خاص العهد
سارق المال العام يُعاقب ولو بعد حين
فاطمة سلامة
لم يفلُت رئيس مجلس إدارة "ستوديو فيزيون" وقناة MTV ميشال غبريال المر هذه المرّة من شباك القضاء. حاول الرجل مرارًا وتكرارًا استغلال علاقاته لكسب البراءة، إلا أنّه لم يفلح. على مدى أكثر من أربع سنوات عمد المر وهو المتورط -من رأسه حتى أخمص قدميه- بتهمة التخابر غير الشرعي وسرقة المال العام، الى عرقلة سير العدالة. جاهر بأنّ الاتهامات بحقه باطلة. تدخّل بالمال لدى القضاء فنجح في إحدى الجولات عندما أصدر القاضي الجزائي المنفرد في المتن قراراً بتبرئته في شباط 2018. حينها، عمّت الاحتفالات في دار المر ظنّاً من المدعى عليه أنّه خرج من القضية كـ"الشعرة من العجينة". لكنّه خسر الجولات اللاحقة حين أحقّ القضاء الحق، لتصدر محكمة التمييز حكماً مبرماً يدين المر بسرقة المال العام على أمل أن تنسحب التجربة على مختلف ملفات الفساد العالقة.
وللتذكير، فإنّ المر أقدم على قرصنة الاتصالات الدولية الواردة إلى لبنان وبدل أن تصب عائداتها في خزينة الدولة صبّت في حساب المر الذي عمل على فتح "نافذة" اتصالات دولية من خلال معدات وأجهزة استقبال نُشرت في قمم الزعرور وغيرها، بالإضافة الى "محوّل سنترال" موجود في مركز "ستديو فيزيون" في النقاش. والمعروف أنّ أي اتصال دولي يجب أن يمر في ثلاث بوابات: العدلية، رأس بيروت، الجديدة. أي تخابر دولي لا يمر عبر تلك البوابات فهو غير شرعي، لأنه يتخطى بوابات الدولة التي تمتلك "الحصرية" في التخابر الدولي. وقد استغلّ المر رقم هاتفه الثابت، وبدأ يُرسل عبره الاتصالات الدولية من وإلى خارج لبنان، عن طريق تحويل المكالمات الدولية إلى خطوط اتصالات محلية بطريقة غير شرعية. وبدل أن تكسب الدولة من المتصلين لقاء كل دقيقة تخابر دولية، كان المر يبيع تلك الدقيقة للمتصلين بنصف السعر الذي تبيعه الدولة، ويدفع للدولة بدلاً عن كل دقيقة تخابر دولي، دقيقة تخابر محلي.
قبلان: الملف الأول بهذه الضخامة يصل الى خواتيمه السعيدة
وبعد سنوات من العمل القضائي، قُضي أمر القضاء في ملف من أكبر الملفات. هو الملف الأول بهذه الضخامة الذي يصل الى خواتيمه السعيدة في القضاء اللبناني، وفق ما يؤكّد محامي الدولة اللبنانية في ملف التخابر غير الشرعي الأستاذ مصطفى قبلان. تبدّلت نظرة قبلان حيال القانون وهو صاحب مقولة "القانون يصدأ لولا الفقراء". بالنسبة اليه، تبين اليوم أن القانون اذا ما تابع بشفافية الملفات يتمكن من أن يطال الغني كما الفقير. بالتأكيد، عندما يكون هناك متابعة ومثابرة نصل الى خواتيم سعيدة في الملفات ونتمكّن من إصدار الأحكام. عندما نتابع الملف بحرفية ومهنية يتمكّن القضاء من إحقاق الحق، نصل الى نتيجة ولا تفلح التدخلات السياسية في تحقيق أهدافها، يضيف قبلان.
