معركة أولي البأس

خاص العهد

 مبادرة سلامة حيال الودائع.. مناورة أم واقعية؟ 
10/05/2021

 مبادرة سلامة حيال الودائع.. مناورة أم واقعية؟ 

فاطمة سلامة

قبل نحو شهرين، فاجأنا حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بتصريح قال فيه إنّه عرض مع وزير المال غازي وزني اقتراحات ستؤدي الى انخفاض سعر صرف الدولار. التصريح الذي أتى من خارج السياسة العامة التي يتّبعها حاكم البنك المركزي لا يزال حتى اليوم بمثابة ضرب السيف في الهواء. المنصّة التي أعلن عنها في حينها و"هلّل" لها البعض كمدخل للحل، لم تبصر النور حتى الساعة. التسويف الذي يُثير التساؤلات عن مصير المبادرة التي أعلن عنها حاكم البنك المركزي حول مفاوضاته مع المصارف بهدف اعتماد آلية تبدأ بموجبها البنوك بتسديد تدريجي للودائع التي كانت قائمة قبل 17 تشرين الأول 2019 وبالعملات كافة. الخطوة التي يصفها البعض بالمناورة على أبواب رفع الدعم، فيما يعوّل البعض الآخر عليها خيراً -في حال نُفّذت كما يجب- في خفض سعر صرف الدولار هل ستساهم فعلاً في خفض سعر صرف الدولار والتخفيف من الأزمة النقدية؟ أم ستكون بمثابة ابرة "مورفين"؟. 

جباعي: إعطاء المودعين ولو جزءا من أموالهم بالدولار يساهم في خفض سعر الصرف

الخبير الاقتصادي الدكتور محمود جباعي -الذي أكّد مراراً وتكراراً أن لا حل لموضوع الدولار الا من خلال إعطاء المودعين ولو جزءا من أموالهم بالدولار- يقرأ في مبادرة سلامة فيرى أنّه وبغض النظر عن كل التعاميم السابقة فإنّ هذه المبادرة تعتبر بمثابة بداية الحل. إعطاء المودعين ولو جزءا من أموالهم بالدولار كفيل بتحريك الكتلة النقدية في السوق بالدولار، ما قد يحسّن الوضع الاقتصادي ويساهم في تخفيض سعر صرف الدولار. وفق جباعي، فإنّ المبادرة جيدة كخطوة أولى من أجل الحل. هكذا مبادرات يعوّل عليها في خفض سعر صرف الدولار لأنها تحرك السوق وتعمل على تكبير الكتلة النقدية بالدولار لتمتص الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية. يؤيّد جباعي المبادرة في حال أبصرت النور، مشدداً على ضرورة أن تتبعها مبادرات أخرى تباعاً حسب الحاجة للسوق اللبنانية وقدرة المصرف المركزي. 

 مبادرة سلامة حيال الودائع.. مناورة أم واقعية؟ 

توقيت الحديث عن المبادرة يطرح علامات استفهام

فعلياً اذا طبّقت هذه المبادرة ولم تكن مراوغة -يقول جباعي- ستكون بداية الحل لخفض سعر صرف الدولار ولجم ارتفاعه بنسبة محددة. لكنّ جباعي يدعو صراحة الى عدم تعليق الآمال على انخفاض سعر صرف الدولار كما كان من قبل، إلا أنّ المبادرة قد تتمكّن من خفضه لمستوى محدّد ولجم ارتفاعه المستقبلي. وهنا لا يخفي جباعي أن توقيت الحديث عن المبادرة يطرح علامات استفهام. لماذا التوقيت بالتزامن مع الحديث عن رفع الدعم؟. برأيه، بالتأكيد هناك أمر ما يُطبخ في هذا الموضوع رغم أن المصرف المركزي أكّد أنه مستمر بالدعم لآخر فترة وأنه سيلجأ الى ترشيد الدعم اذا ما أقرته الحكومة. يكرّر جباعي أنّ التوقيت الذي وُضع لتنفيذ المبادرة في 30 حزيران أي بداية تموز تجعلنا نرسم علامة استفهام سائلين لماذا لا يبدأ التطبيق أواخر أيار الحالي؟.

الشيطان يكمن في التفاصيل والعبرة في التنفيذ
 
يؤكّد جباعي أنّ هذه المماطلة تجعلنا نرسم علامات استفهام حول المبادرة التي سيتأخر البدء بتنفيذها شهرين، بينما يجب أن يكون هذا الإجراء سريعا وينطلق بالتزامن مع إطلاق المنصة اذا كان فعلاً هناك نية لدى سلامة بإطلاقها. هذان الإجراءان من الممكن أن يساهما في تخفيض سعر صرف الدولار تلقائياً ويعيدا الثقة بالقطاع المصرفي المهترئ وسط غياب ثقة الناس فيه وخوفها منه. لمجرد أن تبدأ المصارف بإعطاء الدولار للمودعين ولو بنسبة بسيطة فإنّ هذا الأمر سيعيد الثقة تلقائيا وتدريجيا لتلوح بشائر بداية الحل. لكنّ جباعي يستطرد بالإشارة الى أنّ الشيطان يكمن في التفاصيل والعبرة في التنفيذ. 

