معركة أولي البأس

خاص العهد

02/07/2021

"كارتيل النفط".. شركات بغطاء سياسي تحتكر القرار النفطي

فاطمة سلامة

الاحتكارات ليست جديدة في لبنان، لكنّ غياب الرقابة بشكل شبه كلّي وتلاشي ما تبقى من هيبة الدولة جعل الصورة أكثر حدّة. رُبما لا نبالغ إذا قلنا إنّ بُنيان لبنان أُسّس على هذا النهج. تسود الاحتكارات في كل مفاصل وقطاعات البلد. الأزمة الأخيرة التي نعيشها فضحت كمّ الاحتكارات الموجود. جشع  قد لا يتقبّله عقل واستغلال أُسقطت معه كافة الاعتبارات. قطاع النفط نموذج لكارتيلات آخر همها الناس والعيش المشترك وما الى هنالك من عبارات الوطنية. كارتيلات لم تتفوّق فقط في السرقة والنهب بل في الطائفية. لا حرج من حرمان مناطق بعينها من مادة المحروقات الأساسية طالما أنّ هذا الأمر يُشبع الطائفية والمناطقية المتجذّرة في نفوس المحتكرين. والحق يُقال، لا يتحمّل هؤلاء المسؤولية بمفردهم. ثمّة دولة شجّعتهم وصفّقت لهم أقله حين لم توقفهم عند حدّهم ولم تراقب أو تُسائل. 

التدقيق في هويّة الشركات المحتكرة للنفط يكشف حجم الغطاء السياسي المُفرد على رؤوسها. 13 شركة تُمسك بالقرار النفطي في البلد حيث تستورد وتخزّن وتوزّع. استغلّت بعض الشركات المسيطرة الفوضى السائدة في البلد لتمارس الذل بحق المواطنين الذين لم تعد تتسع لهم الطوابير للوقوف فيها. والمؤسف أنّ الدولة التي تخلّت عن دورها في استيراد المشتقات النفطية منذ العام 1990 ليصبح في عهدة مجموعة من الشركات تمتلك حصصًا متفاوتة، لا تزال حتى اليوم تُغذي هذه الشركات وتُصر على عدم كسر الاحتكار الحاصل خصوصًا في مادة البنزين. تُصر على عدم دخولها كشريك ولاعب أساسي في هذا الإطار ما يجعل المواطنين رهينة الشركات التي ترفع التسعيرة كيفما تريد مستفيدةً من غياب الرقابة والمحاسبة ومن عدم وجود المنافس والبديل. 

ولمن لا يعلم فإنّ لبنان كان يؤمّن اكتفاءه الذاتي من المحروقات بفضل مصافي التكرير الموجودة في الزهراني وطرابلس قبل أن يتم إيقاف العمل بهما ليصبح الملف في عهدة القطاع الخاص أي الكارتيلات. المصفاتان المذكورتان سمحتا للبنان في الماضي بتأمين حاجته وتصدير الفائض إلى الأسواق العالمية. أما اليوم ومع غياب هذه المصافي، فقد قدّرت كلفة استيراد المحروقات بـ٣٠٠ مليون دولار شهرياً. ولا يخفى على أحد أنّ "كارتيلات النفط تمنع أي مشروع إنشاء مصافٍ للنفط على اعتبار أنّ عملها سيتوقف. العرض القطري الذي انتقل إلى تونس حيث تمّ إنشاء مصفاة قرب السوقيرة يُشكّل أحد الأدلة على هذا الأمر؛ فالمشروع تمّ عرضه على لبنان عام 2006، وجرى توقيع مذكّرة تفاهم في شأنه مع وزير الطاقة والمياه آنذاك محمد فنيش، حيث كان يهدف الى تكرير نحو 150 ألف برميل يومياً من المكثّفات القطرية... إلّا أنّ الحكومة لم تمضِ بالمشروع لاعتبارات لا تحتاج الى شرح وتفسير طالما تتحكّم الكارتيلات بهذا الملف. 

شمس الدين: لا شركات مستقلة

الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين يلفت في حديث لموقع "العهد" الإخباري الى أنّه لا يوجد شركات تستورد النفط مستقلة في لبنان. كل شركة تابعة لجهة سياسية وتتقاسم حصّتها وفقًا لسياسة تقسيم الكعكة. يُدرج شمس الدين على سبيل المثال بعض الشركات والجهات التابعة لها:

-cogico تأسست عام 1986 تابعة لوليد جنبلاط .

-hypco تأسست عام 1965 تابعة لآل البساتنة.

-liquigaz تأسست عام 1962 تابعة لأوسكار يمين وأخواته. 

-coral oil تأسست عام 1926 وتتبع أيضًا لمالكي liquigaz. 

-total liban تأسست عام 1951 وهي شركة "توتال-فرنسا".

