معركة أولي البأس

خاص العهد

المحروقات بـ
31/05/2021

المحروقات بـ"القطارة".. و"استنسابية" مصرف لبنان تحرم مناطق دون أخرى

فاطمة سلامة

 يخبرنا أحد القاطنين في الجنوب أنه بقي لأكثر من ساعتين ينتظر دوره في طابور السيارات لتعبئة سيارته بالوقود. وعندما جاء دوره أبلغ أنّ مادة المحروقات نفدت ليعود الى المنزل خالي الوفاض. هذه الصورة ربما بديهية في لبنان حيث اعتدنا على هذا المشهد في الآونة الأخيرة. إلا أنّ المثير للتساؤل يكمن في اشتداد أزمة المحروقات في منطقة دون سواها بحيث تبلغ أشدها في الضاحية الجنوبية لبيروت والجنوب والبقاع. ولدى سؤال المعنيين عن الأسباب تأتي الإجابة بالتأكيد أن لا أبعاد سياسية أو طائفية لهذا الأمر، فيما يؤكّد من هم متضررون من هذا الواقع أنّه ورغم أنّ الأزمة على الجميع إلا أنّ ثمّة استهدافا واضحا لمناطق دون أخرى. 

فغالي: الدعم علّة العلل 

لدى سؤالها عن دور وزارة الطاقة في أزمة المحروقات الحاصلة، تضع المديرة العامة لمنشآت ​النفط​ أورور فغالي في حديث لموقع "العهد" الإخباري أسباب الأزمة في سلّة الدعم. كل ما نحن فيه من مشاكل سببه دعم المحروقات. برأيها، يجب أن يتخذ القرار بوقف الدعم مع تأمين بطاقة تمويلية للأكثر فقراً. المسؤولية برأيها لا تقع على عاتق وزارة الطاقة بل وزارة المال والاقتصاد ومصرف لبنان. 

الدعم أحدث مشكلة كبيرة تتعلق بتهريب المحروقات. الأخيرة تكاد تكون علّة العلل في الأزمة الحالية. من وجهة نظرها، حتى المواطن العادي الذي لا يملك خطة "مافيوية" بات من مصلحته أن يعمل بالتهريب. ففي بلد تدعم فيه الدولة المحروقات وتباع بسعر أقل 3 الى 4 مرات من الخارج لا شك أنّ كثرا سيستفيدون من هذا الواقع. الاستفادة لا تقتصر على المحطات بل حتى على الناس العاديين. وبالموازاة، تحاول الجمارك ملاحقة المهرّبين عند الحدود. برأيها، التهريب يخوّل الفرد أن يجني 20 مليونا في الشهر. 

ترى فغالي أنّه من غير المنطقي أن يبقى الدعم لأنّ التهريب حينها سيستمر. وحتى لو أوقفنا الصهاريج التي تهرب كل يوم فهناك تقارير عن محطات تعمل في هذا المجال. أكثر من ذلك، ألقي القبض على أحدهم عند النهر الكبير بعد مده أنبوباً في النهر ليلًا مستفيدًا من وجود خزان تحت الارض يسحب منه المحروقات ويزوّد الصهاريج التي تنتظره في الجهة المقابلة. برأي فغالي، فإنّ هذه الحادثة قد تتكرّر لأكثر من مرة وبأشكال مختلفة. وحتى لو جرى إيقاف محطات عن العمل بسبب التهريب، قد يذهب المهرب الى محطات أخرى ويستمر في سياسته التهريبية.

