معركة أولي البأس

خاص العهد

ثلاث لاءات
16/06/2021

ثلاث لاءات "خطرة" تحدد مصير حكومة باكستان.. اسقاط بالشارع أو اغتيال!

محمد كسرواني

ثلاث سنوات على عُمر الحكومة الباكستانية برئاسة عمران خان، رفع فيها ثلاث لاءات "خطرة" وضعت بلاده على خط التوتر الدائم. "لاء" أولى للسعودية عندما طلبت أن يكون جزءًا في صراعها ضد الجمهورية الاسلامية في ايران، الـ "لاء" الثانية للمعارضة الداخلية التي تدفعه نحو زعزعة أمنية قوامها فتنة طائفية ومصالح الأحزاب السياسية. أما الـ "لاء" الثالثة، فللأميركيين عندما طلبوا منه التخلص من العلاقات الباكستانية - الصينية.

يكاد الوضع الاقتصادي في باكستان لا يتحسن كثيرًا في ولاية الرئيس الحالي والقائد لحركة إنصاف الباكستانية، لكن شعبيته تتزايد رغم الضغوط الداخلية والخارجية. فقد اتخذ سلسلة قرارات جريئة يقدم عليها خان، لا تتآلف مع مسير حكم قاده فريق سياسيّ قدم للسعودية وأميركا كل التسهيلات على مدى 40 عامًا.

مسؤول العلاقات الخارجية في مجلس وحدة المسلمين في باكستان السيد شفقت الشيرازي، يلخص في حديث لموقع "العهد" الاخباري مسار العمل لحكومة بلاده. يبدأ السيد الشيرازي بالفترة الانتقالية قبل تسلم خان الحكومة، اذ كانت خزينة الدولة نهبت بالكامل وتكاد تعجز عن دفع حتى رواتب الموظفين. بوصول خان فتحت السعودية كل أوراق اعتمادها لضمه لمحورها في المواجهة، سيّرت إليه 6 مليارات دولار، 3 منها لدعم العملة الوطنية و3 على شكل قروض ميسرة طويلة الأمد.

للسعودية .. الـ "لاء" الأولى

أول رحلة خارجية لخان كانت للسعودية. استقبل بحفاوة لم يشهدها رئيس حكومة باكستانيّ من قبل. طلب منه بصريح العبارة: الوقوف بوجه ايران وتمهيد التطبيع مع "اسرائيل". هنالك رفع خان الـ "لا" الاولى وقال عبارته الشهيرة: باكستان ستكون في ولايتي جزءاً من الحل في المنطقة لا طرفاً في ايّ صراع مع دول الجوار. بعدها بأشهر، أدرك ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خطورة الرجل، وانه مختلف عن سياسة اسلافه (نواز شريف وامثاله)، وبدأت بذلك معركة كسر الحكومة.

على غير عادة، بدأت تحركات غير مسبوقة للسفير السعودي في باكستان، وزيارات لقوى واحزاب صوفية، لطالما همشتها الرياض. دعوة للحج والعمرة ودعم ماليّ وتقرّب وزيارات، وتسهيل في طباعة مناهج دينية وهابية تعزز الانقسام بين الشيعة والسنة والصوفية.

ثلاث لاءات "خطرة" تحدد مصير حكومة باكستان.. اسقاط بالشارع أو اغتيال!
مسؤول العلاقات الخارجية في مجلس وحدة المسلمين في باكستان السيد شفقت الشيرازي

تدحرج الوضع سريعًا إلى خطابات دينية نالت من السيدة الزهراء (ع)، ليتبعها ردّ من رجل دين محسوب على المذهب الشيعي تعرض فيه لأحد كبار صحابة رسول الله (ص) (رغم صدور فتوى من كبار مراجع الشيعة بحرمة التعرض لصحابة رسول الله (ص)). تظاهرات في الشارع كادت تطيح بالحكومة لولا تدارك القوى الفاعلة ومنها مجلس وحدة المسلمين الفتنة. أتى الحل سريعًا من حكومة خان وقيادة الجيش على إثر اجتماع جَمع أغلب الأحزاب الدينية والسياسية، محذرًا من فتنة داخلية، وكاشفًا عن أموال صرفتها جهات خارجية لتعزيز الانقسام الطائفي في البلاد. بذلك نجح خان في تخطي أولى تبعات الـ "لاء" الأولى وكشف الدعم السعودي للتيارات الفكرية الوهابية.

للمعارضة الداخلية.. الـ "لاء" الثانية

مع تجاوز حكومة خان المطبّ الأول، انتقلت المهمة للمعارضة. القوى المدعومة من السعودية بشكل مباشر تكفلت برفع سقف الابتزاز لحكومة تقود أشرس معركة لمواجهة الفساد وسرقة الاموال العامة. اختلاق للمشاكل ومطالبات بحصص في الوظائف والتلزيمات الحكومية، وضعت عمران خان بين مفصلين، إما المواجهة وفقدان أكثريته النيابية أو التسليم وخسارة مناورته في مكافحة الفساد.

