه، يرى عكوش أنّ الأهداف الأساسية لإنشاء هذه المنصة لم تتحقّق ما ينفي الحاجة لوجودها، فلا مصرف لبنان أمّن الاستقرار لسعر صرف الدولار، ولا التجار ولا الصيارفة التزموا بهذا الأمر لجهة أن بضاعتهم كانوا يبيعونها وفقًا لسعر السوق السوداء. 

ويستبعد عكوش أن تكون انعكاسات إيقاف العمل بالمنصة كبيرة على سعر صرف الدولار، فخلال شهر صرف مصرف لبنان حوالى الـ90 مليون دولار ما يعني أنّ الحركة كانت من مليوني دولار الى مليونين ونصف المليون دولار يوميًا في السوق، فيما حركة السوق العادية تتجاوز الخمسين مليون دولار يوميًا، ما يعني أن المبلغ المذكور لا يؤثر على حركة السوق كثيرًا. برأي عكوش، فإنّ الإشاعات السياسية والاقتصادية هي التي تُحرّك السوق النقدي بشكل كبير وتوجد نوعًا من عدم الثقة. 

يشوعي: قوة إضافية للدولار

الخبير الاقتصادي الدكتور إيلي يشوعي يلفت في حديث لموقعنا الى أنّ الغاء العمل بمنصة "صيرفة" يعني أن البنك المركزي لم يعد قادرا على الاستمرار بالدعم. هذا الأمر سيؤدي حكمًا بالتجار لشراء الدولار من السوق السوداء ما يعني -وفق يشوعي- أن الأسعار ستشهد المزيد من الارتفاع ما يتطلّب المزيد من العملات بالليرة اللبنانية. وهنا يلفت يشوعي الى أنّ البنك المركزي سيكون مضطرا الى مواكبة ارتفاع الأسعار والتضخم بعرض نقدي جديد عبر طباعة المزيد من الليرات ما من شأنه تضخيم الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية أكثر. تلك الكتلة تخطّت حاليًا الأربعين تريليون ليرة، بعدما كانت 4 أو 5 تريليونات قبل عامين. هذا السيناريو سينعكس ضعفًا على الليرة اللبنانية ويعطي قوة إضافية للدولار الذي لن يكون له سقف طالما أن الأزمة عميقة ومتجذرة ومرتبطة بقوى خارجية. 

منصة "صيرفة".. نموذج عن الإدارة النقدية "الفاشلة"

وفيما يكرّر يشوعي غير مرة أنّ السياسة النقدية في لبنان خاطئة منذ تسلم سلامة سُدّة البنك المركزي أي منذ التسعينيات حتى اليوم، يؤكد أن كثرًا من اللبنانيين يحملون دولارات نقدية والبعض منهم يخبئها في خزنات حديدية داخل المصارف بعدما تعذرت مسألة التحويل الى الخارج في الآونة الأخيرة إثر تحويل كمية كبيرة من النقود بواسطة صرف النفوذ ومخالفة قانون حرية التحويل.

الدولاررياض سلامة

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة