خاص العهد
كهرباء لبنان: العتمة خيار أم قدر؟
زينب نعمة
أنفق لبنان أكثر من 30 مليار دولار على مشاريع إنشاء وتأهيل وتشغيل معامل الكهرباء، ومع ذلك، فإن هذا القطاع ما يزال عاجزًا عن تلبية متطلبات لبنان من الكهرباء، ويعيش اللبنانيون أزمات تقنين تتفاوت مدتها بين الحين والآخر، وصولًا الى خطر الوصول للعتمة الشاملة.
وتخلص دراسة للدولية للمعلومات نشرت عام 2018، الى أن مشاريع إعادة تأهيل وتطوير الكهرباء التي أنفق عليها ما يقرب من 1.8 مليار دولار (دون احتساب كلفة الفائدة)، باتت عاجزة عن تأمين الطاقة المطلوبة لحاجة المستهلكين، مشيرة الى العجز المالي لمؤسسة كهرباء لبنان وعدم وضع عدادات للمشتركين الجدد ما يزيد من استهلاكهم من دون دفعهم أية فواتير لقاء ذلك، وعدم الشفافية في إرساء صفقات الفيول لجهة الأسعار والنوعية مما يزيد من كلفة الفيول ويؤدي إلى أعطال في المعامل، وصولًا الى الاعتداءات الإسرائيلية والتي تسببت بأعطال وأكلاف في محطات التحويل، فضلًا عن عامل مهم يتمثل بـ"عدم توفّر الإرادة السياسية".
وبحسب الدولية للمعلومات فقد بلغ إجمالي عجز الكهرباء المتراكم خلال 26 عاماً (من أول 1992 إلى آخر 2017) 36 مليار دولار أميركي منها 20.6 مليار تحويلات و15.4 مليار فوائد بمعدل 6.8% سنوياً، ويمثل هذا العجز حوالي 45% من إجمالي الدين العام الذي بلغ 79.5 مليار دولار بنهاية كانون الأول 2017.
وزير الطاقة والمياه السابق محمد فنيش يوجز في لقاء مع موقع "العهد" الإخباري مسببات أزمة الكهرباء في لبنان بالتالي:
- بالدرجة الأولى سوء إدارة هذا القطاع المهم والأساسي، والمرتبط بكثير من القطاعات الحيوية الأخرى.
- نقص الإنتاج في كل المعامل والمحطات والبواخر، حيث إنّ كل مصادر الطاقة مجتمعة وإن عملت بطاقتها القصوى لا تؤمن 16 ساعة تغذية للكهرباء.
- غياب الإصلاحات في قطاع الكهرباء لأنّ هذا الإصلاح هو مفتاح للكثير من الأمور.
- غياب المرجعية السياسية وغياب الرؤية الواحدة تجاه هذا الملف، أي تعارض المصالح بين مختلف الفئات السياسية.
- تجميد عدة أمور ومن أهمها موضوع التعرفة والضريبة على هذه الخدمة، فلم يتمّ التعاطي مع الكهرباء كسلعة تؤمن مدخولًا ماديًّا مهمًا ما ولّد عجزًا ماليًا، ولم يُترك المجال أمام مؤسسة كهرباء لبنان للحصول على استقلالها المالي والإداري.
- عدم مواكبة إصلاح إدارة قطاع كهرباء لبنان، مما يؤدي إلى ضبط الهدر.
- عدم مواكبة حاجات البلد بالنسبة لإنشاء معامل وتشغيلها بالنفط الأقل تكلفة والأكثر ملاءمة للبيئة.
كلّ هذه الأسباب مرتبطة بالإنتاج وسوء الإدارة، بحسب فنيش، وهناك أيضًا أسباب ترتبط بموضوع النقل لخصها الوزير السابق بعدم وجود خطّة استراتيجية ومخطط توجيهي لقطاع النقل ومواكبته. على سبيل المثال تمّ إنشاء معملين ولم يتمّ إنشاء خطوط لضبط نقل وتوزيع الكهرباء لكثير من المناطق، حيث تستبعد كثير من المدن والقرى من التغذية الكهربائية بسبب هذه المشكلة، كذلك موضوع الهدر والتعدّي الكبير على الشبكة، كلّها عوامل أوصلت القطاع إلى هذا الوضع المتردي.
