خاص العهد
القصير تستعيد بعض عافيتها.. والأهالي يروون لـ"العهد" حكايا العودة
محمد عيد
شكل انتصار الجيش السوري ورجال المقاومة اللبنانية في معركة القصير في حزيران من العام 2013 الضربة القاصمة الأولى للمشروع التكفيري الذي أراد من خلال السيطرة على المدينة الحدودية مع لبنان طعن المقاومة في الخاصرة وفصل المنطقة الوسطى في سوريا عن شمال البلاد وجنوبها بعد السيطرة على الأوتوستراد الدولي دمشق - حمص.
"العهد" جال في القصير وعاين الحياة المتجددة في المدينة بعد عودة الهدوء إليها.
مدينة السلام
يذكر المؤرخون أن منطقة القصير شهدت معركة قادش الثانية بين الفراعنة والحثيين والتي وقّعت بموجبها أول معاهدة سلام موثقة في التاريخ، ومنذ ذلك الحين ارتبطت القصير بمفهوم "صنع السلام" كما ذكر الباحث التاريخي أشرف العلي لموقع "العهد" الإخباري.
أهالي القصير الذين التقيناهم فسروا لنا ذلك على ضوء ما عاينوه بأنفسهم من معارك بين الجيش السوري ورجال المقاومة من جهة والتكفيريين من جهة أخرى: "حسم الجيش والمقاومة الأمر بسرعة وجاء السلام على طبق من حرب خاطفة" تقول كريستين لموقع "العهد" الإخباري وهي تتجهز للذهاب إلى ورشة الخياطة التي أعادت ترميمها بعد الحرب بموجب قرض لـ "المشاريع الصغيرة" أخذته من أحد المصارف الحكومية.
أثناء الحرب نزح معظم سكان القصير إلى القرى والبلدات المجاورة وما إن أمن الجيش والمقاومة المنطقة بعد التحرير حتى سمحت الحكومة للأهالي تدريجياً بالعودة. "عادت حركة الحياة في مختلف المجالات تدريجيًا" يقول رئيس مجلس مدينة القصير عبد الكافي الخطيب لموقع "العهد"، مشيراً إلى أهمية المنطقة التي تربط بين الريف اللبناني الشمالي ومحافظة حمص السورية الأمر الذي سمح "بازدهار" النشاط التجاري تاريخيًا بين الجانبين.
لم يمر الإقطاع يوما
الخطيب لفت كذلك إلى النشاط الزراعي الذي تعيشه حاليًا مدينة القصير بسبب مساحتها الكبيرة ومرور نهر العاصي على مقربة منها الأمر الذي سمح بتعدد الزراعات المروية والبعلية في المدينة وأنعش مجددًا حياة الفلاحين العائدين. وفي القصير ميزة قلما عاشتها البلدات الريفية الأخرى وتتمثل بغياب الإقطاع تاريخيًا عن تملك أراضي البلدة التي بقيت لأصحابها يعملون بها ويزرعونها بما يشاؤون.
مواسم القمح والشعير عادت "لتعيننا على صعوبات الحياة" يقول فلاح يتجهز للحراثة الربيعية لموقع "العهد" الإخباري، بساتين التفاح والمشمش تمتد على مساحات شاسعة من القصير. "بقيت هذه الأراضي مهجورة طوال سنوات الحرب وخشي الأهالي من الألغام لكننا عدنا اليوم لعملنا" يقول الفلاح أبو فارس لـ"العهد".
عودة النشاط الصناعي
ثمة العديد من معامل الصناعات التحويلية في مدينة القصير. المنشآت الصغيرة والمتوسطة عادت للعمل بما يتناسب مع إعادة تجهيز البنى التحتية فيها مجددًا. يلفت أبو حيدر صاحب معمل كونسروة لموقع "العهد" الى أن "الحكومة السورية أعادت الكهرباء والمياه إلى البلدة آخذة بعين الاعتبار البعد التجاري للمنشآت الصناعية التي تغطي قسمًا كبيرًا من القصير"، موضحًا أن "ثمة نقاشات كثيرة مع المحافظة وممثلين عن وزارات الصناعة والزراعة للنهوض مجدداً بواقعنا الصناعي، والمدينة غالبًا ما كانت تتأثر بالأحداث السياسية منذ زمن الحرب الأهلية اللبنانية التي انعكست سلبًا على الحياة الاقتصادية في مدينة القصير".
تبدو القصير مدينة متكاملة لا يعوزها أي من أسباب الحياة التي شكلت الزراعة والصناعة والتجارة مثلثها الحيوي، ومع ترسيخ أوتاد الاستقرار في البلدة وعودة أهاليها إلى أعمالهم بعد طي صفحة الحرب عاد مفهوم "صنع السلام" ليتمدد باتجاه بقية المناطق المحيطة التي شهدت مصالحات عديدة حولت محافظة حمص إلى أول مدينة في سوريا يعم السلام كل ربوعها. كانت القصير البداية وفيها سيكون "حسن الخاتمة" كما يقول الأهالي هنا.