رفعت حكومة خان أمام المعارضة الـ "لاء" الثانية: التسويات وفق القانون دون محسوبيات. استطاع خان خلال تلك المرحلة الصعبة "ترويض" حلفائه والتصدي لأكبر تكتل معارض تشكل من 11 حزبًا تحت اسم "الحركة من أجل الديمقراطية". صوابية عمل حكومة خان، ومصارحة الشارع بوضع البلاد المالي والاقتصادي أكسبتاه ثقة أفقدت معارضيه أهليتهم في الشارع.

لم تثمر سلسلة التظاهرات في الشارع التي نظمتها المعارضة بحجة عجز السلطة التنفيذية عن حلّ ما تواجهه البلاد من تحديات، فأعداد المشاركين لم تتخطَّ مئات الآلاف. مجددًا انتصر خان وسحب شرعية الشارع من تحت معارضيه، ما دفعهم سريعًا لفض "الحركة" خاصة مع وجود قائد في المعارضة كنواز شريف يقيم خارج البلاد هربًا من تهم الفساد.

لأميركا.. الـ "لاء" الثالثة

أكثر ما يغيظ الأميركيين من باكستان، علاقتها المتينة بالصينيين والروس. فالمشاريع التجارية الثنائية والثلاثية، لطالما شكلت تهديدًا لمصالح أميركا التوسعية في المنطقة ومحاربة "خط الحرير" الصيني الى الشرق الاوسط.

مع تسلم ادارة الرئيس الاميركي جو بايدن الحكم، وتصميمها في مواجهة الصين وروسيا، طلبت واشنطن من خان قطع العلاقات الاقتصادية. هنا رفعت الحكومة الباكستانية الـ "لا" الثالثة: نعمل ما هو لصالح بلدنا ولا سياسة في النهوض الاقتصادي.

اميركا لم تشهد في باكستان نِداً منذ 40 عاماً، وكانت قرارات سفرائها "مقدسة" لا مجادلة فيها. خان وبعمله الواضح غيّر المشهد، اذ حضر مرةً مسؤول أمنيّ الى اسلام آباد وطلب موعداً منه فأحاله الى مسؤول أمنى باكستاني، اتصل وزير خارجية اميركي وطلب محادثته تلفونياً، فأحاله ايضاً الى وزير خارجيته، وقال عندها "إذا ارادت اميركا من بلادي شيئاً فعلى (الرئيس) بايدن الاتصال بي".

الجنون الاميركي من خان استشاط برفضه الطلب الاميركي بدء علاقات تطبيعيه مع "اسرائيل". يومها أعلن عمران خان رسمياً موقفاً واضحاً: "ماذا سأجيب الله إن اقدمت على التطبيع؟". ربط التطبيع بالدين والعقائد الاسلامية، اعطى خان دفعاً كبيراً في الشارع وختم بالشمع الاحمر على مشاركة باكستان في صفقة القرن.

قبل ايام اعلنت الحكومة الباكستانية ضمناً اعلى سقف للتصدي الاميركي برفضها فتح قواعد عسكرية للقوات المنسحبة من افغانستان (الموعد المرتقب في ايلول المقبل). بهذا القرار ستكون الحكومة الباكستانية وضعت اعلى سدّ في وجه العلاقات الاميركية - الباكستانية. خان يعلل مواقفه التصعيدية بشجاعة لم تشهدها بلاده من قبل: "أعمل ما هو لمصلحة بلادي، ولا اريد ان اكون طرفاً لأحد".

مستقبل الحكومة ..

حتى الساعة يكسب عمران خان المزيد تلو المزيد من تأييد الباكستانيين. فحتى معارضوه أقرّوا له بشجاعته واستقلاليته في ادارة البلاد. خلال السنتين المقبلتين على خان ان يواجه المزيد من الضغوط الخارجية، فنيران الفتنة لن تقف مكتوفة الايدي امام ارادته الصلبة.

لا يستبعد مسؤول العلاقات الخارجية في مجلس وحدة المسلمين في باكستان السيد شفقت الشيرازي، تكثيف أجهزة المخابرات سعيها للتخلص من خان حتى لو بالاغتيال. يقول السيد الشيرازاي إن معلومات امنية كشفت عن مساعٍ مؤكدة لتصفية خان، ما دفع الاخير لرفع حيطته الامنية الى الدرجة الرابعة والاخذ بالكثير من الاجراءات الوقائية.

إذا استطاع خان العبور بالسنتين المقبلتين دون سقوط الحكومة، تشير كل استطلاعات الرأي الى انه سيستمر بإدارة البلاد بولاية ثانية. مواقف خان الجريئة ومصارحته الشارع بحقائق الأمر واصراره على مكافحة الفساد، ساهما كثيرًا في تهدئة وضع البلاد ورسم معالم وأُفق جديدة للسياسة الخارجية، قد تنعكس على علاقات قد تشمل سوريا والعراق ولبنان. فباكستان دولة نووية اسلامية ودورها في الشرق الأوسط سيكون رائدًا كونها حلقة الوصل التجارية الأقوى بين الصين ودول البحر المتوسط.

إقرأ المزيد في: خاص العهد