خاص العهد
تعسُّف المصارف ضد المودعين..هل يكون الحل بالـ "الكابيتال كونترول"؟
فاطمة سلامة
منذ بداية الأزمة في 17 تشرين الأول 2019، كانت المطالبات بضرورة إقرار قانون "الكابيتال كونترول" لتنظيم التحويلات والتعاملات مع المصارف. كَلّ لسان الخبراء الاقتصاديين وأهل العلم والاختصاص من المطالبة بـ"التعجيل" بإقرار القانون حفاظاً على ما تبقى من ودائع في المصارف التجارية ومنعاً لتهريبها الى الخارج كما حصل فعلاً. كما برزت أهمية القانون لتنظيم العلاقة بين المصرف والمودع. الأخير تعرّض لكافة أشكال الإذلال على أبواب المصارف. شهدت التعاملات استنسابية واضحة اختلفت بين مصرف وآخر وبين مودع وآخر. إلا أنّه وللأسف هرّبت مليارات الدولارات الى الخارج، وعانى المواطن ما عاناه مع المصارف عبر "تسول" أمواله التي تعرّض جزء منها لـ"هيركات" وصل الى حد الـ70 بالمئة، ولم يقر القانون الموعود.
اليوم، عاد الحديث عن قانون "الكابيتال كونترول" بعد أن أعد مشروع له في اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة المال والموازنة. فهل لا يزال القانون نافعاً بعدما تأخر إقراره نحو عام ونصف؟ وهل سيجد في حال إقراره طريقه نحو التنفيذ أم سيلقى مصير القوانين التي وجدت ولم تطبّق كالدولار الطالبي؟.
جابر: "أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً"
عضو كتلة "التنمية والتحرير" النائب ياسين جابر، عضو اللجنة الفرعية التي أعّدت مشروع قانون "الكابيتال كونترول" يستهل حديثه بالإشارة الى أنّ قانون "الكابيتال كونترول" تأخّر ولكن لا بد من إقراره على قاعدة "أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً". برأيه، كان من المفترض أن لا يُسمح للمصارف في تشرين الأول 2019 أن تفتح أبوابها قبل إقرار "الكابيتال كونترول" لأنه دواء استخدم في العديد من البلدان التي عانت من أداء المصارف. لكن للأسف الشديد، لم يقر القانون نتيجة خطأ من قبل مصرف لبنان والمصارف ومسؤولين كبار لم يعوا أهمية القانون في حينها. أما اليوم، فيشدّد جابر على أنّ القانون مطلب ضروري لتنظيم علاقة الناس بالمصارف وإيقاف تعسف المصارف مع الناس حيث تغيب القاعدة في التعامل ويصدر مصرف لبنان تعميما لا يمتثل اليه أحد أو يطبقه.
أهمية القانون
وفي حديث لموقع "العهد" الإخباري، يشدّد جابر على أنّ الاستنسابية تتحكّم اليوم بعمل المصارف، فسقف السحوبات ومداها الزمني يختلف من مصرف الى آخر. برأيه، ثمّة "جريمة" تحصل بحق الناس خاصة صغار المودعين الذين تتعرّض ودائعهم لـ"هيركات" بنسبة 70 بالمئة حيث يتم سحب الودائع وفقاً لسعر المنصة 3900 ليرة، بينما سعر صرف الدولار في السوق السوداء أكثر من 12 ألف ليرة. وعليه، يشير جابر الى أنّ مشروع "الكابيتال كونترول" الحالي يمنع التحويلات الى الخارج باستنسابية وينص على ضرورة أن يكون هناك عدالة. ثمّة استثناءات في هذا الإطار كموضوع الدولار الطالبي.
ويؤكّد جابر أنّ قانون "الكابيتال كونترول" أي قانون "تنظيم التحويلات والتعاملات مع المصارف" سينظّم علاقة المودع مع المصرف الذي يتعامل معه. برأي جابر، ثمّة تعسف غير مقبول من قبل المصارف.
القانون -وفق جابر- ينص على ضرورة تنظيم عملية السحوبات، فالتعميم الحالي مثلاً يسمح بسحب 2000 دولار شهرياً لمن حسابه يفوق المئة ألف دولار وفقاً لسعر المنصة أي سبعة ملايين و800 ألف ليرة، بينما مشروع القانون الحالي يشدد على ضرورة عدم صرف 2000 دولار كي لا تزيد الكتلة النقدية، بل صرف 800 دولار وفقاً لسعر المنصة الجديدة المنوي إطلاقها. بهذه الطريقة لا تؤكل الودائع -يقول المتحدّث- ويشعر المواطن أنّ دولاره محفوظ ولم يخضع للحجز الإجرامي الحاصل. كما يجيز القانون للمودع أخذ نصف المبلغ بالدولار ما يعمل على تقوية وجود الدولار في السوق وتخفيض سعر الصرف ويساعد نحو مليون مودع على الحصول على حقوقهم. وهنا يستشهد جابر بتجربة اليونان. الأخيرة عندما أجرت "الكابيتال كونترول" سمحت للمواطن سحب 500 يورو في الأسبوع، وبما أنّ عملتنا هي الليرة اللبنانية طالبنا بإعطاء الأموال بالليرة ولكن وفقاً لسعر السوق.