نأمل أن تبصر النور وتكون فعلية 

وعليه، يرى جباعي أنّ بداية الحل تنطلق من إعادة جزء من أموال المودعين بالدولار الى ذويهم. لا يخفي أن مصرف لبنان تأخر كثيراً بإقرار هذه المبادرة التي كان يجب أن تبدأ منذ بداية الأزمة. برأيه، أخطأ خطأ كبيراً عندما أوقف إعطاء الدولار ولو بنسب بسيطة للمودعين. فلو حافظ على إعطاء نفس النسبة من الدولار التي كانت تعطى للمودعين منذ بداية الأزمة لما تخطى سعر صرف الدولار عتبة الخمسة آلاف ليرة، كما كان حافظ على حجم الكتلة النقدية الكبيرة للدولار في السوق وخفّف طباعة الليرة، وأبقى على الثقة موجودة في القطاع المصرفي ما يشجّع الناس على وضع ودائعها بالمصارف اللبنانية. لكنه يعود ويكرّر أنّ هذه الخطوة وإن أتت متأخرة فهي إيجابية، متمنياً أن تبصر النور وتكون فعلية وتستمر لا كما المنصة التي لا يزال تنفيذها معلقاً منذ أكثر من شهر.  

في المحصلة، يرى جباعي أن لا حل للأزمة النقدية في البلد دون إعادة أموال المودعين ولو في سياق "كابيتال كونترول" محدد وضبط واضح وقانوني بعيداً عن الاستنسابية بالتعاطي ما يؤثر إيجاباً على سعر صرف الدولار وعلى الثقة بالقطاع المصرفي.

يشوعي: مناورة و"زوبعة في فنجان"

بدوره، الخبير الاقتصادي الدكتور إيلي يشوعي يرى في حديث لموقعنا أنّ كلام سلامة حول المبادرة يعد بمثابة مناورة و"زوبعة في فنجان". إنه كلام يُعيدنا بالذاكرة لما قاله سابقاً لدى ردّه على مطالبات المودعين باسترداد أموالهم حين قال "أموالكم ليست لدي بل في المصارف". وعليه، فإنّ الخطوة التي يتحدث عنها سلامة لجهة وضع آلية مع المصارف لتعيد ودائع الناس ليست بعيدة كثيراً عن هذا المنطق والتفكير خصوصاً أن لا وضوح في هذه الآلية التي لم يفصح عنها. 

 مبادرة سلامة حيال الودائع.. مناورة أم واقعية؟ 

من أين المال لإعطاء المودعين؟

ولدى تعليقه على المبادرة، يلفت يشوعي الى أنّ ثمّة سؤالا أساسيا يجب أن يُطرح: من أين المال لإعطاء المودعين؟ برأيه، فإنّ استرداد الودائع خطوة ممتازة ومطلوبة من النظام المصرفي وعلى رأسه سلامة الذي يريد أن يُنسينا أنه استعمل أكثر من 80 مليار دولار من ودائعنا. وهنا يشدّد يشوعي على أنّه اذا لم يتمكّن سلامة من الإجابة عن سؤال من أين المال سيقول إنّ الآلية التي وضعتُها مع المصارف لم تستطع الأخيرة أن تلتزم بها، وكأنه يحاول تبييض صفحته السوداء التي لن ينفع معها كل مساحيق التبييض، وفق تعبير يشوعي.

يعطي يشوعي احتمالات عدة، فيقول اذا كان المال لتمويل المبادرة من نسبة الـ3 بالمئة التي هي بمثابة دولارات نقدية أودعت في البنوك المراسلة فهذا معناه أننا لن نستطيع أن نستورد من الخارج. واذا كان المال من رساميل المصارف فالأخيرة لا تملك رساميل "سائلة". يذكّر يشوعي أنّ المصارف أخطأت في تنفيذ قرار زيادة الرساميل بنسبة 20 بالمئة حيث إنّ المفهوم لزيادة الرأسمال هو زيادة نقدية مدفوعة لا كما تمت عبر العقارات والاستدانة من الودائع الدفترية، وبهذا المعنى فإنّ  الـ22 مليار دولار اذا ما أضيف اليهم 20 بالمئة لتصبح نحو 26 مليار دولار المبلغ الذي يشكل نظريا رساميل المصارف هي أموال ليست "سائلة". احتمال آخر يضعه يشوعي: اذا قلنا للمساهمين ستتكبدون جزءا من الخسائر عبر الضخ من أموالكم الخاصة في المصرف والدفع للناس معناها أن كباشاً سيحصل بين البنك المركزي والمصارف. وفق يشوعي، ثمّة طريقة أسلم تكمن في تزويد البنك المركزي المصارف ببضعة مليارات من الدولارات لتدفع لأصحابها لكن برأيه لا يقدم عليها سلامة لأنها برأيه مس بالاحتياطي الالزامي لتبقى المبادرة مناورة، يختم المتحدّث كلامه.

رياض سلامةجمعية المصارف

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة