خاص العهد
احتكار وإخفاء السلع والمحروقات والأدوية من وجهة نظر القانون اللبناني
فاطمة سلامة
لدى البحث عن الأسباب التي ساهمت في ارتفاع أسعار السلع الأساسية بشكل خيالي يبرز مصطلح الاحتكار. لا خلاف على أنّ ارتفاع سعر صرف الدولار رفع تلقائيًا أسعار السلع وسط اقتصاد "مدولر"، إلا أنّ ارتفاع أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية كان في الكثير من الأماكن فوق الطبيعي والمعقول. ثمّة هوامش ربح غير قانونية انعدمت معها القدرة الشرائية للمواطنين. واللافت أن الأمر لم يتوقّف عند رفع الأسعار فقط بل في لجوء عدد من التجار المسيطرين على السوق الى احتكار السلع والمواد لبيعها لاحقًا بسعر أعلى. اتبع هؤلاء سياسة "تعطيش" السوق وتجفيفه من الحاجات الملحة لتصبح السلع نادرة، وعندما تصبح كذلك تُباع في السوق السوداء بأسعار خيالية.
ولا شك أنّ منطق الاحتكار في لبنان ليس وليد الأزمة الأخيرة. لهذا المفهوم قاعدة استمدها من "الوكالات الحصرية" التي تتحكّم منذ عقود بكل مرتكزات السوق، إلا أنّ الاحتكار بلغ مستويات قياسية في الآونة الأخيرة، حيث بات "التخزين" هدفًا بعد الاستيراد خصوصًا وسط الحديث عن احتمال رفع الدعم. وعليه، شهدت المحروقات والمواد الغذائية والأساسية احتكارات بالجملة. الأمر وصل حد احتكار الأدوية مع ما يحمله هذا الأمر من خطورة على صحة المرضى. مئات الأدوية فقدت من الأسواق بينها 87 دواء للأمراض المستعصية والسرطانية، فيما كشفت المداهمات لمستودعات عدة صيدليات عن احتكار وتخبئة كميات من الأدوية الأساسية. فماذا يقول القانون اللبناني في الاحتكار؟.
الكيك: المادة 41 من المرسوم الاشتراعي رقم 73 الصادر بتاريخ 991983 حدّدت أوجه الاحتكار
الباحثة في الشؤون القانونية المصرفية الدكتورة سابين الكيك تلفت في حديث لموقع "العهد" الإخباري الى أنّ المشترع اللبناني تناول موضوع الاحتكار في المادة 41 من المرسوم الاشتراعي رقم 73 الصادر بتاريخ 991983 والمتعلّق بحيازة السلع والمواد والحاصلات والاتجار بها. وقد اعتبرت هذه المادة الاحتكار بأنه:
-كل اتفاق أو تكتل يرمي للحد من المنافسة في إنتاج السلع والمواد والحاصلات أو مشتراها أو استيرادها أو تصريفها، ويكون من شأنه تسهيل ارتفاع أسعارها ارتفاعاً مصطنعاً أو الحيلولة دون خفض هذه الأسعار.
-كل اتفاق أو تكتل يتناول الخدمات بغية الحد من المنافسة في تأديتها ويكون من شأنه تسهيل ارتفاع بدلاتها بصورة مصطنعة أو الحيلولة دون خفض هذه البدلات.
-كل عمل يرمي إلى تجميع المواد أو السلع أو الحاصلات أو إخفائها بقصد رفع قيمتها، أو غلق مكاتب أو مستودعات لأسباب غير مشروعة بغية اجتناء ربح، لا يكون نتيجة طبيعية لقاعدة العرض والطلب.
وبحسب الكيك، أعطت المادة 17 من المرسوم 73 وما يليها منه مهمة ضبط جرائم الاحتكار وتنظيم محاضر الضبط إلى موظفي مصلحة حماية المستهلك وأفراد الضابطة العدلية المكلفين رسمياً القيام بهذا النوع من العمل. يمارس هؤلاء الموظفون الصلاحيات المعطاة لهم على نطاق جميع المؤسسات والمحلات التجارية والمستودعات التي تخزن فيها مواد وحاصلات وسلع، وهذا يشمل كافة الأماكن المخصّصة لممارسة المحترف أو المُصنع لنشاطه في داخلها. ويشترط لممارسة الوظيفة في الأماكن الأخرى التي يشتبه بوجود بضائع وحاصلات وسلع فيها الحصول على موافقة خطيّة مسبقة من النيابة العامة المختصة. وهنا تؤكّد الكيك أنّه يحق للموظفين المذكورين عند الاقتضاء، طلب مؤازرة قوى الأمن الداخلي للقيام بمهامهم بعد موافقة النيابة العامة المختصة.