ومن حسنات القانون، يرى جابر أنّه يحدد السقف النقدي ويضع آلية كي لا يتمنّع المصرف عن إعطاء الودائع للناس. وفي ما يتعلّق بالتحويلات، ثمّة مركزية للصرف، بحيث يتقدّم المودع بطلب التحويل الى المصرف فيذهب الى المركزية، ما يمنع تعدد التحويلات من أكثر من مصرف والاحتيال على المصارف. وبحسب جابر، اذا تمنع البنك عن التحويل تتقدم شكوى الى لجنة الرقابة واذا بقي متمنعا يذهب الى اللجنة المصرفية العليا وقد يشطب المصرف. برأي جابر، فإنّ المصرف الذي يفتح "دكانة" وغير قادر على تحويل الأموال الى الطلاب في الخارج فلماذا سيبقى مصرفا؟.
معركة مع المصارف
وفيما يوضح جابر أنّ اللجنة الفرعية عقدت عدة اجتماعات سرية لمناقشة قانون "الكابيتال كونترول"، يلفت الى أنّ ثمّة معركة حالياً مع المصارف، فالقانون يتعرّض لحملة قبل أن يقر. برأيه، يحلو للمصارف أن تبقى "متفلتة" من أي تنظيم بعد أن وجدت نفسها تحت الضغط ومطالبة بالتنظيم فسارعت الى تسريب الوثيقة غير النهائية وفتحت حملة عليها.
عكوش: من يقول إن قانون "الكابيتال كونترول" لا لزوم له يجب أن يقدّم بديلا
بدوره، لا ينكر الخبير الاقتصادي الدكتور عماد عكوش في حديث لموقع "العهد" الإخباري أن قانون "الكابيتال كونترول" تأخر، لكن برأيه فإنّ القول إنّ هذا القانون لم يعد ينفع ولا أهمية له غير منطقي. من وجهة نظره، ثمّة اعتراف صريح بأنه خلال الفترة الماضية ونتيجة عدم إقرار "الكابيتال كونترول" تم تهريب أموال من المصارف التجارية الى الخارج بحدود الـ9 مليارات دولار. وفق تقدير عكوش، لا يزال في المصارف التجارية 4 مليارات دولار، وعليه، اذا لم يقر هذا القانون سينضم هذا المبلغ الى التسعة ليصبح لدينا 13 مليار دولار في عداد المهرّب.
وفق قناعات عكوش، فإنّ من يتحدّث اليوم أن قانون "الكابيتال كونترول" لا لزوم له يجب أن يقدّم بديلا. لا يمكننا البقاء على هذا الوضع في ترك المصارف تهرّب ما تبقى من الودائع، أو نسمح لمصرف لبنان أن يهرّب ما تبقى لديه. الأخير ومنذ بداية الأزمة خسر ما يقار الـ17 مليار دولار من ودائعه في العملات الأجنبية لأسباب عدة منها الدعم والتهريب وذلك نتيجة غياب هذا القانون. اليوم لا يوجد سوى 16.83 مليار دولار كاحتياطي الزامي، فهل المطلوب عدم اقرار القانون وترك الاستنسابية لمصرف لبنان بالمخاطرة بما تبقى من احتياطي عملات صعبة موجودة لديه؟! يسأل عكوش.
إقرار القانون أكثر من ضرورة
ويشدّد الخبير الاقتصادي على أنّ الحديث عن عدم فعالية قانون "الكابيتال كونترول" يدفعنا الى البحث عن البديل. يُشبّه الموضوع كمن يشتعل حريق في منزله واذا لم نفعل شيئاً ما لإطفائه سيقضي الحريق على ما تبقى من المنزل. من هنا، يرى عكوش أنّ إقرار هذا القانون أكثر من ضرورة حتى ولو بعد 10 سنوات لأن البديل الذي يشار اليه اليوم عبر الذهاب بالقضايا الى القضاء حتى النفس الأخير يطرح السؤال عما سيحصل لهذه الودائع بعد إفلاس المصارف التي أقيمت الدعاوى عليها ما يمهّد لنخسر حقوقنا حتى ولو كان مصرف لبنان ضامنا لهذه الودائع وهو في الأصل يضمن الودائع بالليرة اللبنانية ولا يضمنها بالدولار.
ملاحظات على هامش القانون
ولا يخفي المتحدّث أن لدينا ملاحظات على مشروع القانون ولكن هذا لا يعني أن نرفضه بالمطلق. يؤخذ على هذا المشروع -وفق عكوش- أنه لا يزال يعطي الاستنسابية للمصارف، حتى أن صندوق النقد الدولي طالب بضرورة سحب هذه الاستنسابية من القانون فلا يجوز أن نتركها في التحويلات والدفع للمودعين. ومن الملاحظات على المشروع عدم الدفع لصغار المودعين بالعملة الصعبة وهذا ما تصر عليه المصارف التي تريد الدفع بالليرة للبنانية فقط، رغم أنّ صغار المودعين لن يقتطعوا رقما كبيراً من هذه الودائع، فلماذا ستحتفظ المصارف بالأموال الصعبة لها وحدها، وهذا حق من حقوق المودعين؟.
كما يضع مشروع القانون حد أقصى 20 مليون ليرة للسحب شهرياً ويجيز سحب النصف بالعملة الصعبة ولكن هذا غير كاف -برأي عكوش- فالمصارف ترفضه بكل الأحوال، وترفض الـ20 مليون بالأصل. المصارف من مصلحتها التخفيف من الضغوط عليها، ولكن بالنهاية هذه حقوق المودعين لا المصارف، يختم عكوش.