سأوجّه كتاب مساءلة الى الشركات المستوردة لمعرفة كيفية توزيع الكميات 

ولدى سؤالها: لماذا لا يشهد السوق توزيعا عادلا للكميات المستوردة؟ تبرّر فغالي هذا الأمر بالإشارة الى أننا نخضع لاقتصاد حر. صحيح كوزارة طاقة أستطيع أن أطلب من الشركات وأتابعها ولكن في النهاية لكل شركة سياسة خاصة بها. وهنا تشير فغالي الى أنّ بعض الشركات قد تكون خائفة من مسألة التهريب لأنّ الكميات المهربة كبيرة جداً رغم أن الجمارك عملت على ضبط هذا الموضوع في الآونة الأخيرة. لكن نسبة التهريب بلغت في الشهور الماضية بين 30 و40 بالمئة من كميات البنزين. كما ترجّح فغالي أن تكون بعض الشركات خائفة من قانون "قيصر" ما يدفعهم الى تسليم محطاتهم فقط. برأي فغالي فإنّ مسؤولية ما يحصل لا يقع على عاتق الشركات فقط، فبعض الشركات تزود محطات والأخيرة تخبئها. وهنا توضح فغالي أنها ستوجّه كتاب مساءلة الى الشركات المستوردة لمعرفة كيفية توزيع الكميات المستوردة. 

سعر برميل النفط ارتفع عالميًا ما أثّر على الكمية المستوردة 

وفي معرض حديثها، توضح فغالي أنّ الكميات المستوردة منذ بداية عام 2021 توازي الكمية في عام 2019، وأكبر من كمية عام 2020 التي انخفضت بسبب المشاكل التي كانت موجودة. لكنها لا تخفي أنه وفي شهر أيار بدأت الكمية تقل بسبب غلاء سعر برميل النفط عالميًا اذ كان بحسب نشرات "Platts"  
27 دولارًا، أما اليوم فـ 67 دولارًا. وعليه، انخفضت الكمية المستوردة، حيث دفع مصرف لبنان خلال الأربعة أشهر الماضية أموالا كثيرة بسبب غلاء الأسعار، ونحن كوزارة طاقة -تقول فغالي- بالكاد أن أستورد باخرتين شهريًا واحدة بنزين وأخرى مازوت، وفي المقابل لديّ التزامات كثيرة. 

 ما الذي سيتغيّر اذا استوردت الوزارة البنزين؟
 
لماذا لا تستوردون كوزارة طاقة؟ تجيب فغالي بالإشارة الى أن لا داعي للاستيراد طالما أنّنا نعطي نحن الأذونات للشركات التي تستورد والتي تبلغ أكثر من 7 شهريًا. كما أننا نصدر التسعيرة الرسمية ما يمنع الشركات من البيع بسعر أغلى. إلا أن فغالي تعود وتكرّر أن المشكلة الأساسية تكمن في التهريب، سائلةً: ما الذي سيتغيّر اذا استوردت الوزارة البنزين؟. برأيها، لن تحل الأزمة ولن يتوقف التهريب. 

أسامة عليق: جملة أسباب للأزمة على رأسها "استنسابية" مصرف لبنان

مدير محطات الأمانة للمحروقات أسامة عليق يوجز في حديث لموقعنا جملة أسباب كان لها اليد الطولى في أزمة المحروقات الحالية:

- استنسابية مصرف لبنان الذي يفتح اعتمادات لشركات بشكل أكبر بكثير من شركات أخرى. ثمة شركات لا تسلم الكميات اللازمة، وشركات يُفتح لها اعتمادات أكثر بكثير من  شركات أخرى. بعض الشركات يفتح لها اعتمادات لاستيراد باخرة كل أسبوع، وشركات لاستيراد باخرة في الشهر. وفي المقابل، ثمّة تجار يحتكرون ويهربون المحروقات. 

-نقص الدولار في مصرف لبنان بموازاة التكتم على كمية الدولارات التي يمتلكها مصرف لبنان كي تتم برمجة عملية الاستيراد على أساسها، أضف الى ذلك أنّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يقول إنه لا يستطيع أن يستخدم الاحتياطي الا عبر آلية معينة يأخذ موافقتها وهذه الآلية لم تنجز بعد. ومن هنا لم يفتح في الفترة التي مرت اعتمادات للشركات لأنه يعتبر أنه اذا فتح اعتمادات فإنه لا يفتحها بشكل قانوني. 