-uniterminal شركة لبنانية -كويتية.

- medco تأسست عام 1910 وهي شركة تابعة لآل الشماس.

- wardie شركة أجنبية.

-ipt تأسست عام 1987 تابعة لآل عيسى.  

"كارتيل النفط".. شركات بغطاء سياسي تحتكر القرار النفطي

أي شخص يريد حاليًا إنشاء شركة لاستيراد النفط لا يستطيع

ويلفت شمس الدين الى أنّ دور الدولة اقتصر على إعطاء رخص الاستيراد حيث بقيت حاضرة باستيراد قسم من البنزين، أما بقية الأقسام من غاز وبنزين ومازوت فبقيت بيد الشركات الخاصة التي يختلف حجمها بين فترة وأخرى. على سبيل المثال، بعد أن كانت شركة "Hypco" هي المسيطرة في فترة من الفترات، تسيطر في الفترة الأخيرة شركتا "coral" و"liquiqaz" وهما شركتان أساسيتان يضاف اليهما "uniterminal" و"total liban" و"wardie" كشركات أساسية. وهنا يشير شمس الدين الى أنّ ثمة شركات لم تعد موجودة سوى بالاسم فقط اذ لم تعد تستورد شيئًا. 

ويشدد شمس الدين على أنّ أي شخص يريد حاليًا إنشاء شركة لاستيراد النفط لا يستطيع. ثمّة جهات تقطع الطريق عليه، اذ ممنوع أن يستورد طالما أنّ هذا الملف يسير تحت مظلة المحاصصة الطائفية والمذهبية. وفق قناعاته، تلك الشركات هي الأقوى وتسيطر حاليًا على السوق بغطاء سياسي ورسمي وحزبي. 

ويوضح شمس الدين أنّ الشركات المستوردة للنفط جنت أرباحًا كبيرة، ففي السنة الواحدة كانت تجني الشركات 200 مليون دولار كأرباح. هذا المبلغ أُخذ من درب الدولة التي من المفترض أن تستفيد من هذه الأرباح. وفق قناعات شمس الدين، الدولة أخطأت اذ كان يجب عليها أن تستورد أو على الأقل تنافس الشركات المستوردة. لكن للأسف، فتلك الشركات أقوى من الدولة التي لم تعد موجودة -وفق شمس الدين- بدليل قدرة هذه الشركات على رفع التسعيرة. 

عليق: الكمية التي تستورد تُوزّع بطريقة غير عادلة ومنطقية

مدير محطات الأمانة للمحروقات أسامة عليق يروي لموقع "العهد" الإخباري تجربة محطات الأمانة مع كارتيل النفط، فيلفت بدايةً الى أنّنا لا ننكر أنّ ثمّة مشكلة أساسية تشكّل عائقًا في ملف الاستيراد تتعلّق بشح الدولار، لكنّه يوضح أنّ الكمية التي تستورد تُوزّع بطريقة غير عادلة ومنطقية. من الواضح أنّ الكميات التي توزّع في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت قليلة جدًا. ورغم أنّ عدد سكّان الضاحية الجنوبية كبير إلا أنّ محطات "الأمانة" و"الأيتام" هما الوحيدتان اللتان تفتحان بشكل ثابت. وفق قناعات عليق، ثمّة استهداف واضح لهذه المناطق وكأنّ هذا الأمر مقصود للدفع باتجاه مشكلات وسقوط جرحى وقتلى. 

"كارتيل النفط".. شركات بغطاء سياسي تحتكر القرار النفطي

يلفت عليق الى التمييز الحاصل من قبل مصرف لبنان في سياق فتح الاعتمادات. بعض الشركات يجري فتح اعتمادات لها كل 10 أيام تقريبًا، بينما ثمّة شركات لا يُفتح لها اعتماد الا كل شهر، لافتًا الى أنّ صاحب المحطة أمام تحديات كبيرة.

ويؤكّد عليق أنّه ورغم زيادة الجعالة وزيادة الأرباح للشركات إلا أنها لا توزع الكميات المطلوبة بانتظار أن ترتفع الأسعار أكثر وتجني المزيد من الأرباح. بحسب عليق، الموضوع تجاري فيما تتهافت الناس على المحطات رغم زيادة أسعار الصفيحة وسط فقدان الثقة. وهنا يشدّد عليق ويكرر أنّ الحل الجذري لأزمة المحروقات يكمن في استيراد الدولة للبنزين وتوزيعه بشكل عادل على السوق كي لا نبقى محكومين لكارتيل يتحكّم بالسوق.
 
ويبقى السؤال: إلى متى ستبقى الدولة مستقيلة من دورها، مشرعة الأبواب أمام هؤلاء للاستمرار في احتكاراتهم واحتقارهم لأبسط حقوق المواطنين؟؟.

إقرأ المزيد في: خاص العهد