المراحل التي مرّت بها القضية منذ عام 2016
في حديث لموقع "العهد" الإخباري، يوجز قبلان المراحل التي مرّت بها قضية التخابر غير الشرعي. عام 2016 تسلمتُ مهامي كمحامي دولة في هذه القضية وتسلمتُ كتابًا من وزارة الاتصالات يقول إن ثمة شكوكًا بتخابر غير شرعي على خط اشتراك E1 من "أوجيرو" رقمه 04526000 تابع لشركة "ستديو فيزيون". حينها، تقدمتُ بشكوى جزائية أمام النيابة العامة المالية -يقول قبلان- وبدأت التحقيقات بهذه القضية، وقد رفعت ادعاءات على "ستديو فيزيون" وميشال المر أحيلت الى القاضي المنفرد الجزائي في المتن. طبعًا، كان الملف موضع متابعة بتفاصيل وحرفية ومهنية الى حين صدور التشكيلات القضائية وتعيين قاض بديل. الأخير وبعد بضعة أشهر أصدر حكماً مخالفاً للقانون والأصول مع العلم أن كافة الأدلة والتحقيقات والاثباتات تثبت أن هناك تخابرًا غير شرعي حصل من رقم 04526000. وقتذاك، جرى استئناف القرار ووضعنا أسباب الاستئناف والشكوك وأبرزنا الأدلة والبراهين التي تثبت أن هناك تخابرًا غير شرعي، كما استأنفت النيابة العامة المالية الشق المتعلق بالمال العام.
يُذكّر قبلان أنّ محكمة الاستئناف كلّفت لجنة خبراء أجرت تحقيقاتها وعقدت جلسات كثيرة في "ستديو فيزيون" و"أوجيرو". جرى تزويد تلك اللجنة بالمستندات وتبين أن هناك تخابرًا بحدود 30 مليون دقيقة. حُدد المبلغ حينها وفقاً لسعر 0.08 دولار للدقيقة الواحدة. طبعاً، المبلغ حينها تعدى الـ4 مليارات ليرة، ولكن المر دفع منهم فواتير داخلية أكثر من مليار ليرة. وعليه، بعدما تأكدت محكمة الأساس من الوقائع والأدلة والبراهين التي تدين المر فسخت قرار القاضي المنفرد وأدانته. عقبها، ميّز المر القرار لكننا أجبنا على التمييز بأنه مردود شكلاً، لتصدر محكمة التمييز حكمًا مبرمًا في 18 أيار ترد فيه التمييز شكليًا.
وفق قبلان، أتى القرار بمكانه من الناحية القانونية. صحيح طال وقت المحاكمة ولكن بالنتيجة وصلنا الى حكم مبرم صادر عن أعلى محكمة في لبنان. وقد أدين المدعى عليه وطلب منه إعادة حقوق الدولة المتمثلة بمليارين و574 مليون ليرة (ملياران و74 مليون للمدّعية الدولة اللبنانية، الممثلة بوزارة الاتصالات، إضافة الى 500 مليون بدل عطل وضرر). على أي سعر صرف؟ يقول المحامي إن الحكم صدر بالليرة اللبنانية ولم يصدر بالدولار. صحيح أن التخابر كان بالدولار وثمن الدقيقة وفقا لسعر 0.08 دولار، ولكن في حينها جرى احتسابها وفقاً لسعر صرف 1500 ليرة.
ماذا سيواجه المر بعد القرار؟ يقول قبلان: "خلال شهرين يجب أن يدفع المدعى عليه مليارين و574 مليون ليرة. في حال دفعها خلال شهرين يعفى من تنفيذ العقوبة. وفي حال لم يدفعها خلال المدة المنصوص عليها تصبح سنة السجن ثابتة عليه ولا هروب منها، وفي الوقت نفسه يجب أن يدفع الأموال". "نحن حفظنا حقنا كدولة منذ أن رفعنا الشكوى بإلقاء الحجز الاحتياطي على موجوداته أي على حوالى 99 عقارا".
ما حصل انتصار للقضاء
لا ينكر قبلان أن ما حصل هو انتصار للقضاء، لكنّه في الوقت عينه من واجبات القضاء وما حصل يجب أن يحصل، فالقضاء وجد لإحقاق الحق وعندما يكون لديه قضية محقة يجب أن تكون النتيجة كتلك التي صدرت" يختم محامي الدولة.
بالوثائق والأرقام..."العهد" يكشف تورط ميشال المر باختلاس المال العام