خاص العهد
عيد العمال..مئات الآلاف عاطلون عن العمل و"الحبل عالجرار"
فاطمة سلامة
يأتي عيد العمال هذا العام على هيئة "عيد" فارغ المضمون وعلى غير مسمى. صحيح أنّ أوضاع العمال في السنوات التي خلت لم تكن في أفضل حال، إلا أنّها باتت هذه الأيام في الدرك الأسفل. قسم كبير من القوة العاملة بات بلا عمل وسط اشتداد الأزمة الاقتصادية وظاهرة الصرف التعسفي، وبالتالي بلا مدخول ما أفقده أدنى مقوّمات العيش الكريم. أرقام مُخيفة وصلت اليها البطالة في لبنان في أقسى أزمة اقتصادية بتاريخه. وعندما تحضر البطالة تحضر أخطر أنواع الظواهر الاقتصادية. الظاهرة التي لا تقف عند حدود الاقتصاد بل تمتد من مشكلة اقتصادية الى معيشية واجتماعية وربما أمنية خطيرة. والأخطر من كل ذلك، أنّ البطالة قد تحصل في أحسن البلدان، ولكن تلك البلدان تواجهها برؤية متكاملة تُخفّف "الهمّ" عن أي عاطل عن العمل. تواجهها بنظام حماية اجتماعية يُعزّز ويُكرّم الفرد فيه فتؤمّن له أدنى مقوّمات العيش الكريم. أما في الحالة اللبنانية، فلا نظام حماية ولا تقديمات ما يجعل العاطل عن العمل معلقاً بحبال الهواء. وعليه، كم تبلغ نسبة البطالة في لبنان؟ وكيف السبيل للحد منها؟.
الأسمر: نسبة البطالة لامست الـ40 بالمئة لدى الرجال والـ45 بالمئة لدى النساء
رئيس الاتحاد العمالي العام الدكتور بشارة الأسمر يلفت الى أن لا أرقام دقيقة لنسبة البطالة لدى الجهات الرسمية، ولكن بناء على أرقام المنظمات الدولية وإحصاءات القطاعات والشكاوى التي تردنا يتبيّن أنّ نسبة البطالة في لبنان لامست حالياً الـ40 بالمئة لدى الرجال والـ45 بالمئة لدى النساء بعدما كانت بحدود 25 الى 27 بالمئة لدى الرجال، و35 بالمئة لدى النساء. كما تختلف نسبة البطالة باختلاف الأعمار، فمن هم فوق الخمسين عاماً تتراوح نسبة البطالة لديهم بين 55 و60 بالمئة، نظراً لأنّ الاتجاهات دائماً تكون لصرف هذه الفئة العمرية.
120 الف عاطل عن العمل في القطاع السياحي والقطاع التجاري شبه مقفل
وفي حديث لموقع "العهد" الإخباري يوضح الأسمر أنّ ما فاقم أزمة البطالة أكثر هي نسبة الجامعيين الذين تخرّجوا، والذين كان من المفترض أن يجدوا أعمالاً من بداية الأزمة التي بدأت ملامحها بالظهور عام 2018. بحسب الأسمر، فإنّ أرقام الجامعيين الذين تخرجوا ولم يجدوا عملاً خلال السنوات الثلاث الماضية "مرعبة" وتقارب الـ300 الف تقريباً.
ولدى حديثه عن القطاعات المتضرّرة، يوضح الأسمر أن أكثر قطاعين متضررين هما القطاع السياحي والتجاري. القطاع السياحي شبه مقفل وفيه حوالى 120 الف عاطل عن العمل، وحتى بعد قرار فتح المطاعم لا يزال جزء كبير منها مقفلاً. أما القطاع التجاري فلا رقم محددا للعاطلين عن العمل فيه، ولكن هذا القطاع شبه متوقف على أنواعه، وتكاد تكون أسواق تجارية بأكملها مقفلة. كما يبرز لدينا نحو 50 الى 60 ألف عاطل عن العمل في القطاع الصناعي.
عدد المصروفين في قطاع المصارف بالآلاف
وفيما يُشدّد الأسمر على أننا أمام كارثة محتّمة، يلفت الى أنّ عمال المصارف تعرضوا لما يشبه "المجزرة" اذ بلغ عدد المصروفين في قطاع المصارف الآلاف، وهذا القطاع مؤهّل للمزيد من المعاناة هذا العام. وفق تقديرات رئيس الاتحاد العمالي العام لدينا بحدود الـ550 ألف عاطل عن العمل ما عدا الأرقام في صفوف الجامعيين الذين أقفلت أبواب الهجرة أمامهم لعدم قدرة أهلهم على دفع تكاليف السفر وسط احتجاز الأموال في المصارف.