العراقيل كثيرة أمام تحسّن هذا القطاع أبرزها الصراع السياسي الموجود وغياب الرؤية الواحدة في متابعة الملفات، وتعارض المصالح، واختلاف التوجّهات بين الأطراف السياسية والذي يخلق نوعًا من الكيدية السياسية كلّها تؤدي إلى حصول شلل وعجز عن تنفيذ الإصلاح في هذا القطاع.
وبحسب تقديرات خبراء الطاقة، فإن حاجة لبنان للطاقة تقدّر بأكثر من ثلاثة آلاف ميغاوات، فيما المتاح من معامل إنتاج الكهرباء من ألف ومئتين إلى ألف و600 ميغاوات.
أكثر من 37 مليار دولار منذ 30 سنة
الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة، يلفت في حديث لموقع "العهد" الإخباري الى أن التكلفة التي تكبدتها الدولة بسبب قطاع الكهرباء تخطّت الـ37 مليار دولار منذ 30 سنة إلى اليوم، مشيرًا الى أن خططًا كثيرة أقرت على مدى سنوات طويلة، فمنذ الـ1992 تمّ وضع والمصادقة على عشرات الأوراق الإصلاحية التي كانت دائمًا ما تصطدم بعقبات الخلافات السياسات وإختلاف المصالح بين مختلف الأطراف. فمثلاً عام 2010 وضعت "خطّة الكهرباء" التي تنصّ على مجموعة إصلاحات تؤدي إلى تأمين التيار الكهربائي 24 ساعة والحدّ من استنزاف مالية الدولة التي أنفقت مليارات الدولارات على مدى سنوات وتخفيف العجز المالي، كما تهدف إلى تحسين الخدمات عبر تفعيل الجباية وزيادة إنتاج الطاقة الكهربائية من خلال إنشاء معامل مؤقتة وجديدة، كذلك إنشاء أخرى صديقة للبيئة والاستفادة من الطاقة المتجددة، وأيضا تقرّ الخطّة وقف الهدر الفنيّ وغير الفنيّ ونزع التعديات المنتشرة في كثير من المناطق.
اشتراكات المولّدات الكهربائية
وفي مقابل عجز الدولة عن تأمين حاجات المواطنين من الكهرباء، نشأ قطاع موازٍ عرف بالمولدات. وتنتشر المولّدات الكهربائية بكثرة في كافّة المناطق اللبنانية وتتركّز بشكل كبير في العاصمة بيروت وضواحيها بسبب الكثافة السكانية الكبيرة. ومعظم هذه المولّدات تنشأ بشكل عشوائي بين الأحياء السكنية، ولا تراعي الأثر البيئي ولا الشروط الصحيّة ولا البيئية ما يسبب مشاكل كبيرة على المدى القصير والبعيد.
وعادة ما يحظى أصحاب هذه المولّدات بحماية سواء ذاتية أو سياسية أو عشائرية تجعلهم في موقع القوّة في مواجهة أيّ مشاكل قد تعترض عملهم.
يقول المواطن أبو علي لموقع "العهد" الإخباري أنّ التقنين القاسي أجبره كما الكثير من جيرانه وأقاربه للجوء إلى الإشتراكات الكهربائية بالمولّدات الخاصّة. وهو يعتمد نظام العداد الكهربائي في منزله ومحلّه على حدّ سواء. وحول الفاتورة التي يدفعها، يؤكّد أنّها تشكل عبئًا إضافيًا على الناس لأنّ أصحاب المولّدات يستغلّون حاجة المواطنين للكهرباء ويقومون بتحديد تسعيرة باهظة وغير منطقية في بعض الأحيان. ولكن يضطر كثر إلى الرضوخ بسبب الحاجة الملحّة للتيار الكهربائي خاصّة لأصحاب المصالح والأشغال.
العون الايراني؟
حاليًا يعاني لبنان عجزًا على كافة الصعد يضعه على شفير الانهيار، في ظل تهديد مستمر بالوصول الى العتمة الشاملة. أمام هذا الواقع، تتجدد العروض الايرانية للبنان بالتعاون في مجال الطاقة، فيستفيد لبنان من الكهرباء مقابل الدفع بالليرة اللبنانية، وهو ما يوفر على الدولة أكلاف الدولار غير المتوفر، فهل تتجرأ الدولة اللبنانية هذه المرة على فتح باب قبول العون الايراني في ظل اقفال الأبواب الأخرى، أم يبقى اللبنانيون مهددين بالعتمة خوفًا من سفارة عوكر؟