خاص العهد
هل المصارف اللبنانية فوق القانون؟
فاطمة سلامة
كثيرة هي التجاوزات التي قامت بها المصارف اللبنانية منذ عام 2019 حتى اليوم. لطالما أُفردت فوق رأس "الكارتيل المصرفي" -كما يحبّ البعض وصفه- خيماً سياسية زرقاء. ذاق المواطنون الأمرّين مع سياسة المصارف. احتُجز شقاء عمرهم فوقفوا في الطوابير لساعات يتسوّلون أموالهم بالقطارة. شارك جزء من هذه المصارف في خطيئة تهريب الأموال إلى الخارج. تماماً كما شارك في عملية "المضاربة" بالسوق السوداء لنشهد سعر صرف للدولار فالتاً من عقاله.
الأمر لم يتوقّف عند هذا الحدّ، بل تمرّدت المصارف على القانون فامتنعت عن تطبيق قانون "الدولار الطالبي" باستثناء قلّة لا تذكر منها. وبموازاة هذه التجاوزات وغيرها الكثير، تكمن المفارقة في التّجرؤ الذي نراه اليوم من قبل بعض المصارف على القضاء اللبناني حين يُسلّط الضّوء على كلّ هذه الإرتكابات. وكأنّ المطلوب إمعان في التجاوزات يقابله إمعان في السكوت السياسي والقضائي. وكأنّ المطلوب أن يقال للمواطنين :"المصارف على حقّ وأنتم من تفترون عليها"، على اعتبار أنّ حزب المصرف فوق القانون وفوق القضاء وفوق المحاسبة.
قرم: المصارف تحكم لبنان منذ زمن
لدى سؤاله عن تجاوزات المصارف وأدائها، يُسجّل وزير المالية السابق الدكتور جورج قرم الكثير من الملاحظات. يشدّد في حديث لموقع العهد الإخباري على أنّ المصارف تحكم لبنان منذ زمن. يُطلق على لبنان تسمية "جمهورية مالية وعقارية". برأيه، أسّست المصارف لنظام فريد من نوعه في العالم، إذ لم يحصل في التاريخ أن حكمت المصارف في أي بلد بالعالم كما حكمت في لبنان.
ورداً على سؤال ما إذا كانت المصارف أكبر من القضاء اللبناني، يشير قرم إلى أنّ أحد عملاء المصارف الأثرياء المقيمين في نيويورك تقدّم بدعوى على مصرف لبناني، ولكن -برأيي- لن تصل هذه الدّعوى إلى نتيجة -يقول قرم- الذي يكرّر مقولته لجهة أنّ المصارف تحكم لبنان الذي يسوده الفساد والإفساد.
ويشير قرم إلى أنّ علّة العلل تكمن في السياسة النقدية التي اعتمدت في عهد رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، وهي سياسة غير سوية، إذ عندما كان العالم كلّه يسير وفق العملات العائمة كان لبنان يعتمد سعر الصرف الثابت لتأمين أرباح خيالية لأصحاب الرساميل في البلد.
ويلفت قرم إلى أنّ المصارف تحتجز اليوم أموال المودعين بعد أن هرّبت رساميلها إلى الخارج، لافتاً إلى أنّ أداءها جعل المغتربين يكتفون بتحويل ما يحتاجه أقرباهم في لبنان فقط ما أدّى إلى شحّ بالدولار، مستبعداً أن تتمّ محاسبة النظام المصرفي، فيما يستفرد البنك المركزي بقرارات كثيرة. وهنا يستغرب قرم أن يبقى حاكم بنك مركزي في منصبه لثلاثين عاماً. بتقديره، إذا كان الحاكم ناجحاً يتمّ إعطاءه ولاية ثانية، وهذا يتطلّب أن تكون ثقافته المالية والاقتصادية واسعة ومعمّقة.