أرقام البطالة ستزداد
ويرجّح الأسمر أن تزداد أرقام البطالة أكثر فأكثر وسط عدم الإحساس بالمسؤولية وانعدام الحس الوطني ما يفاقم الأزمة. وهنا يلفت المتحدّث الى أنّ الأرقام التي ذكرها للعاطلين عن العمل لم تشمل العمال الذين يتقاضون ربع ونصف راتب. برأيه، فمن يعمل بمليون ليرة شهرياً هو أيضاً عاطل عن العمل، خاصة وسط مطالبات برفع المعاينات الطبية والتي ستليها حكماً مطالبات برفع العمل الطبي، فماذا سيتبقى من راتب فرد يتقاضى مليون ليرة؟ يسأل الأسمر الذي يرى أنّ الكارثة الكبرى تكمن في أن المسؤولين وبدل السعي لحل الأزمات يتحفوننا بـ"خبريات" لا تعنينا أبداً. ما يعنينا قضية الدعم والبطاقة التمويلية وسط مئات الآلاف من الفقراء.
وفي الختام، يوجّه الأسمر التحية لعمال لبنان، مشدداً على أنّ معاناتنا كبيرة بهذه المرحلة، إنما يجب أن نتمسّك بهذه الأرض أكثر فأكثر لأن لا خيارات لدينا ومن ليس له وطن على الأرض ليس له وطن بالسماء.
عكوش يعرض رؤيته للتخفيف من البطالة
الخبير الاقتصادي الدكتور عماد عكوش يلفت في حديث لموقعنا الى أنّ نسبة البطالة بلغت في آخر إحصاء رسمي للبنك الدولي 40 بالمئة. ولدى سؤاله عن الخطط والرؤى الاقتصادية للتخفيف من نسبة البطالة يرى عكوش أنّ العمل في هذا الإطار يأتي على ثلاثة مستويات:
1- على المستوى الرسمي يأتي دور الدولة التي للأسف غائبة عن هذه القضية، ولم تتمكّن من تقديم أي حلول وسط عدم تشكيل الحكومة، فيما الخطط الاقتصادية والقوانين والمشاريع عالقة حتى الساعة.
2- على مستوى الأحزاب، والجمعيات، والبلديات اذ من الممكن أن تقوم هذه الجهات بمساعدة الناس وتدريبها على مهن جديدة خاصة أننا نشهد في لبنان انخفاضاً في العمالة الأجنبية ما يحتّم على اللبناني العودة للعمل في مهن كان قد عمل بها سابقاً كالصيانة في مختلف المجالات. وفق عكوش، من المفترض أن يعود اللبناني للعمل بهذه المهن وسط تحليق أسعار السلع الجديدة الأمر الذي دفع بالعديد من المواطنين الى صيانة ما لديهم من تجهيزات ومقتنيات. وحتى من الممكن التوجه نحو مهن إصلاح الثياب والأحذية فالازمة الاقتصادية الكبيرة منعت الناس من شراء ما هو جديد.
وفي الموضوع الزراعي، يلفت عكوش الى أنّ العديد من المواطنين أهملوا أراضيهم لسنوات، أما اليوم فبإمكانهم العودة الى الأرض والمطلوب من الجمعيات والأحزاب والبلديات عقد ورش لتدريب هؤلاء الأشخاص عبر إقامة دورات لهم وتدريبهم لاستصلاح أراضيهم. كما يمكن الوقوف الى جانبهم عبر إنشاء مراكز زراعية لتزويدهم بما يلزمهم وإنشاء تعاونيات زراعية لتوجيه المواطنين.
ويؤكّد عكوش أنّ كل هذه الأمور تساعد على خفظ معدل البطالة بشكل كبير جداً. وفق حساباته، بإمكان لبنان أن يحقّق اكتفاء ذاتياً من خلال هذه المواضيع فلبنان غني بمناخ وتضاريس يستطيع أن يزرع فيها كل شيء.
3- على المستوى الفردي، يشدّد عكوش على ضرورة أن تكون لدى الفرد الإرادة والنية والعزيمة للعمل. وهنا يلفت الى أنّ البطاقة التموينية يجب أن تكون للناس التي تعمل لا لأولئك "الخمولين"، وكما قال الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله يجب أن نساعد الناس لتكون منتجة لإنشاء اقتصاد منتج.
وفي الختام، يدعو عكوش لعدم انتظار الدولة لأنها مقصّرة وغائبة عن السمع في أزمة البطالة.