وفي معرض حديثها، تلفت الكيك الى أنّه بعد صدور المرسوم الاشتراعي 73 تاريخ 9/9/1983 أنيطت بمحكمة استئناف الجنح هذه الصلاحية. أما الملاحقة فتبدأ بمحاضر ضبط ينظّمها مراقبو مصلحة حماية المستهلك ويحيلها رئيس مصلحة حماية المستهلك أو رئيس مصلحة ااقتصاد والتجارة في المحافظات إلى النيابة العامة التي تحيلها بدورها على المحكمة الاستئنافية المختصة وتطبق بشأنها الأصول الموجزة المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات الجزائية. يمكن إثبات مخالفة أحكام هذا المرسوم الاشتراعي بجميع طرق الإثبات، وتكون أحكامها غير قابلة للمراجعة إلا لتصحيح الخطأ المادي أو الاعتراض على القرارات الغيابية.
عقوبة الاحتكار
ووفق الكيك، كان المشترع قد حدّد عقوبة جرائم الاحتكار في المادة الرابعة من المرسوم الاشتراعي رقم 32/67 والتي تنص على أنه يعاقب بالحبس من سنة إلى ٣ سنوات وبالغرامة من عشرة آلاف إلى مائة ألف ليرة أو باحدى هاتين العقوبتين كل من أقدم أو حاول الإقدام على عمل من أعمال الإحتكار، فيما تضاعف العقوبة عند التكرار وتصادر المواد المحتكرة. وبعد صدور المرسوم الاشتراعي رقم 73/83 والذي أضحى نافذًا بعد إلغاء المرسوم 32/67، فقد حدّد المشترع عقوبة جرائم الاحتكار في المادة 43 من المرسوم الاشتراعي رقم 73/83 التي اعتبرت أن: "كل من يخالف أحكام المادتين 14 و16 من هذا المرسوم يعاقب بغرامة من خمسة آلاف إلى خمسين ألف ليرة، وبالسجن من عشرة أيام إلى 3 أشهر أو بإحدى هاتين العقوبتين وعند التكرار تضاعف العقوبة".
وتلفت الكيك الى أنّ كل ممانعة للموظفين المكلفين بتنفيذ أحكام هذا المرسوم الاشتراعي أثناء قيامهم بوظائفهم يعاقب عليها بالسجن من سبعة أيام إلى ثلاثة أشهر وبغرامة من ألف إلى عشرة آلاف ليرة أو بإحدى هاتين العقوبتين. وأيضًا، كل من يخفي الوثائق والمستندات التي يحق لموظفي مصلحـة حماية المستهلك الاطلاع عليها، أو يرفض تقديمها، يعاقب بالسجن من ثلاثة أيام إلى شهر وبالغرامة من ألف إلى عشرة آلاف ليرة أو بإحدى هاتين العقوبتين.
كما أوضح المشترع أنّ كل تذرع بعدم وجود الدفاتر التجارية الإلزامية أو الفواتير يشكل سبباً لتشديد العقوبة، وكل إخلال بتعهد يعطى لوزارة الاقتصاد والتجارة يُعاقب عليه بالسجن من ثلاثة أيام إلى شهر، وعند التكرار تضاعف العقوبة. كما تحجز المواد والسلع والحاصلات التي هي من نوع وصنف البضاعة التي ارتكبت بها المخالفة في أي مكان وجدت، ويمكن الحكم بمصادرة الكمية المحجوزة كلياً أو جزئياً حسب الحالة، كما يوضع على المحجوزات خاتم رسمي. إلا أنه إذا كانت الكمية المحجوزة ضرورية للتموين أو قابلة للتلف السريع، فيقتضي بيعها بمعرفة مصلحة حماية المستهلك التي تحفظ الثمن حسب الأصول القانونية.
وبحسب الكيك، إذا تكرّرت المخالفة خلال السنة الواحدة يمكن -بالإضافة إلى العقوبات المنصوص عليها في هذا المرسوم الاشتراعي- الحكم بإغلاق المركز التجاري الذي ارتكبت فيه المخالفة، ويمنع مزاولة المهنة خلال مدة تتراوح بين ثلاثة أيام وشهر. كما يعتبر بمثابة المخالف الأصلي كل من تدخل أو اشترك في ارتكاب الجريمة، أو حرّض عليها، أو أخفى المعلومات المتعلقة بها.