-تهريب مادة البنزين، وهنا يرى عليق أن لا حل سوى باستيراد الدولة للبنزين. ثمة شركات مستوردة اليوم تفرض على المحطات أن تشتري المحروقات من أرضها بسعر المبيع في المحطة وتنقلها في الصهريج على حسابها. وبهذه الطريقة تكون قد خسرت المحطة كل هذه الأكلاف والأرباح، ما يفتح بابا للسرقة والغش والتهريب. فعندما يشتري صاحب المحطة وفقا لهذا السعر فإنه سيبرر لنفسه ويقنعها بأنه يجب أن يحافظ على ربحه إما بالتهريب أو بإنقاص الصفيحة بالكيل. برأي عليق، لو كان هناك دولة تتحكم بالأسعار وفقا لسعر نظامي ورسمي لما شهدنا كل هذه الحوادث. 

- خوف بعض الشركات من بيع الكمية الموجودة عندها لعدم ثقتها بتحويل مصرف لبنان اعتمادات جديدة لها لشراء باخرة جديدة، وعليه تعمل هذه الشركات على توزيع الكمية على محطاتها الخاصة. 

-بعض المحطات الكبيرة والأساسية تفتح جزءا بسيطا من المحطة، بحيث يتم تشغيل ماكينة واحدة فقط فيما يكون هناك طابور كبير من الزحمة.

ولا يتردد عليق في أن يلقي جزءاً من المسؤولية على المواطن الذي يصر على "تفويل" السيارة وإحداث ضغط غير مبرر على المحطات، رغم إشارته الى أنه لا يمكن "لوم" الناس كثيرا بعد أن فقدت الثقة بالدولة. 

استهداف لمناطق الجنوب والضاحية الجنوبية

وفيما يشدّد عليق على أن ثمة استهدافا لمناطق الجنوب والضاحية الجنوبية، يلفت الى أنّ الأمانة والتي تملك 31 فرعا في لبنان لم تفتح سوى 6 فروع، مشيراً الى أن الكمية التي تسلّم لها انخفضت كثيرًا. وفق عليق كان يسلّم لمحطات الأمانة 400 ألف ليتر يوميا، أما اليوم فانخفضت النسبة حوالى 60 بالمئة حيث لا يسلم سوى 150 ألف ليتر يوميا على مدى خمسة أيام بعد أن كانت ستة أيام. 
  
  ذاهبون للأسوأ

وفي الختام، لا يستبشر عليق خيرا، فطالما أن السياسة المتبعة لا تزال بهذا الشكل ومصرف لبنان لا يفتح الاعتمادات بشكل منتظم وعادل، وطالما ان الدولة لا تتدخل بشيء والتهريب لا يزال موجودا والناس تخزّن البنزين، بالتأكيد ذاهبون للأسوأ. وهنا، يشدد على ضرورة أن تتحرك الدولة على مستويين:  شق تعوض فيه النقص الموجود عبر الاستيراد، وشق ثان عبر دخول وزارة الاقتصاد الى خزانات الشركة المستوردة ومراقبة الكميات الموجودة.   

أبو شقرا: الكميات التي تسلم في الأسواق بالقطارة 

ممثل موزعي ​المحروقات​ في ​لبنان​ ​فادي أبو شقرا​ يلفت في حديث لموقعنا الى أنّ الكميات التي تسلم في الأسواق بالقطارة فيما الطلب اكبر بكثير من العرض.  ويلفت أبو شقرا الى أنّ مصرف لبنان يخفف الاعتمادات للكميات المستودرة لأن أسعار النفط ارتفعت عالميا فيما حسابات مصرف لبنان لا تزال على السعر القديم.

وفي الختام، يطالب أبو شقرا المسؤولين بأن يكون لديهم أفق للحل -رغم استبعاده ذلك-، كما يأمل أن تحدث "أعجوبة" ما في الحكومة والمحروقات.
 

 

المحروقات

إقرأ المزيد في: خاص العهد