خاص العهد
آل خليفة: ابن سلمان يتراجع ونحن كذلك
لطيفة الحسيني
لن تتعدّى صورة ملك البحرين حمد بن عيسى والعلامة السيد عبد الله الغريفي حدود اللقاء الثنائي. لا بوادر توحي بأن الجلسة التي عملت السلطة على تضخيم مؤشّراتها، ستؤسّس لحلولٍ حاسمة تُخرج المملكة من نفق الأزمة المتواصلة منذ 10 سنوات.
البحث عمّا يرمي إليه آل خليفة باستقبال السيد عبد الله الغريفي ليس أحجيةً يصعب فكّها. اجتماعاتٌ كثيرة مُشابهة وأسلوبٌ مُكرّر يطرح الثقة بالنظام الحاكم، فسجّله حافل في استغلال كلّ تفصيل وقضية.
قبل 5 أيام (25نيسان/ابريل)، استقبل حمد بن عيسى السيد عبد الله مع عدد من العلماء والمشايخ والعنوان كان التهنئة بمناسبة شهر رمضان. حرِص الملك في الصورة التي وزّعها إعلامه الرسمي على الابتسام والظهور أمام الشعب ضاحكًا خلال اللقاء، بينما غابت هذه التعابير عن وجه الضيْف. الاجتماع هو الثاني بين الجانبيْن خلال خمسة أشهر.
في كانون الأول/ديسبمر الماضي، زار السيد قصر الصافرية بعد 10 سنوات من القطيعة، اشتدّ فيها الخناق على المعارضة السياسية والشعبية، وأضحى كلّ مطالبٍ بحقّ سجينًا أو شهيدًا.
"مضيعة للوقت لا أكثر"، بهذه العبارة تصف مصادر رفيعة في المعارضة البحرينية اللقاء. لماذا تُسأل، تُسهب هنا بالإجابة فتقول "من يريد فعلًا حلّ المشكلة والدخول في حوارٍ مع المعارضة بعد أعوام من القمع والسجن والتنكيل والإسكات والإهمال والتصفية والقتل والإعدام لا يكتفي بصورٍ شكلية لا انعكاسات جدية لها".
بحسب المصادر الرفيعة، السيد عبد الله الغريفي لا يصدّ الباب بوجه النظام من موقعه الديني، غير أن السلطة تتحيّن الفرص للترويج لما تودّ إبرازه أمام الرأي العام الأجنبي قبل المحلي.
لا شيء يُذكر في اللقاء، سوى أنه كسرٌ ولو بنسبة متدنّية للجليد القائم بين المعارضة والنظام الذي لم يقدّم أية مبادرة حقيقية يمكن البناء عليها. المواكب لاستفحال الأوضاع السياسية والحقوقية في البحرين، يُدرك أن تشديد القبضة الأمنية في المملكة لا ينسجم مع ادعاءات الانفتاح على مطالب الشعب ومن يمثّلونه. هل سيُفرج الملك عن قرابة ألفيْ معتقلٍ سياسي وليس جنائيا في السجون؟ هل ستُعامل أجهزة السلطة هؤلاء فجأة بإنسانية وتداوي من صحّته تدهورت بقصدٍ وتعمّدٍ من عناصرها وإدارتها ولا سيّما في سجن جو؟ هل ستسمح لرموز المعارضة بالتنفّس وتُعيد إليهم حريّتهم المسلوبة ظُلمًا وقهرًا؟ هل ستُرجع لمن أسقطت جنسيّاتهم هويّتهم الوطنية؟ هل ستُعيد صلاة الجماعة والجمعة الى أيّامها الذهبية في الدراز؟ أستُحيي من باتَ تحت التراب بغيًا؟
تساؤلات واقعية لا تُفارق المصادر التي تزيد عليها: "هل ستوقف عنفها المتمادي ضدّ طائفةٍ واسعة من الشعب؟ هل سترضى بأن يعمل القضاء على إقامة العدل حقًا؟ هل ستقبل بأن يتمكّن مجلس النواب من ممارسة دوره الرقابي لمحاسبة الحكومة؟ هل ستنكفئ عن تقليص صلاحيّاته وتتجاوب مع توجيه نوابه النقد واللوم والاتهام؟".
على الرغم من سوداوية المشهد في البحرين، لا بدّ من القول إن شيئًا ما يلوح في الأفق. هذا ما يُستشفّ من كلام المصادر البحرينية.
وفق معطياتها، تنسجم خطوة الملك الأخيرة مع أجواء التهدئة في الإقليم، ولا سيّما بعد المواقف الأخيرة لوليّ العهد السعودي محمد بن سلمان ونبرته التراجعية حيال إيران، فهو قال خلافًا لما اعتقد سابقًا "إيران دولة جارة، ونريد أن تكون لدينا علاقة طيبة ومميّزة معها.. لا نريد أن يكون وضع إيران صعبًا بل نريدها مزدهرة".
المسألة بالنسبة للمعارضة مُرتبطة اذًا بالحوار الإيراني السعودي. وضمن هذا السياق يأتي الإفراج عن المعتقلة زكيّة البربوري التي احتجزت قبل 3 أعوام خلال حملة مداهمات شرسة لمنازل المواطنين في بلدة النويدرات.
تُراقب المعارضة ما يجري على أرض الوطن بحذرٍ شديد. صحيحٌ أن الأحوال تجنح نحو الهدوء، إلّا أن الثقة المفقودة بأداء السلطة ومراوغتها المستمرّة لن تُطمئنها حتى يُفرض الحلّ الشامل للأزمة، وينال المواطنون حقوقهم.
على الرغم من كلّ الخوف المُسيطر في الأرجاء، المُعارضة مُنفتحة دائمًا على أية خطوة تحمل ملامح الإيجابية. المرجع البحريني الكبير الشيخ عيسى قاسم حدّد من باب النُصح طريق الخلاص من المِحنة المُعقّدة فشدّد على أن "حلّ الأزمة والمُهدّدة بالدمار الكامل متوقف على تراجع الحكم عن الخطأ، وفي ذلك فضيلة"، داعيًا الى أن يُبادر الحكم للدخول مع المعارضة في اتفاق على وضع جديد دستوري ومؤسساتي وعملي يحفظ حقوق المواطنين ويعترف لهم بموقعهم السيادي في سياسة بلدهم".
بناءً عليه، مُبادلة الخير لن تكون إلّا بالخير، وموقف نائب الأمين العام لجمعية الوفاق الاسلامية الشيخ حسين الديهي واضحٌ لهذه الناحية عندما أكد أن أيّ خطوة إيجابية يخطوها ولي العهد سنقابلها بخطوات أكثر إيجابية.
إنها مملكة الريتويت. تنتظر أحداث المنطقة لتُبطل تنكيلها بالشعب، أو ربّما لتستريح قليلًا علّها تستأنفه في ظرف آخر.